قصص يوسف إدريس... رؤية مضببة للعالم

عمرو العادلي تناول مناخاتها في كتاب جديد

قصص يوسف إدريس... رؤية مضببة للعالم
TT

قصص يوسف إدريس... رؤية مضببة للعالم

قصص يوسف إدريس... رؤية مضببة للعالم

يحاول الروائي والباحث عمرو العادلي في كتابه «الخطاب القصصي عند يوسف إدريس دراسة بنيوية عن رؤية العالم والشخصية المصرية» رصد المتغيرات التي واجهت المجتمع المصري في فترات معقدة ومهمة من تاريخه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، بدءاً من منتصف الخمسينات وحتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وقد استخدم في سبيل ذلك التحليل السوسيولوجي لقصص إدريس، مستفيداً من حقل الدراسات الاجتماعية، فقام بتحليل مضمونها الأدبي، وقراءة التغيرات التي طرأت على الشخصية المصرية من خلالها، كما تتبع رؤية إدريس للعالم، على ضوء التحولات المجتمعية التي حدثت في مصر خلال فترة نشر القصص، منذ مجموعته الأولى «أرخص ليالي»، وحتى الأخيرة «العتب على النظر».
تضمن الكتاب خمسة فصول، أشارت في مجملها إلى شلل الواقع وعدم حدوث أي تغييرات تُذكر في المجتمع المصري، وقال العادلي إن القصة عند يوسف إدريس استندت على عدد من التفاصيل الصغيرة والوحدات الجزئية، وهي التي ميزته في رؤيته، سواء لشخصياته أو للعالم، وقد انصبت عناصر قصصه من لغة ووصف وحوار وسرد، على خدمة الحدث، ساهمت في تصويره وتطويره، وكان أهم ما يميز قصصه عن غيرها، يتجلى في عدم وقوعها في فخ الآيديولوجيات الفجة، وكان كل ما يشغله هو معضلة الإنسان بشكل عام.

الحرية بالحياة

ولم يكن التصور في ذهن يوسف إدريس، حسب رأي العادلي، واضحاً ومحدّداً مثلما هو في ذهن كارل ماركس، عن البروليتاريا، أو الرأسمالية التي جعلت الإنسان مغترباً عن بيئته، لكن ظلال هذه الأفكار، يظهر أثرها، في شخصية «أحمد العقلة»، بطل قصة «أحمد المجلس البلدي»، فقد هجر حياة الدعة والطمأنينة والفطرة حين غادر قريته، وسافر إلى القاهرة، وفيها تبدلت الحياة لديه، وأخذت شكلاً آخر أكثر شراسة عن ذي قبل، ما جعله يعمل حساباً لكل شيء، فبعد أن كان يمنح جهوده لغيره بالمجان، ويعمل الخير دون مقابل، أدرك من خلال تعامله مع الحياة اليومية في القاهرة أنه من دون التفكير والبحث عن حيلة لن يمكنه العيش فيها، فأخذ يبيع المشروبات المثلجة لزبائن قصر العيني، كي يتمكن من الإنفاق على نفسه.
أما عن التغير في شخصية «العقلة» فتشير القصة إلى أنه لم يكن مفاجئاً، فقد سبقته تراكمات في نفسه كانت تنتظر اللحظة المناسبة، ليتحدد بعدها كم سيتغير الشخص بتغير الموقف الاجتماعي الذي صار فيه.
كان «العقلة» في صراع مع ذاته، يتجادل طوال رحلته مع مسلماته الراسخة، وأفكاره التي تغيرت تغيراً كبيراً. وقد جاءت نصيحة طبيب الصحة له بتركيب ساق صناعية، لتقلب حياته رأساً على عقب، لكن ذلك لم يستمر طويلا، فنراه يعود لصورته الأولى. وبعد كل ما يحدث له من تحولات اجتماعية، تطل الحياة العشوائية في رأسه من جديد. فالتأثر بحياة المدينة التي منحته «قدماً جديدة» كان مؤقتاً، وقد جاءت عودته سريعة لطبيعته التي كان عليها، لأنها الأقرب لروحه، وقد أطاح بقدمه الصناعية في نهاية القصة، ليعود شخصاً حرّاً، متمسكا بالحياة التي كان يعرفها على حساب الحياة المزيفة التي وضع نفسه فيها.
وترصد الدراسة مسألة الهجرة من القرية للمدينة، وتحذير إدريس من مشكلاتها، ففي قصة «النداهة» لم يكن حامد «البطل» أو زوجته يعرفان أن اللجوء إلى القاهرة محفوف بالمخاطر، خاصة عندما يكون الإنسان لا يملك الحيلة والوعي الكافيين، وغير قادر على مواجهة عالمها الغامض، الذي تشكله بأضوائها وزخمها ومتاهاتها.
ويفضح إدريس في قصة «مسحوق الهمس العالي» ما كان يحدث في مصر خلال فترة الستينات من كبت للحريات وسجن للمعارضين، وفيها يجعل «السجين»، وهو الشخص الذي تتحرك به ومعه الأحداث، يعيش في الماضي، لا يرى واقعه الجديد، رغم سيطرة ملامح الشاويش عبد الفتاح ودلو البول والجدران الثابتة الباهتة على المشهد، وتظهر القصة أن الإنسان يمكنه أن يخرج من عباءة واقعه تماماً، وينسج حياة بديلة قوامها الخيال، وبعض أمنيات قديمة، ويرى العالم الذي يتمناه لا العالم الذي يعيش فيه بالفعل.

