تضرر كميات كبيرة من الطحين مقدمة من العراق إلى لبنان بسبب سوء تخزينها

TT

تضرر كميات كبيرة من الطحين مقدمة من العراق إلى لبنان بسبب سوء تخزينها

مرة جديدة عاد الحديث عن سوء التعامل مع المساعدات الخارجية المقدمة إلى لبنان إثر انفجار مرفأ بيروت إلى الواجهة، فبعد السمك الموريتاني والشاي السيلاني، جاء دور الطحين العراقي الذي أثار موجة غضب لدى المواطنين بعد الكشف عن آلاف الأطنان من هذا الطحين التي تم تخزينها بشكل سيئ أدى إلى تضرر كمية منها.
الطحين هو عينة من المساعدات القليلة التي وصلت إلى الدولة اللبنانية مباشرة، فمعظم المساعدات، بطلب من مانحيها، لم تمر عبر الدولة، بل عن طريق جمعيات غير حكومية، ولكن «هذا القليل كان كافياً لتأكيد تعاطي الدولة باستخفاف مع كل ما يخص المواطن، حتى عند الكوارث»، كما ترى الناشطة أستاذة الإدارة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت كارمن جحا.
وتعد جحا أن تعاطي الدولة اللبنانية مع ملف المساعدات «لم يكن مفاجئاً»، فهو «استكمال لنمط تعاطٍ متواصل تعاقبت عليه حكومات فشلت بإدارة البلد، وحصلت على ملايين الدولارات من الخارج في ملفات عدة لم تنجز منها ملفاً واحداً على الأرض».
وتؤكد جحا أن الموضوع ليس فقط موضوع فساد أو إهمال، بل أكثر من ذلك؛ إنه «عدم مبالاة، وكأن أوجاع الناس لا تعنيهم»، مشيرة إلى ما قاله وزير الاقتصاد راوول نعمة في مؤتمر صحافي، من أن ما فسد قليل، وكأن الأمر طبيعي، مع العلم أن «هناك عائلات باتت بالكاد تستطيع تأمين ثمن ربطة الخبز!».
وترى جحا أن الدولة تعرقل وصول المساعدات، كون بعض الدول توقفت عن مساعدتها بسبب عدم قيامها بأي خطوات إصلاحية، ومن ثم تسيء إدارة ما يصلها، والمواطن دائماً يدفع الثمن.
- قصة الطحين
وفي تفاصيل ما بات يعرف في لبنان بـ«فضيحة الطحين»، كشفت بلدية الغبيري (ضاحية لبنان الجنوبية) عن أن آلاف الأطنان من الطحين المقدمة هبة من الحكومة العراقية، في إطار المساعدات التي منحت للشعب اللبناني عقب انفجار مرفأ بيروت، مخزنة في مستودعات بشكل سيئ، وهي عرضة للهواء والرطوبة والشتاء.
وأوضح مصدر في وزارة الاقتصاد أن الوزارة «تسلمت 10 آلاف طن من الطحين من العراق»، ووضعت الطحين «في المدينة الرياضية التي قدمت لها بسعي من الجيش اللبناني، وذلك بعدما تعذر إيجاد مخزن آخر»، مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط» أن الوزارة «طلبت اعتمادات مالية تساعدها في تخزين هذا الطحين، وقامت بعد الحصول عليه بتأمين كل ما يمكن للحفاظ عليه، من شوادر ومواد تحميه من الحشرات والشتاء والرطوبة».
وأضاف المصدر أن الوزارة لم تعمد إلى تخزين الطحين، وهي «توزعه على المخابز والمطاحن بهدف زيادة 100 غرام على وزن ربطة الخبز، الأمر الذي يضمن استفادة كل المواطنين من هذه الهبة»، وأنها «كانت قد بدأت فعلياً بالتوزيع منذ اللحظة الأولى، وسلمت مستودعات المطاحن والمخابز 3 آلاف طن، وهي الكمية التي يمكن لهذه المستودعات استيعابها، على أن يتمّ توزيع الباقي بالطريقة نفسها، عندما تصبح هذه المستودعات جاهزة لاستقبال كميات إضافية».
وأشار المصدر إلى أن الصور التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تظهر الطحين مخزناً بطريقة سيئة، تعود «لعدد من الأكياس كانت قد وقعت في أثناء نقلها، وقد وضعت جانباً لتلفها ضمن الأصول».
- السمك والشاي قبل الطحين
الضجة التي أثيرت حول الهبة العراقية كانت أيضاً قد أثيرت حول مساعدات أخرى وصلت إلى لبنان بعد انفجار المرفأ الذي وقع في الرابع من أغسطس (آب) الماضي. فخلال شهر سبتمبر (أيلول)، أطلق اللبنانيون وسم «أريد سمكتي»، متسائلين عن هبة موريتانية كانت عبارة 12 طناً من الأسماك قدمت إلى المتضررين من الانفجار، وتأخر توزيعها، ما دفع الجيش حينها إلى نشر بيان يؤكد فيه أنه «عمد فور تسلمه الهبة إلى تخزينها وفق الأصول، وعملاً بشروط السلامة العامة»، وأنه يتواصل مع عدد من الجمعيات التي تقوم بإعداد وجبات طعام لطهي السمك، وتوزيعه على متضرري انفجار المرفأ، وبعدها نشر الجيش صوراً تبين عملية توزيع السمك.
وبعد السمك الموريتاني، أثارت هبة مقدمة من سريلانكا، كانت عبارة عن 1675 كيلوغراماً من شاي سيلان، ضجة أيضاً، لا سيما أنه تم توزيعها من قبل رئاسة الجمهورية على عائلات العسكريين في لواء الحرس الجمهوري.
وأوضحت حينها رئاسة الجمهورية أن الشاي هو هبة قدمت إلى رئيس جمهورية ميشال عون، رغم أن سفيرة سريلانكا في لبنان كانت قد أعلنت عن تقديم بلادها 1675 كيلوغراماً من الشاي السيلاني لصالح المتضررين من الانفجار، معتبرة أن مثل هذه المساعدة تعبر عن الصداقة التي تجمع الشعبين اللبناني والسريلانكي.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.