عوامل مؤثرة في تحمّل الشعير للتربة المالحة

علماء «كاوست» يبتكرون أسلوباً إحصائياً متطوراً لدراسة صفات المحصول

نبات الشعير في تجربة ميدانية
نبات الشعير في تجربة ميدانية
TT

عوامل مؤثرة في تحمّل الشعير للتربة المالحة

نبات الشعير في تجربة ميدانية
نبات الشعير في تجربة ميدانية

للتغيّر المناخي تبعات عدة، أبرزها تأثر قدرة المحاصيل الزراعية على توفير القدر الكافي منها لإطعام العدد المتزايد من سكان العالم؛ لذا يتطلّع علماء النبات إلى زراعة محاصيل تتحمّل التربة المالحة؛ أملاً في توفير الغذاء.
ومن هذا المنطلق تمكّن باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، أخيراً، من دراسة تأثير الصفات المختلفة لنبات الشعير على إنتاجية المحصول المزروع في تربة مالحة وغير مالحة، باستخدام أسلوب إحصائي قوي ومتطوّر.
يوضح جواراف أجاروال، طالب الدكتوراه في «كاوست» وأحد الباحثين العاملين في المشروع تحت إشراف أستاذ علوم الإحصاء المشارك، الدكتورة ينج صن، وبالتعاون مع عالمي النبات ستيفاني سادا، والبروفسور مارك تيستر، بأن قصور «تحليل الانحدار» التقليدي يكمن في تركيزه على إيجاد المتوسط لتوزيع معين. وجدير بالذكر، أن تحليل الانحدار هو طريقة إحصائية قوية تسمح باستكشاف لتقدير العلاقة بين متغيرين أو أكثر، من حيث تأثير هذه المتغيرات على عنصر ثابت.
ويضيف أجاروال «في علم النبات، لا تُجدي هذه الصورة غير المكتملة نفعاً؛ لأن اهتمامنا عادة ما ينصبّ على التفاصيل الدقيقة عند أقصى طرفي التوزيع، وعلى ما يمكن أن تُخبرنا به هذه البيانات بخصوص تحسين أصناف المحاصيل«.
استعان الباحثون بأسلوب إحصائي متطوّر باستخدام تقنيات الانحدار المُجزّأ لتحليل الصفات التي تؤثر في تحمّل الملوحة، وإنتاجية المحصول في نبات الشعير. استخدم الفريق تربة مالحة وغير مالحة وقسّموا البيانات إلى قيم مُجزأة مختلفة لتكوين صورة أكثر تفصيلاً عن التوزيع بالكامل. وبهذه الطريقة، استطاعوا تركيز تحليلاتهم على مجموعات النبات التي أنتجت محصولاً أكبر وأظهرت تحمّلاً أعلى لملوحة التربة، لينتقلوا بعدها إلى دراسة العوامل الرئيسية المؤثرة في تلك المجموعات.
تطرح هذه النتائج أفكاراً مهمة حول استجابات نبات الشعير، ومن شأنها أن تُسهم في اتخاذ قرارات مدروسة فيما يخص زراعة المحاصيل مستقبلاً، خصوصاً في المناطق القاحلة حول العالم.
ولعل أن من أهم الصفات في نبات الشعير التي تساعد على زيادة إنتاجية المحصول في التربة المالحة، هي أنه ينبغي ألا تتأخر فترة إزهار النبات خلال موسم النمو؛ لأن الإزهار المتأخّر قد يعني تأثر النبات بالحرارة المتزايدة مع الاقتراب من نهاية الموسم، وهو ما يُقلّل من قدرته على إنتاج الحبوب.
يقول أجاروال «ما أثار دهشتنا أن درجة تحمّل النبات للملوحة كانت تزداد زيادة خطية مع زيادة عدد السنابل لكل نبتة. رغم ذلك، كانت درجة تحمّل الملوحة تقل عندما ينتج النبات أكثر من ثلاث سنابل. وربما يكون تفسير ذلك أن النبات يستطيع التكيف مع الإجهاد الملحي خلال مرحلة إنتاج الحبوب، ويستمر ذلك حتى نقطة معينة يكون بعدها الإنتاج على حساب تحمّل الملوحة».
وتضيف صن بأنهم حريصون على التعمّق في هذه النتائج المبدئية. فنتائج هذه الأبحاث قد تساعد على فهم آليات تحمّل الملوحة في نبات الشعير وغيره من النباتات.



«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
TT

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام بمبادرات «إعادة التحريج» بصفتها استراتيجية فعّالة لمواجهة آثار تغيّر المناخ وتحسين سبل معيشة السكان المحليين.