رؤية ضبابية

وفى قصة «الرحلة»، يبرز إدريس الرؤية السوداوية للبطل، فتبدو رحلته وكأنها بلا عودة، رحلة يزيح فيها البطل كل همومه وهواجسه دفعة واحدة، وذلك بإلقاء الأب في قبر أبدي لا يعود منه أبداً، قبر حديدي مليء بالوقود ويمكنه الانفجار في أي لحظة، وقد تشكلت رؤية السارد «البطل» عن العالم من خلال فكرة واحدة، زيف الواقع السياسي والاجتماعي والذي يكبل الطموحات، ويجعل كل ما هو ممكن مستحيلاً.
ويذكر العادلي أنه في عالم يوسف إدريس لا تسيطر السوداوية والأفكار المهزومة، بشكل كامل، وقد جاءت قصة «نظرة» لتؤكد ذلك؛ فرؤية الطفلة للعالم من خلال السرد كانت على سجيتها، براءة تنتظر ما سوف يحل بها، فالطفلة التي تخدم في بيوت الطبقة الأعلى بدت وكأنها تنتظر حياة كريمة تأتي من حدوث تغير اجتماعي عادل يضعها في الموقع الذي تتمناه.
وتظهر الدراسة وهي تحلل قصص إدريس كيف أن الرؤية الضبابية للعالم تظل سائدة بسبب القهر الاجتماعي الذي يجبر الشخصيات على الابتعاد عن الوضوح، والكذب على النفس، والرضا بالزيف بديلاً عن الحقيقة، وهو ما يبدو واضحاً في قصة «بيت من لحم»، التي رضيت شخصياتها بوضع اجتماعي شاذ بسبب الفقر، وإن لم يرضوا بهذا الوضع المشين؛ فمصيرهم بالضرورة سيكون خلف أسوار السجون، فتعقّد العلاقات الاجتماعية لا ينتج في النهاية إلا الجريمة.
وذكر العادلي أنه عند رصد رؤية أي من شخصيات «بيت من لحم»، لا يمكن إدانة إحداها على حساب الأخرى، وإننا عندما نرصد رؤى العالم لديهم/ لديهن، سنجد أن المدان الوحيد تقريباً هو المجتمع لا الأفراد.
ويقارن بين النظرة إلى العالم لدى شخصية الصبي في قصة «أُمُّه» والنظرة لدى الطفلة/ البطلة، في قصة «نظرة»، لافتا إلى أنها تغلق القوس تقريباً على مشروع يوسف إدريس القصصي.
فكما يقول: «عندما نقارن بين رؤية العالم لدى الطفلة/ البطلة، في قصة (نظرة) وبين هذه القصة، يمكننا أن نرصد كل المياه التي جرت في نهر الحياة في مصر، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، فخلال أكثر من ثلاثة عقود كان الأمل يطل من نظرة الطفلة مفعماً بالأمل وحب الحياة، أما قصة (أمه) فتبدو كأنها مرثية قصصية، لا يحدها الأمل، بل الهواجس والخوف من المجهول، وهذه الرؤية رغم سوداويتها فقد كانت تستشرف بشكل أدبي ما حدث فيما بعد، حيث يسير المجتمع إلى المزيد من التهميش ونمو العشوائيات».
وفي الختام يؤكد المؤلف أنه «يمكن القول إنه بعد رحيل يوسف إدريس منذ ما يقارب ثلاثة عقود، فإن شخصياته ورؤاهم للعالم، وعدم وجود أي تغيرات تذكر في المجتمع تجعل الدارس يضع يده على وجود حالة من الشلل في حركة التغير الاجتماعي».



«البابطين الثقافية» تعقد دورتها الـ19 وتحتفي بالتراث الشعري لمؤسسها

«البابطين الثقافية» تعقد دورتها الـ19 وتحتفي بالتراث الشعري لمؤسسها
TT

«البابطين الثقافية» تعقد دورتها الـ19 وتحتفي بالتراث الشعري لمؤسسها

«البابطين الثقافية» تعقد دورتها الـ19 وتحتفي بالتراث الشعري لمؤسسها

تعقد مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية، الأحد المقبل، في الكويت، فعاليات الدورة الـ19، حيث يتم تكريم المبدعين من الشعراء والنقاد الفائزين بجوائز المؤسسة، في حدث يُتوج الجهود الرامية إلى الاحتفاء بالشعر العربي ورموزه، وتحمل هذه الدورة اسم الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

ويقام حفل افتتاح الدورة التاسعة عشرة صباح الأحد المقبل بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وعلى مدى ثلاثة أيام من مساء الأحد 15 إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تقدم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي خمس جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها أربع جلسات أدبية يعرض فيها الأدباء والنقاد المختصون ثمانية أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتفى به، وثلاث أماسٍ شعرية يشارك فيها 27 شاعراً، ودعت المؤسسة لذلك نخبة من الأدباء والنقاد ورجالات الفكر والثقافة من مختلف أرجاء الوطن العربي.

سعود عبد العزيز البابطين رئيس مجلس الأمناء (الشرق الأوسط)

وصرح سعود عبد العزيز البابطين رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية، بأن هذه الدورة تتميز بطابع استثنائي يُضفي عليها أهمية خاصة، حيث تعقد تحت رعاية أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، «ما يعكس دعمه للثقافة والفكر، ولكونها أيضاً تعقد على أرض الكويت، هذا الوطن الذي طالما شكل منارة للثقافة العربية ورافدًا غنيًا للعطاء الأدبي».

وأضاف: «إن اختيار يوم 15 من ديسمبر (كانون الأول) لإطلاق هذه الدورة يحمل رمزية خاصة، فهو يوم تتقاطع فيه ذكرى وفاة والدي، الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (طيب الله ثراه)، مع تجديد عهدنا كمؤسسة في حمل رسالته الثقافية والشعرية».

وقال: «كان الراحل عبد العزيز سعود البابطين شاعراً يرى في الكلمة مسؤولية وقوة، ونحن نلتزم في هذه الدورة بالسير على خطاه، مضيفين لمساته الإنسانية إلى فضاء الشعر العربي».

وأشار إلى أن هذه الدورة ستشهد برامج متنوعة تحتفي بالإبداع الشعري، إلى جانب فعاليات تسلط الضوء على الإرث الشعري والإنساني للشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين، ودوره في تعزيز القيم الثقافية والإنسانية.

وتضم فعاليات الدورة التاسعة عشرة، مجموعة من الفعاليات، تشمل ندوات شعرية تناقش أعمال الراحل عبد العزيز البابطين، وتأثيرها في المشهد الثقافي. وجلسات حوارية تستعرض رؤيته الفكرية ودوره في تعزيز القيم الإنسانية من خلال الشعر. وأمسيات شعرية بمشاركة نخبة من أبرز الشعراء العرب.