في الوقت الذي أعلن فيه الديمقراطي جو بايدن فوزه بمنصب رئيس الولايات المتحدة الـ46، يناقش كثير من الخبراء والباحثين التأثير الذي سيواصل الرئيس الجمهوري دونالد ترمب ممارسته، سواء عبر الإعلام التقليدي أو وسائل التواصل الاجتماعي.
وفيما تتحدث تقارير عدة عن ابتعاد بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الجمهوريين والمحافظين عن خطاب ترمب الذي يشكك في النظام الانتخابي برمته وبنتائجه، تتحدث أخرى عن أن مغادرة ترمب البيت الأبيض سواء في يناير (كانون الثاني) المقبل أو بعد 4 سنوات، ستعزّز استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي ودعم مجموعات مؤيدة له، باتت أكثر تنظيماً على المنصات الإلكترونية وتمتلك إمكانات دعائية قوية، ما قد يمكنه من التحول إلى «رئيس ظل» أو إلى قوة ضغط على ساكن البيت الأبيض الجديد.
عندما بدأ ترمب حملته الانتخابية الأولى عام 2015، لم يكن لديه سوى 3 ملايين متابع على «تويتر» و10 ملايين على «فيسبوك». لكنه اليوم قد يغادر منصبه ولديه ما لا يقل عن 88 مليون متابع على «تويتر»، و31 مليوناً على «فيسبوك» و23 مليوناً على «إنستغرام»، ما يمنحه قدرة فريدة على إيصال أفكاره إلى مؤيديه الذين يواصلون متابعة تغريداته التي لا تقل عن 30 تغريدة وإعادة تغريد كمعدل وسطي في اليوم الواحد، بحسب بعض الإحصاءات. وعلى الرغم من الشكاوى المتكررة من قبل ترمب وحلفائه من أن شركات التكنولوجيا متحيزة ضده، لكنه في اليوم التالي للانتخابات، كان لديه خمسة من أصل 10 منشورات على «فيسبوك»، مع تفاعلات أكثر تشمل إعادة التغريد والإعجاب، بحسب بيانات شركة «كراود تانغل» للتحليلات.
وتستمر تغريداته التي يزيد عددها على 32 ألفاً في الارتفاع منذ دخوله العمل السياسي رسمياً، في تشكيل دورة الأخبار، رغم تزايد التحذيرات من انتهاكه لسياسات «تويتر» ضد المعلومات المضللة. وحصلت تغريدة ترمب ليلة الانتخابات التي زعم فيها أنه حقق «فوزاً كبيراً»، قبل صدور النتائج بفترة طويلة، على 125 ألف إعادة تغريد قبل أن يقيدها «تويتر».
- بنية اتصالات واسعة
لكن، ووفقاً للأصوات التي حصل عليها ترمب، فإن قاعدة دعمه بلغت نحو 70 مليون أميركي، وهي مجموعة كبيرة جداً، تتجاوز عدد سكان بريطانيا. وتنقل صحيفة «واشنطن بوست» عن مدير معهد «أكسفورد» للإنترنت قوله: «عندما يغادر ترمب، فإنه سيغادر مع أكبر بنية تحتية للاتصالات المباشرة مع داعميه في تاريخ السياسة الحديثة، وسيكون قادراً على إبقاء مؤيديه في فقاعة معلومات لفترة طويلة إلى ما بعد نهاية منصبه العام».
ويتوقع كثير من المتخصصين أن يمكنه ذلك من ممارسة ضغوط كبيرة سواء على معارضيه أو أعدائه من الديمقراطيين أو الجمهوريين، فضلاً عن تمكينه من إعادة إطلاق أعماله التجارية التي جمدها أو حتى تلك المتعثرة. ويحذر هؤلاء من أن إقدام ترمب على هذا السلوك، سيكون سابقة في تاريخ كل من سكنوا البيت الأبيض، عبر محاولة تحويل نفسه إلى ما يشبه الزعيم الخفي للبلاد، وقد يعقد فعلاً مهمة خلفه في إعادة توحيد الأمة.
ونقلت «واشنطن بوست» عن تيموثي نفتالي المؤرخ في جامعة نيويورك قوله: «لا أعتقد أن ترمب سيجلس ساكناً فيما بايدن يقوم بإنهاء إرثه، من المرجح أن يكون له وجود مدمر بشكل أساسي في الحياة السياسية الأميركية كرئيس سابق، وهذا خرق للمعايير».
- الإعلام المحافظ «يبتعد»
ويقول باحثون إن ترمب قد يظل أيضاً قوة فعالة من خلال الاستمرار في تقويض شرعية الانتخابات وزرع الشكوك حول النتائج في أذهان الملايين من الناس. انتقادات عززتها الأنباء التي أشارت إلى ابتعاد كل من محطة «فوكس نيوز» وصحيفة «نيويورك بوست»، وهما اثنتان من كبريات وسائل الإعلام المحافظة، التابعة لقطب الإعلام روبرت موردوخ، عن الترويج لخطاب ترمب وذلك للمرة الأولى منذ عام 2016.
واعتبرت وسائل إعلام أميركية عدة أن هذا النأي قد يشكل نقطة تحول في علاقة القاعدة الشعبية المؤيدة لترمب وموقف الطبقة السياسية الأميركية، خصوصاً من الجمهوريين الذين يواصل قادتهم التزام الصمت عموماً تجاه ادعاءات ترمب بحصول تزوير، وتشكيكه بالنتائج وبالعملية الانتخابية برمتها.