«إعادة التحريج»

تعني «إعادة التحريج»، وفق الأمم المتحدة، استعادة الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات من خلال زراعة أشجار جديدة لتعويض الغطاء الحرجي المفقود، بخلاف التشجير الذي يركّز على زراعة أشجار في مناطق لم تكن غابات أصلاً.

وتهدف هذه العملية إلى معالجة تحديات بيئية كبيرة، مثل: التغير المناخي وتآكل التربة، كما تعزّز التنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائدها البيئية، مثل تحسين جودة الهواء. وتُسهم «إعادة التحريج» في خلق فرص عمل وتحسين الأمن الغذائي.

ومن أبرز هذه المبادرات «تحدي بون» (Bonn Challenge)، الذي أُطلق عام 2011 بوصفه حملة عالمية، تهدف إلى إعادة تأهيل 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والغابات بحلول عام 2030.

وتشمل هذه المبادرة أساليب متعددة؛ مثل: الزراعة المكثفة لتكوين غابات جديدة لأغراض بيئية أو إنتاجية، والزراعة المختلطة التي تدمج الأشجار مع المحاصيل، أو تربية الحيوانات لزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى التجدد الطبيعي حيث تترك الطبيعة لاستعادة الغابات ذاتياً دون تدخل بشري.

وفي دراسة أُجريت من قِبل فريق بحث دولي من الدنمارك وكندا والولايات المتحدة، تم تحليل تأثير «إعادة التحريج» في تحسين مستويات المعيشة لدى 18 دولة أفريقية، ونُشرت النتائج في عدد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دورية «Communications Earth & Environment».

واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 200 ألف أسرة بين عامي 2000 و2015. واستخدم الباحثون أساليب إحصائية دقيقة لتحديد العلاقة الإيجابية بين إعادة التحريج وتحسّن مستويات المعيشة.

واستندوا إلى مؤشرات متنوعة لقياس الفقر تشمل التعليم والصحة ومستويات المعيشة؛ حيث أظهرت النتائج أن زراعة الأشجار أسهمت بشكل مباشر في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى آثار اقتصادية غير مباشرة. كما أظهرت أن مناطق زراعة الأشجار كان لها تأثير أكبر من مناطق استعادة الغابات الطبيعية في تخفيف حدة الفقر.

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاغن، الدكتور باوي دن برابر، إن الدراسة تطرح ثلاث آليات رئيسة قد تُسهم في تقليص الفقر، نتيجة لتوسع مزارع الأشجار أو استعادة الغابات.

وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الآليات تتمثّل في توفير الدخل من خلال بيع منتجات الغابات، مثل: المطاط أو زيت النخيل، ما يسمح للأسرة بزيادة مواردها المادية. كما أن زراعة الأشجار قد تؤدي إلى خلق فرص عمل للسكان المحليين، في حين يمكن أن تُسهم مناطق التجديد البيئي في تحسين الظروف البيئية، ما يفيد الأسر المحلية من خلال النباتات والحيوانات التي يمكن بيعها وتوفير دخل إضافي للسكان.

ووفقاً لنتائج الدراسة، هناك مؤشرات من بعض البلدان؛ مثل: أوغندا، وبنين، أظهرت زيادة في النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار مقارنة بتلك التي لا تحتوي عليها.

تأثيرات الاستدامة

كما أشارت الدراسة إلى أن برامج التشجير في أفريقيا التي تهدف إلى استعادة أكثر من 120 مليون هكتار من الأراضي عبر مبادرات، مثل: «السور الأخضر العظيم»، و«الأجندة الأفريقية لاستعادة النظم البيئية»، تمثّل جهداً كبيراً لمكافحة الفقر وتدهور البيئة.

وتُسهم نتائج الدراسة، وفق برابر، في النقاش المستمر حول استدامة تأثيرات زراعة الأشجار في التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية، من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لهذه المبادرات عندما يتمّ تنفيذها بشكل مدروس ومتوازن. كما أظهرت أن مبادرات زراعة الأشجار، مثل «تحدي بون»، يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية، سواء من حيث تحسين مستوى المعيشة أو تعزيز التنوع البيولوجي.

وتوصي الدراسة بأهمية مشاركة المجتمعات المحلية في هذه المبادرات بصفتها شرطاً أساسياً لضمان استدامتها ونجاحها، فالتفاعل المباشر للمجتمعات مع المشروعات البيئية يزيد من تقبلها وفاعليتها، مما يعزّز فرص نجاحها على المدى الطويل.