لبنان: فجوة عجز ميزان المدفوعات تصل إلى 10 مليارات دولار

العجوزات القياسية تتوالى شهرياً في صافي الأصول الخارجية

تزداد أزمات لبنان المالية مع قرب نفاد الاحتياطات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان (رويترز)
تزداد أزمات لبنان المالية مع قرب نفاد الاحتياطات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان (رويترز)
TT

لبنان: فجوة عجز ميزان المدفوعات تصل إلى 10 مليارات دولار

تزداد أزمات لبنان المالية مع قرب نفاد الاحتياطات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان (رويترز)
تزداد أزمات لبنان المالية مع قرب نفاد الاحتياطات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان (رويترز)

في مؤشر بالغ الدلالة على عمق القاع الذي يواصل القطاع المالي اللبناني الانحدار إليه، سجل ميزان المدفوعات عجزاً قياسياً جديداً بنحو 10 مليارات دولار حتى نهاية الفصل الثالث من العام الحالي، منذراً بتكوين فجوة تاريخية قد تتعدى 12 مليار دولار في حصيلة تراكمية للعام الحالي بأكمله؛ بالتوازي مع قرب نفاد الاحتياطات بالعملات الأجنبية لدى «مصرف لبنان» وتعذر توفير الدعم التمويلي للسلع الاستراتيجية والأساسية.
ووفق رصد استخلصته «الشرق الأوسط» بالاستناد إلى البيانات المجمعة والمحدثة لدى البنك المركزي و«جمعية المصارف»، فقد تبين أن الأشهر الثلاثة الأخيرة شهدت انهيارات دراماتيكية في صافي الموجودات الخارجية بإجمالي ناهز 7 مليارات دولار. وهي موزعة بين 2.1 مليار دولار في سبتمبر (أيلول) الماضي، و1.97 مليار دولار في أغسطس (آب)، و3 مليارات دولار في يوليو (تموز)، لتضاف الحصيلة الأسوأ على الإطلاق، إلى قيمة العجز المجمعة للفصلين الأول والثاني بنحو 2.6 مليار دولار.
وبذلك، فقد بلغ العجز الإجمالي المجمع نحو 9.6 مليار دولار في 9 أشهر، أي بمتوسط حسابي يماثل 1066 مليون دولار شهرياً، مقابل نحو 5.96 مليار دولار للفترة عينها من العام الماضي؛ أي نحو 662 مليون دولار للمتوسط الشهري. وعليه، حازت البيانات المحققة ريادة العجز الأعلى على المستويين الشهري والفصلي، وتستكمل بخطى واثقة لتحمل راية السنة الأسوأ والأخطر لأداء ميزان المدفوعات في تاريخ لبنان المالي.
من الناحية الرقمية البحتة، ترد مصادر مالية مواكبة، الانخفاض المحقق إلى تراجع صافي الموجودات الخارجية لدى «مصرف لبنان المركزي» بمبلغ قدره 11.96 مليار دولار حتى نهاية الفصل الثالث، والذي فاق بشكل كبير ارتفاع صافي الموجودات الخارجية لدى المصارف والمؤسسات المالية بنحو 2.35 مليار دولار في الفترة عينها.
أما لجهة الدلالات، فتشير مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، إلى دخول القطاع المالي برمته في مرحلة اختناق حرجة للغاية لا يمكن الإفلات من تداعياتها المدمرة على كامل المنظومة الاقتصادية للبلاد. علماً بأن احتياطات المصارف الخارجية متدنية للغاية وتسجل حصيلة سلبية عند جمع البيانات. وذلك بسبب تركز توظيفات المصارف المحررة بالعملات الصعبة لدى البنك المركزي بما يفوق 70 مليار دولار، تحولت بدورها إلى رهينة نتيجة تعثر الدين العام البالغ رسمياً نحو 95 مليار دولار، وبما يشمل نحو 32 مليار دولار سندات دين دولية، تحمل البنوك منها نحو 11 مليار دولار.
ويرجح خبراء ماليون أن تنعكس تداعيات الخلل القياسي في ميزان المدفوعات على سعر صرف الليرة التي فقدت نحو 80 في المائة من قيمتها حتى الآن. فضلاً عن تسريع نضوب الاحتياطات المتبقية لدى البنك المركزي، والتي يجري تقنين صرفها لتمويل مستوردات ضرورية بالسعر الرسمي للدولار البالغ 1515 ليرة. علماً بأن المعطيات والمعلومات تتفق على تقديرات تقل عن ملياري دولار قابلة للاستعمال، وقد لا تكفي لتغطية التمويل الضروري للاستيراد وتلبية الاحتياجات الملحة للدولة لثلاثة أشهر بالحد الأقصى.
وبينت أحدث البيانات المالية للميزانية تراجع قيمة الموجودات الخارجية لـ«مصرف لبنان»، على أساس سنوي، بنسبة نحو 33 في المائة؛ أي ما يماثل نحو 12.5 مليار دولار حتى نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتصل إلى 25.4 مليار دولار، أي بمتوسط يتعدى المليار دولار شهرياً. علما بأن الرقم الإجمالي يتضمن القيمة الاسمية لمحفظة سندات دين دولية (يوروبوندز) يحملها «المركزي» بنحو 5 مليارات دولار، فيما قررت الحكومة في مارس (آذار) الماضي تعليق دفع كامل مستحقات هذه السندات من أصول وفوائد. وانحدرت لاحقاً القيمة السوقية إلى ما بين 14 و16 سنتاً فقط من كل دولار.
ورغم هذه الوقائع المالية السوداوية، فإنه يبقى للبنان رصيد ذهبي «نظري» يمكن أن يشكل صمام أمان بفاعلية مؤكدة لأي خطة تعاف موثوقة يمكن أن تلقى استجابة المجتمع الدولي ومعوناته ضمن خريطة طريق المبادرة الفرنسية المشروطة بتأليف «حكومة مهمة» متجانسة وتتبنى خطة إنقاذية متكاملة تتضمن التدقيق المعمق والجنائي في كل منافذ الهدر والفساد والتهريب، ومعالجة وافية للتوظيف السياسي في القطاع العام والمؤسسات المستقلة التابعة للدولة.
وقد ارتفعت قيمة احتياطات الذهب لدى «مصرف لبنان» بنسبة 24.42 في المائة؛ أي ما يماثل 3.39 مليار دولار عند مقارنتها بالمستوى المسجل في الفترة نفسها من العام الماضي، والبالغ حينها 13.89 مليار دولار.
وبذلك يشكل إجمالي الاحتياطات المكون من الموجودات الخارجية واحتياطات الذهب نحو 40 في المائة من الدين العام الإجمالي، و44.42 في المائة من صافي الدين العام، وهو يغطي «نظرياً» أيضاً نحو 190 شهراً من خدمة الدين.



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».