الجزائر تودّع «شيخ المجاهدين» لخضر بورقعة

أكبر رموز معارضة النظام منذ الاستقلال

جانب من تشييع جنازة لخضر بورقعة في مقبرة سيدي يحيى بالعاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جانب من تشييع جنازة لخضر بورقعة في مقبرة سيدي يحيى بالعاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
TT

الجزائر تودّع «شيخ المجاهدين» لخضر بورقعة

جانب من تشييع جنازة لخضر بورقعة في مقبرة سيدي يحيى بالعاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جانب من تشييع جنازة لخضر بورقعة في مقبرة سيدي يحيى بالعاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)

شيّع مئات الجزائريين أمس بالعاصمة، الرائد لخضر بورقعة، إحدى أيقونات ثورة التحرير (1954 - 1962)، وأكبر رموز معارضة النظام منذ الاستقلال. وانتقلت روح «الأب المجاهد»، كما يسميه عامة الناس، ليل الأربعاء بالمستشفى، متأثراً بمضاعفات الإصابة بفيروس كورونا.
وجرت مراسيم الجنازة في «مقبرة سيدي يحيى»، القريبة من مكان إقامته، وليس في «مقبرة العالية» بالضاحية الشرقية للعاصمة، بناء على طلبه؛ حيث خصصت السلطات «مربعات» لدفن كبار الشخصيات، وكان ذلك بمثابة رسالة منه لمنظومة حكم ظلت مصرة حتى آخر أيامه على محاكمته، بسبب تصريحات أطلقها في مايو (أيار) 2019 ضد قائد الجيش المتوفى، الفريق أحمد قايد صالح.
وشكلت الحشود التي توافدت على المقبرة، رغم ضراوة الإصابات بـ«كوفيد 19»، مقياساً على مدى تعلق الجزائريين برجل ظل محافظاً على مبادئه، مدافعاً عن الحرية، ومكافحاً من أجل إقامة نظام ديمقراطي يكرس التداول على السلطة.
لم يطلب «عمي لخضر» (87 سنة)، كما يناديه المقربون منه، لنفسه أي امتياز ولا جاه، فبقدر ما عاش بسيطاً وسط شعبه، بقدر ما كان حريصاً على البقاء بعيداً عن إغراءات السلطة. ولما انفجر الحراك الشعبي ضد إرادة النظام التمديد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كان من الطبيعي أن يرى المتظاهرون لخضر معهم في الشوارع، وقد كانت مواقفه وتصريحاته إبان الحراك سبباً في سجنه 6 أشهر كاملة.
يتحدر الرائد بورقعة من بلدة العمارية بولاية المدية (نحو 100 كيلومتر جنوب العاصمة)، وكان عضواً بارزاً بـ«مجلس الولاية التاريخية الرابعة»، التي تشمل مناطق وسط البلاد، ضمن تنظيم خاص بثورة التحرير. وإبان حرب التحرير، خاض معارك شرسة ضد الجيش الاستعماري الفرنسي بالجبال والقرى، وهو ما جعل الباحثين في تاريخ الثورة يعتبرونه نموذجاً «أصيلاً» للمقاتلين بالأرياف والجبال، وقد ظل محافظاً على هذه الصفة طوال حياته.
بعد الثورة بسنة، انخرط بورقعة في «أزمة صيف 1963»، التي شكلت صراعاً بين «جيش الحدود» الذي دخل البلاد بعد الاستقلال، بقيادة العقيد هواري بومدين، ومجموعة من الثوار الذين عارضوا حكم الرئيس الجديد أحمد بن بله، بقيادة رجل الثورة الكبير حسين آيت أحمد، والمجاهد الثائر محند ولحاج. وقد تطور هذا الصراع إلى مواجهة مسلحة بين رفاق السلاح بالأمس القريب.
تعرض «سي لخضر» للسجن على يد السلطة بسبب مواقفه المعارضة، التي كانت في غالب الأحيان عبارة عن تصريحات عفوية في الإعلام، تخص أحداثاً ساخنة، كان آخرها الحراك الشعبي. وتقول أسرته إنه تعرض للتعذيب في السجن خلال فترة حكم الرئيس هواري بومدين. لكن بورقعة بقي على نفس الموقف من النظام، ولم يتغير بتغير الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الجزائر بعد وفاة بومدين.
في سنة 2014 نشر بورقعة مذكراته، التي حملت عنوان «شاهد على اغتيال الثورة»، تضمنت تفاصيل مثيرة عن الصراع على الزعامة بين رموز حرب التحرير، واستمراره بعد الاستقلال، وكيف أثَرت الحساسيات الشخصية بين المجاهدين على مشروع بناء «دولة ديمقراطية اجتماعية، ذات سيادة في إطار المبادئ الإسلامية» - حسبه - وهو هدف تضمنه «بيان أول نوفمبر (تشرين الثاني) 1954»، الذي وضعته المجموعة التي فجرت الحرب ضد فرنسا.
وعندما ثار الشارع ضد بوتفليقة، رافضاً ترشحه لولاية خامسة في 22 من فبراير (شباط) 2019. انغمس بورقعة في المظاهرات، ولم يثنه سنه المتقدم عن المشاركة في الاحتجاجات بعدد من المناطق طيلة أشهر. وفي غمرة الرفض الشعبي لـ«المسار الدستوري»، الذي فرضه قائد الجيش السابق، بتنظيم انتخابات رئاسية رفضها الحراك بشدة، أطلق بورقعة تصريحاً أغضب قيادة الجيش، وكان يومها يستهدف الفريق قايد صالح؛ حيث قال عنه إنه «حوّل الجيش الوطني الشعبي إلى ميليشيا». وكان ذلك سبباً في اعتقاله وإيداعه الحبس الاحتياطي، وإطلاق السلطة عليه حملة تشويه استنكرها غالبية الجزائريين، وهي الحملة التي ظل التلفزيون الحكومي والفضائيات والصحف الخاصة الموالية للسلطة تذيعها. وفي هذا السياق، نقل مصدر مجهول بأن بورقعة انتحل صفة مجاهد، والأخطر من ذلك اتهامه بالتعاون مع الاستعمار.
ليس هذا فحسب، فبناء على تعليمات من وزارة الدفاع، اتهمت النيابة الرائد بورقعة بـ«إضعاف معنويات الجيش» على أساس أنه أساء إليه. وقد قال المحامي الشهير عبد الغني بادي، رئيس فريق الدفاع عنه، إن السلطة طلبت منه التراجع علناً عن موقفه ضد قايد صالح، مقابل الإفراج عنه. غير أنه رفض قائلاً: «والله لن أغادر زنزانتي حتى يخرج من السجن كل أبنائي شباب الحراك». كما اشتهر لخضر بمقولة: «الحراك فكرة، والفكرة لا تموت»، نقلها عنه أحد المحامين عندما زاره في السجن.
في مطلع 2020 أصيب الشيخ السجين بوعكة صحية، اضطرت السلطة معها إلى الإفراج عنه. لكن لم تسقط المتابعة عنه، وكان محاموه يترقبون تحديد تاريخ محاكمته، لكن تسلل فيروس كورونا إلى صدره، ففتك به أول من أمس.



