لبنان: العقوبات على رئيس «الوطني الحر» تخلط أوراق النفوذ بين القوى المسيحية

خصومه يراهنون على فرملة الاندفاعة العميقة لتياره داخل «السلطة»

جبران باسيل (الوكالة الوطنية)
جبران باسيل (الوكالة الوطنية)
TT

لبنان: العقوبات على رئيس «الوطني الحر» تخلط أوراق النفوذ بين القوى المسيحية

جبران باسيل (الوكالة الوطنية)
جبران باسيل (الوكالة الوطنية)

خلطت العقوبات الأميركية على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أوراق النفوذ السياسي في الشارع المسيحي، إذ بدا أنها تقوض نفوذ «التيار الوطني الحر» في السلطة، على خلفية اتهامه بالفساد، وتدفع باتجاه «فرملة» الاندفاعة العميقة للتيار داخل السلطة، بما ساهم في كسر التوازنات المسيحية في الإدارة خلال السنوات الماضية.
ويقول خصوم التيار إنه منذ وصول الرئيس اللبناني ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، تضاعفت حصة التيار في الوزارات والتعيينات والوظائف، ما ساعد التيار على الدخول إلى الدولة العميقة، ويتهمونه بأنه عيّن مناصرين له في وظائف ومواقع في الإدارة اللبنانية، من غير أن ينفوا أن النظام اللبناني القائم على المحاصصة والزبائنية أتاح ذلك، وهو ما رفضه اللبنانيون في انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
ومع أن القوى المسيحية وضعت العقوبات، على الأقل في التصريحات الإعلامية، في سياقها الأميركي، وحاولت عزل تداعياتها عن الداخل اللبناني، فإن خصوم التيار يرون أن أولى تداعيات العقوبات، أنها ستخفف من اتجاه التيار «لاحتكار الحصة المسيحية»، ويراهنون على أن العقوبات التي اتهمت باسيل بالفساد، «يمكن أن تفرمل تلك الاندفاعة في معرض إثباته أن التهمة غير واقعية»، وهو ما قاله بالفعل نفياً لتهمة الفساد.
ويرى أمين سر تكتل «الجمهورية القوية» فادي كرم أن تأثير العقوبات على باسيل لن يقتصر على إمكانياته في الدولة وقدراته داخلها فحسب، بل على مستقبله السياسي ووضعية البلد طالما أن هذه السلطة تتحكم بلبنان، مشيراً إلى أن «ما أتى على لسان قاضٍ أميركي حول العقوبات، يؤشر إلى استمرار سقوط منظومة السلطة، ومن ضمنها التيار الذي دخل في الكثير من التسويات بهدف المحافظة وتأمين الغطاء للاشرعية والفساد، والزبائنية بالتعيينات والتوظيفات».
ويؤكد كرم، وهو نائب سابق عن حزب «القوات اللبنانية»، أن مواصلة التوظيفات ضمن آلية المحاصصة والزبائنية «هو استمرار بدولة المزرعة، وما وصلت إليه الدولة يفرض أنه لا يمكن الاستمرار بالوضع القائم وهو استخدام مؤسسات الدولة لمصالحهم الخاصة والزبائنية». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «ثورة 17 تشرين مع معارضتنا لهذه السلطة، والعقوبات التي أتت من الخارج، لها تأثير على تسلط الثلاثي الحاكم للدولة لجهة تشكيل آلية ردع لهذا النهج، حتى لو لم تتفرمل تلك الآليات القائمة كلياً لأن الأفرقاء لا يزالون مصرين على المتابعة بأدائهم ولا يتقنون أي أداء آخر، ولا يزالون يعتقدون أن التمسك بالسلطة هو الأساس».