وللمرة الأولى، هتف أنصار ترمب في مدينة فينيكس في ولاية أريزونا «فوكس نيوز سيئة». والسبب هو إعلان القناة فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في أريزونا مساء الثلاثاء. وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن جاريد كوشنر، مستشار ترمب وصهره، اتصل بموردوخ لحض القناة على التراجع، من دون جدوى، فيما قنوات أخرى خصوصاً تلك المعارضة لترمب كمحطة «سي إن إن» و«إم إس إن بي سي» وغيرهما، أحجمت عن إعلان الفائز بانتظار انتهاء فرز الأصوات في هذه الولاية الرئيسية.
- «فوكس نيوز» الحذرة
وتواصل «فوكس نيوز» تعاملها بحذر شديد مع الاتهامات التي أطلقها ترمب ومعسكره بحدوث تزوير انتخابي واسع. وأكد الصحافي السياسي البارز في القناة بريت باير الجمعة: «لم نر دليلاً»، مضيفاً: «لم يبرزوا لنا أي شيء». فهل تسير «فوكس نيوز» على طريق التخلي عن ترمب بعدما أسهمت في فوزه الذي لم يكن متوقعاً في 2016؟
ونقلت الوكالة عن أستاذ الإعلام في جامعة ديبو جيفري ماكول قوله إن «فوكس نيوز» كانت دائماً قناة بوجهين. فمن جهة، هناك عدد من المقدمين النجوم أقرب إلى كتاب الأعمدة منهم إلى الصحافيين، والمحافظين المتشددين، ومن جهة أخرى هناك هيئة تحرير أكثر اعتدالاً. وكثير من صحافيي القناة مثل كريس والاس الذي تولى إدارة المناظرة الرئاسية الأولى، معروفون بمهنيتهم. وبين مقدمي البرامج، رأى نجم القناة شون هانيتي المقرب جداً من ترمب مساء الخميس أن «الأميركيين محقون في التشكيك (...) في عدم الإيمان بشرعية هذه النتائج».
وقال جيفري ماكول إن طريقة معالجة مسألة دونالد ترمب في الأيام الأخيرة والإعلان المبكر عن فوز جو بايدن في ولاية أريزونا يكشفان «الجهود التي تبذلها فوكس نيوز للعمل بشكل مستقل قدر الإمكان عن كتاب الأعمدة».
لكن بالنسبة لريس بيك مؤلف كتاب «شعبوية فوكس» الذي يتناول القناة، هذا الابتعاد «يمكن أن يسبب نفور بعض المشاهدين ويشجعهم على الذهاب إلى قناة أخرى مثل (أو إيه إن) القناة الإخبارية الصغيرة التي تدعم بلا تحفظ دونالد ترمب المملوكة أيضاً من موردوخ، والتي بلغ عدد مشاهديها ليلة الانتخابات مستوى قياسياً بأكثر من 14 مليون مشاهد». ويشير موقع «ديلي بيست» إلى أن موردوخ المعروف بآرائه المحافظة، تقبل منذ أشهر فكرة فوز جو بايدن. وقال جيفري ماكول: «لا أرى عائلة موردوخ تتصل بهيئة التحرير لتشرح لبريت باير كيفية تغطية هذه القصة أو تلك».
- تمهّل «نيويورك بوست»
وقال ريس بيك إن المؤسسة الثانية التي أنشأها موردوخ، صحيفة «نيويورك بوست»، يمكن أن تشكل «انعكاساً أكثر وفاء لآرائه». وأضاف أن الملياردير «يسيطر بشكل أكبر بكثير» على «نيويورك بوست» من سيطرته على «فوكس نيوز».
ورغم أن فرز الأصوات قد طال وأخّر إعلان اسم الفائز، لم تنقل «نيويورك بوست» أياً من فرضيات معسكر ترمب بحدوث عمليات تلاعب في الانتخابات. ويذكر أن الصحيفة كانت قد نقلت قبل أيام قليلة اتهامات صدرت عن المقربين من ترمب ضد هانتر بايدن نجل جو بايدن. واعترف يوم الجمعة اثنان من المقالات التي نشرت في صفحات الرأي بأن ترمب سيهزم على الأرجح، وهو سيناريو يرفضه الرئيس المنتهية ولايته بعناد. وقال ريس بيك الأستاذ بجامعة مدينة نيويورك إن موردوخ «يتنبأ في بعض الأحيان باتجاه الرياح السياسية». وأوضح أن جو بايدن هو واحد من الديمقراطيين المعتدلين الذين يمكن أن يتقبل وجودهم. وتابع أن «بايدن لا يخيف مجتمع الأعمال الأميركي كثيراً». وذكر جيفري ماكول أن الجناح الصحافي في «فوكس نيوز» طغى في بعض الأوقات، لكن النجوم مثل شون هانيتي أو تاكر كارلسون يبقون أساس جذب جمهور القناة وتحقيقها أرباحاً. وأضاف أنه سواء بقي دونالد ترمب في المشهد السياسي أم لا، ستواصل «فوكس نيوز»، «تحقيق توازن مع ما يسمى وسائل الإعلام ذات الجمهور الواسع» القريبة من الديمقراطيين، كما أنها ستبقى على الأرجح الوجهة الأولى لملايين المشاهدين المحافظين.
ترمب يواصل تأثيره السياسي عبر منصات التواصل الاجتماعي
ابتعدت عنه وسائل إعلام محافظة بعد 4 سنوات من «الولاء»
ترمب يواصل تأثيره السياسي عبر منصات التواصل الاجتماعي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة