وزير داخلية فرنسا يبحث في الجزائر محاربة الإرهاب والهجرة السرية

تحفظ جزائري على مطالب فرنسية بترحيل متطرفين

TT

وزير داخلية فرنسا يبحث في الجزائر محاربة الإرهاب والهجرة السرية

لم يتلقَّ وزير الداخلية الفرنسي، جيرارد درمانان، أي تعهد من جانب السلطات الجزائرية بخصوص إلغاء متابعة جزائريين مقيمين بفرنسا محل شبهة تطرف، في حال وافقت على تسلمهم. علماً بأن القضاء الجزائري يلاحق منذ مدة أشخاصاً هاجروا إلى فرنسا، مطلع تسعينات القرن الماضي، اتهمهم بالإرهاب؛ لكنهم حصلوا على اللجوء السياسي فيها.
وبحث المسؤول الحكومي الفرنسي مع نظيره الجزائري، كمال بلجود، أمس، ترحيل جزائريين تعتبرهم باريس خطراً على الأمن في البلاد، وذلك على خلفية الهجمات التي عرفتها فرنسا في الأسابيع الماضية. وأكدت مصادر مهتمة بزيارة درمانان إلى الجزائر التي بدأت أمس وتدوم يومين، أنه أبلغ المسؤولين الجزائريين بأن حكومة بلاده قررت طرد رعايا جزائريين، من بينهم إمام مسجد، ودعا إلى عدم تقديمهم للقضاء الجزائري. وبحسب المصادر ذاتها، فإن الحكومة الفرنسية تريد أن تنتزع تعهداً من السلطات بالجزائر بعدم سجنهم، لتستخدم ذلك ورقة لإقناعهم بالعودة إلى بلدهم، وتفادياً في الوقت ذاته لاحتمال لجوئهم إلى المحاكم الأوروبية لإبطال قرار الترحيل الإداري المتوقع.
ونقلت المصادر ذاتها أن المسؤولين الجزائريين متحفظون على قضية إبطال المتابعة، على أساس أن ذلك يتعلق بسيادة بلد، وبأنهم على استعداد لدراسة حالة كل جزائري مشتبه بالتطرف، وبعدها يتخذ القرار حول مصيره. وينتمي بعض المطلوبين إلى «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة، والذين غادروا الجزائر بعد اندلاع الإرهاب على أثر تدخل الجيش لإلغاء نتائج انتخابات البرلمان التي فاز بها الإسلاميون نهاية 1991. ويقول معظمهم إن الإجراءات الأمنية التي اتخذت ضدهم آنذاك، كانت بسبب انتمائهم السياسي.
وسبق للجزائر أن بحثت مع مسؤولين فرنسيين ترحيل وجهاء من نظام الحكم السابق، صدرت بحقهم أوامر اعتقال بعد إدانتهم بأحكام ثقيلة بالسجن في قضايا فساد، بعضها مرتبط بفترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (1999- 2019). ومن أهم المطلوبين المقيمين بفرنسا، وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب الذي دانه القضاء بالسجن لعشرين سنة مع مصادرة أملاكه. ولا يعرف إن كانت فرنسا قد أعطت موافقتها على تسليمه أم لا، علماً بأن مقربين من بوشوارب أكدوا أنه سيخوض معركة قضائية طويلة ضد قرار إداري محتمل بتسليمه إلى سلطات بلاده. كما تم إطلاق متابعة قضائية، بحق عمار سعداني، أمين عام حزب السلطة السابق «جبهة التحرير الوطني»، لتورطه في قضايا فساد، والذي تنقل للعيش في باريس؛ حيث يملك عقاراً هناك منذ ثلاث سنوات.
وتناول بلجود مع درمانان ملفات كثيرة، أهمها الهجرة السرية، ومحاربة الإرهاب في الساحل، والمخاطر بالحدود مع ليبيا. وتوسع بحث هذه الملفات ليشمل مسؤولي أجهزة أمنية جزائريين وفرنسيين.
يشار إلى أن درمانان رافقه في الزيارة مدير عام جهاز الأمن الداخلي نيكولا لرنر، و«المنسق الوطني» لسياسة محاربة الإرهاب لوران نونيز. ونقل عن هذين المسؤولين اهتمامهما بالخطة التي تعتمدها الجزائر في مجال محاربة «الإجرام الإلكتروني»، وفي تعقب المتطرفين داخل التراب الجزائري، واتصالهم بالجماعات المتشددة بدول مجاورة، تواجه اضطرابات أمنية، وخصوصاً ليبيا ومالي.
ونظمت وزارة الداخلية زيارة لضيفها الفرنسي إلى بلدة أولاد الغالي بولاية مستغانم (300 كيلومتر غرب العاصمة)، بطلب منه؛ حيث يتحدر جده الجزائري موسى واكيد الذي كان قناصاً في صفوف الجيش الفرنسي خلال احتلال الجزائر. وقال درمانان قبل زيارته الجزائر إنه «يفتخر» لكونه حفيد جزائري، وبأن اسمه الثاني على اسم جده موسى. كما قال بأنها «المرة الأولى التي يزور فيها الجزائر وزير داخلية فرنسي، حفيد جزائري. أكيد أنه ليس أمراً هيناً»؛ لكن هذه الزيارة تثير حساسية لدى ما تسمى «الأسرة الثورية»، لكون واكيد أحد آلاف الجزائريين الذين تعاونوا مع الاستعمار، ويسمون «الحركى».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».