بن مبارك: الحرب الاقتصادية الحوثية أشد أثراً من الصراع العسكري

رئيس الحكومة اليمنية خلال كلمة له أمام ممثلي التكتل الحزبي الجديد (سبأ)
رئيس الحكومة اليمنية خلال كلمة له أمام ممثلي التكتل الحزبي الجديد (سبأ)
TT

بن مبارك: الحرب الاقتصادية الحوثية أشد أثراً من الصراع العسكري

رئيس الحكومة اليمنية خلال كلمة له أمام ممثلي التكتل الحزبي الجديد (سبأ)
رئيس الحكومة اليمنية خلال كلمة له أمام ممثلي التكتل الحزبي الجديد (سبأ)

أكد رئيس مجلس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك تطلع حكومته للتفاعل الإيجابي مع التكتل السياسي الحزبي الجديد للقوى اليمنية الذي أُشهر من العاصمة المؤقتة عدن، وقال إن الحرب الحوثية الاقتصادية باتت أشد أثراً على معيشة اليمنيين من الصراع العسكري.

وكانت الأحزاب والقوى اليمنية قد أشهرت، الثلاثاء، تكتلاً حزبياً واسعاً في عدن هدفه العريض استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي والحفاظ على الجمهورية وفق دولة اتحادية.

