يدور جدل حاد بين مكونات الطبقة السياسية التونسية بشأن مشاركة حركة النهضة في الحكومة التي كلف الحبيب الصيد بتشكيلها، إذ إن عددا من قيادات حركة نداء تونس يتزعمهم الطيب البكوش، الأمين العام للحركة، يرون أن موقع «النهضة» يجب أن يكون في المعارضة، ويعترضون على مبدأ تشريكها في الحكم.
ويتعارض البكوش في هذا الموقف مع تيار من قياديين في «نداء تونس»، يرون أن المرحلة السياسية الحالية غير قابلة للتقسيم التقليدي بين حكومة ومعارضة، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة، ويدعون إلى حكم تشاركي موسع يجمع أكبر قدر ممكن من الأحزاب السياسية.
وأكد زياد العذاري، المتحدث باسم حركة النهضة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن حزبه «على استعداد للمشاركة في الحكومة المقبلة في حال عُرض عليه تصور وبرنامج يتفق مع رؤيته للأوضاع الحالية في تونس». وأضاف أن حزبه «يفضل تشكيل حكومة وحدة وطنية على نطاق موسع». وأبقى العذاري على إمكانية دراسة ما سيعرضه حزب الأغلبية البرلمانية (حركة نداء تونس) على بقية الأطراف السياسية بما فيها حركة النهضة. وأوضح أنه «في حال عرضت علينا المشاركة فإننا سندرس الأمر ونحدد موقفنا على ضوء برنامج الحكومة المقبلة وتركيبتها».
وذكرت تسريبات أولية حول تركيبة حكومة الحبيب الصيد أن خمسة أسماء من قيادات حركة النهضة قد طرحت لتقلد مناصب وزارية. وتضم اللائحة سمير ديلو (وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض)، ولطفي زيتون (عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة والمستشار السياسي لزعيم الحركة)، وزياد العذاري (المتحدث باسم الحركة)، وحسين الجزيري (كاتب الدولة السابق للهجرة)، والعجمي الوريمي (المكلف السابق بالإعلام في حركة النهضة).
وأبقت قيادات الحركة على جانب من الغموض قرارها بشأن المشاركة في الحكومة الجديدة من عدمها، لكن نور الدين البحيري، رئيس الكتلة النيابية لحركة النهضة، نفى في تصريح إعلامي خبر تشاور راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي بشأن تمكين حزبه من خمس حقائب وزارية، وقال مفندا هذا الأمر «إن حركة النهضة لم تتلق أي عرض للمشاركة في الحكومة المقبلة».
وعارض تحالف الجبهة الشعبية الفائز بـ15 مقعدا برلمانيا مشاركة حركة النهضة في الحكومة، واعتبر هذه المشاركة من عدمها أحد شروطه للمشاركة في الحكم. وصرح حمة الهمامي، المتحدث باسم الجبهة، بأن مشاركة حركة النهضة في الحكومة إلى جانب حركة نداء تونس وبقية الأحزاب المتحالفة معها تجعلها في صفوف المعارضة.
وكان الباجي قائد السبسي، مؤسس «نداء تونس» ورئيس تونس الفائز في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها البلاد، قد دعا في تصريحات سابقة إلى «حكومة لا يحكم فيها (نداء تونس) بمفرده»، وهو ما يعني استبعاد فرضية تشكيل حكومة حزبية بزعامة حركة نداء تونس، والإبقاء على فرضية مشاركة أحزاب سياسية أخرى في الحكم بما فيها «النهضة».
من ناحية أخرى، أصدرت وزارة الداخلية يوم أمس منشورا يرخص فيه لأول مرة لأعوان وكوادر وزارة الداخلية (قوات الأمن وأعوان السجون) بالاحتفاظ بأسلحتهم الفردية خارج أوقات العمل، وهو إجراء لم يكن معمولا به في عهد الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وكذلك خلال السنوات الأولى تلت الثورة.
وعبرت عدة أطراف سياسية عن خشيتها من إعطاء الحكومة الجديدة الأولوية للمسائل الأمنية خاصة منها ملف مكافحة الإرهاب، وذلك على حساب أولويات التنمية والتشغيل. كما أبدت عدة منظمات حقوقية تونسية ودولية احترازها تجاه هذا القرار، وتساءلت عن حدود تطبيقه، وصرحت لـ«الشرق الأوسط» بأنها في انتظار المزيد من التوضيحات لاتخاذ موقف مناسب.
ولم تكن العلاقة بين التونسيين والمؤسسة الأمنية في أفضل حالاتها، وعرفت تدهورا متواصلا خلال فترة حكم بن علي الذي اعتمد على المؤسسة الأمنية لإدارة شؤون الدولة. ولا تزال تلك الصورة مهيمنة على ذاكرة التونسيين على الرغم من عمل وزارة الداخلية التونسية على تغيير العلاقة بين التونسي والأمن وتدريب آلاف الشبان الأمنيين الجدد على ثقافة حقوق الإنسان.
وفي هذا الشأن، قالت آمنة القلال، رئيسة مكتب «هيومان رايتس ووتش» في تونس، لـ«الشرق الأوسط»، إنها بصدد دراسة محتوى هذا القرار والشروط التي سيطبق خلالها، وهل حمل الأسلحة سيكون طوال ساعات اليوم والليل أم خلال ساعات الليل فقط. وأضافت أن هذه المعطيات هي التي ستحدد موقف المنظمة من هذا القرار.
واعتبرت النقابة التونسية لقوات الأمن الداخلي عبر موقعها الإلكتروني أن هذا القرار جاء بالأساس حتى «يتمكن الأمنيون من تأمين أنفسهم». وأكدت أنها راضية عن إصدار هذا القرار الذي سيمكن كل أعوان وكوادر المؤسسة الأمنية والسجنية من حمل أسلحتهم الفردية خارج أوقات عملهم. وأضافت المصادر ذاتها أنها ستسعى إلى إحياء مشروع قانون تجريم الاعتداءات على رجال الأمن ومقرات ووسائل عملهم وأفراد عائلاتهم، والمطالبة بعرضه على أعضاء البرلمان التونسي. كما طالبت كذلك بالتسريع في تفعيل قانون التعويض عن حوادث الشغل من خلال إحداث صندوق للتعويضات.
وكان محافظ شرطة شاب (23 سنة) تعرض إلى الذبح والتنكيل بجثته في منطقة الفحص من ولاية (محافظة) زغوان (60 كم جنوب العاصمة التونسية)، وهو ما فتح الجدل على مصراعيه تجاه ضرورة حماية الأمنيين من المجموعات المتشددة التي تصفهم بـ«الطاغوت» وتبيح لأنصارها قتلهم. ووجهت وزارة الداخلية التونسية التهمة إلى العناصر التكفيرية. وألقت القبض على منفذ العملية وهو من جيران الضحية، وهو عنصر سلفي تكفيري، و12 متهما آخرين.
تونس: جدل حول مشاركة «النهضة» في الحكومة الجديدة
الداخلية التونسية تمكن الأمنيين من حمل أسلحتهم خارج أوقات العمل
تونس: جدل حول مشاركة «النهضة» في الحكومة الجديدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