لكن تلك الرهانات اصطدمت في أول اختباراتها، بتشدد باسيل بمطالبه الحكومية، حين فرض على الرئيس المكلف سعد الحريري «وحدة المعايير» في عملية التأليف، ما يعني تجدد مطالبته بتسمية وزراء في الحكومة، والمطالبة بحقائب، أسوة بآخرين بينهم «الثنائي الشيعي» الذي طلب وزارة المالية من حصته واقتراح أسماء لديه لتوليها.
وفيما يرى سياسيون أن العقوبات أعادت التوازن إلى الشارع السياسي المسيحي، عبر تقويض نفوذ باسيل، يقول كرم إن التوازن ليس مسألة إيجابية للمسيحيين بعدما اختلفت موازين القوى شعبياً، بالنظر إلى أن «المسيحيين باتوا ضد السلطة الحاكمة، وباسيل جزء منها». ويشير إلى أن «القوات اللبنانية» باتت «الأوسع تأييداً في صفوف المسيحيين، وهناك أفرقاء آخرين معارضين لباسيل والسلطة الحاكمة، يتمتعون بشعبية أيضاً، ولو في درجة أقل من القوات»، مشدداً على أن الشارع على المستوى الشعبي «بات ضد السلطة، وباسيل من ضمنها، ويحمله مسؤولية التدهور». ويشير إلى «أننا لا نسعى إلى توازن في السلطة مع الفريق الحاكم ونعتبر السلطة ساقطة ويجب ألا نكون فيها».
وخلافاً لتلك التقديرات، يرى الباحث السياسي الدكتور توفيق الهندي أن باسيل حقق مكسباً حين اختار استمرار التحالف مع «حزب الله» حين خيّره الأميركيون بين مغرياتهم أو الحزب، كما قال في مؤتمره الصحافي أول من أمس (الأحد)، وهو ما يفضي إلى أن باسيل «تعزز موقفه لبنانياً». وبذلك، يقول الهندي إن باسيل «التصق بحليف قوي في لبنان، سيعوّض عليه الكثير، خصوصاً أن الحزب لا يمتلك حليفاً مسيحياً سواه يتمتع بأكثرية نيابية حتى الآن».
موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن قوة الحزب «نابعة من امتلاكه السلاح الذي وفر له الهيمنة على الدولة، وهو يقبض على السلطة في لبنان حتى في زمن الرئيس الأميركي دونالد ترمب».
ويرى الهندي، وهو قيادي سابق في «القوات» ومعارض لباسيل، أنه خلافاً للتقديرات «لا يبدو باسيل خسر حظوظه بالرئاسة، لأن هذا الأمر مرهون بالتطورات الدولية». ويعد الهندي حالة «الاهتراء» التي يعاني منها لبنان، في ظل «ضعف مسيحي»، تجعل أن لا حل في لبنان إلا بوضعه تحت الوصاية الدولية.
وفي ظل «لبننة» تداعيات العقوبات على الداخل اللبناني، يرى الباحث السياسي والدستوري الدكتور أنطوان مسرة أن لبننة الحدث «تمثل مقاربة ضيقة، وإخراجاً لها من القضية الجوهرية وهي قضية لبنان ودعم الإرهاب والهيمنة الفئوية على لبنان»، موضحاً أنه «ملف عالمي مرتبط بمحاربة الفساد والإرهاب ويجب التعاطي بجدية معه». ويقول مسرة، وهو عضو سابق في «المجلس الدستوري اللبناني» لـ«الشرق الأوسط» أن «جعل الملف محلياً، هو تسخيف له، وتعاطٍ بخفة معه، وإخراج له من سياقه الدولي، كما جرى حين تعاطى اللبنانيون مع الحكم الصادر بملف اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، ومثل ما تعاطى فيه البعض مع ملف تفجير المرفأ».



مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
TT

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في سلطنة عمان، الاثنين، ملفَ التوترات الأمنية في البحر الأحمر، مؤكداً أهمية سلامة الملاحة البحرية وحرية التجارة الدولية، وارتباط ذلك بشكل مباشر بأمن الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

وحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، أشار عبد العاطي إلى «تأثير تصاعد حدة التوترات في البحر الأحمر على مصر، بشكل خاص، في ضوء تراجع إيرادات قناة السويس».

وأدى تصعيد جماعة «الحوثيين» في اليمن لهجماتها على السفن المارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بداعي التضامن مع الفلسطينيين في غزة، إلى تغيير شركات الشحن العالمية الكبرى مسارها من البحر الأحمر، واضطرت إلى تحويل مسار السفن إلى طرق بديلة منها مجرى رأس الرجاء الصالح.

وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار (الدولار الأميركي يساوي 50.7 جنيه في البنوك المصرية) خلال العام المالي (2022 - 2023)، إلى 7.2 مليار دولار خلال العام المالي (2023 - 2024)، حسب ما أعلنته هيئة قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وخلال لقاء الوزير عبد العاطي مع فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، أشار إلى تقدير مصر الكبير للقيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق، وللدور الإيجابي الذي تضطلع به سلطنة عمان على المستويين الإقليمي والدولي.

وأكد عبد العاطي أهمية التعاون المشترك لتعزيز الأمن العربي، وحرص مصر على التنسيق والتشاور مع السلطنة لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل الاضطرابات غير المسبوقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على عدة جبهات.

وطبقاً للبيان، تناول اللقاء مناقشة عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، على رأسها القضية الفلسطينية واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والجهود المصرية لاحتواء التصعيد في المنطقة، والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، كما تم تبادل الرؤى حول الأوضاع في سوريا واليمن والسودان وليبيا.

وخلال لقائه مع بدر البوسعيدي، وزير خارجية سلطنة عُمان، في إطار زيارته الرسمية إلى مسقط، ناقش عبد العاطي مجمل العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك حيال القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك.

مباحثات سياسية بين وزير الخارجية المصري ونظيره العماني (الخارجية المصرية)

تناول الوزيران، حسب البيان المصري، أطر التعاون الثنائي القائمة، وسبل تعزيز مسار العلاقات بين مصر وسلطنة عُمان، والارتقاء بها إلى آفاق أوسع تنفيذاً لتوجيهات قيادتي البلدين.

وزار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مسقط، في يونيو (حزيران) 2022، بينما زار السلطان هيثم بن طارق القاهرة في مايو (أيار) 2023.

وأكد الوزيران على أهمية التحضير لعقد الدورة السادسة عشرة للجنة المشتركة بين البلدين خلال الربع الأول من عام 2025، لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات.

وشدد عبد العاطي على الأهمية التي توليها مصر لتطوير وتعزيز علاقاتها مع سلطنة عُمان، مشيداً بالعلاقات الوطيدة والتاريخية التي تجمع بين البلدين. وأشار إلى الاهتمام الخاص الذي توليه مصر للتعاون مع أشقائها في الدول العربية في مجال جذب الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، مستعرضاً برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الجاري تطبيقه في مصر، والخطوات التي تم اتخاذها لتهيئة المناخ الاستثماري وتوفير الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية.

كما أشار إلى أهمية العمل على تعزيز التعاون بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بـالدقم، وكذلك الربط البحري بين ميناءي «الدقم» و«صلالة»، والموانئ المصرية مثل ميناء الإسكندرية وميناء العين السخنة وغيرهما، بما يعزز التبادل التجاري بين البلدين، ويساهم في تعميق التعاون بينهما في مجالات النقل الملاحي والتخزين اللوجستي، في ضوء ما تتمتع به مصر وعُمان من موقع جغرافي متميز يشرف على ممرات ملاحية ومضايق بحرية استراتيجية.

وفيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية في ظل التحديات المتواترة التي تشهدها المنطقة، ناقش الوزيران، وفق البيان المصري، التطورات في سوريا، والحرب في غزة، وكذلك الأوضاع في ليبيا ولبنان، وتطورات الأزمة اليمنية وجهود التوصل لحل سياسي شامل، وحالة التوتر والتصعيد في البحر الأحمر التي تؤثر بشكل مباشر على أمن الدول المشاطئة له، كما تطرق النقاش إلى الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي والتطورات في السودان والصومال.

وأكد البيان أن اللقاء عكس رؤيةً مشتركةً بين الوزيرين للعديد من التحديات التي تواجه المنطقة، وكيفية مواجهتها، وأكدا على أهمية تعزيز التعاون بين البلدين والحرص على تكثيف التشاور والتنسيق بشأن مختلف القضايا، كما اتفق الوزيران على تبادل تأييد الترشيحات في المحافل الإقليمية والدولية.