بن مبارك تعهد بالاستمرار في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في حكومته (سبأ)

وقال بن مبارك: «ننظر لهذا التكتل على أنه صوت جديد، ورؤية متجددة، وأداة للتغيير البناء وجهد بارز في السياق الوطني يضاف للجهود التي تسعى لرص الصفوف وتهيئة السبل لإنقاذ اليمن من براثن ميليشيا الحوثي».

وأضاف أن حكومته «تتطلع وبانفتاح كامل للتفاعل إيجابياً» مع هذا التكتل الحزبي وبما يقود لتوحيد الجهود لاستكمال استعادة الدولة وهزيمة الانقلاب وتحقيق السلام.

وشدد رئيس الوزراء اليمني على ضرورة تكاتف الجهود في إطار رؤية وطنية شاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار، وتعزيز السيادة، وبناء يمن اتحادي موحد وقوي، وقال: «ندرك جميعاً التحديات، ونعلم أن الطريق لن يكون سهلاً، ولكن بإيماننا العميق بقضيتنا وبإرادة أبناء شعبنا، يمكننا أن نصنع الفارق».

حرب الاقتصاد

استعرض رئيس الحكومة اليمنية الحرب الاقتصادية الحوثية وقال إن آثارها التدميرية «تتجاوز الآثار الناتجة عن الصراع العسكري»، مشيراً إلى أنها أضرت بحياة المواطنين وسبل عيشهم، واستنزفت موارد البلاد، وتسببت بارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانهيار الخدمات الأساسية.

ورأى بن مبارك أن ذلك «يتطلب توحيد الصفوف ودعم مؤسسات الدولة، لمواجهة هذه الحرب الاقتصادية وحماية الاقتصاد الوطني والتخفيف عن المواطنين الذين يتحملون أعباء كبيرة».

جانب من حفل إشهار التكتل الجديد للقوى والأحزاب اليمنية (سبأ)

وقال: «الحرب الاقتصادية المستمرة التي تشنها ميليشيات الحوثي، إلى جانب استهدافها المنشآت النفطية، أثرت بشكل كبير على استقرار الاقتصاد اليمني وأسهمت في التدهور السريع لسعر صرف العملة الوطنية، وتقويض قدرة الحكومة على الحفاظ على استقرار العملة، ونتيجة لذلك، واجه الريال اليمني انخفاضاً كبيراً في قيمته، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الملايين في جميع أنحاء البلاد».

وأكد بن مبارك أن إعادة تصدير النفط ورفد الخزينة العامة بالعملة الصعبة حق من حقوق الشعب يجب العمل على انتزاعه وعدم السماح للحوثيين باستمرار عرقلة الاستفادة من هذا المورد الذي يعد العصب الرئيسي للاقتصاد الوطني.

وأوضح أن حكومته تمضي «بكل جدية وتصميم» لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة في جميع مؤسسات الدولة، وإرساء ثقافة النزاهة واحترام القانون، وأنها ستقوم باتخاذ خطوات عملية لتقوية الأجهزة الرقابية وتفعيل آليات المحاسبة.

تكتل واسع

كانت القوى اليمنية قد أشهرت من عدن «التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية» عقب سلسلة لقاءات تشاورية، توصلت إلى إعلان التكتل الجديد الذي يضم نحو 22 حزباً ومكوناً سياسياً وإقرار لائحته التنظيمية.

وتم التوافق على أن تكون رئاسة التكتل في دورته الأولى لحزب «المؤتمر الشعبي»، حيث سمى الحزب أحمد عبيد بن دغر رئيساً للمجلس الأعلى للتكتل في هذه الدورة.

وبحسب بيان الإشهار، يلتزم التكتل بالدستور والقوانين النافذة، والمرجعيات المتفق عليها وطنياً وإقليمياً ودولياً، والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، والعدالة والمواطنة المتساوية، إضافة إلى التوافق والشراكة والشفافية والتسامح.

رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك مع رئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر (سبأ)

كما يضع التكتل برنامجاً سياسياً لتحقيق عدد من الأهداف؛ بينها استعادة الدولة وتوحيد القوى الوطنية لمواجهة التمرد وإنهاء الانقلاب وحل القضية الجنوبية بوصفها قضية رئيسية ومفتاحاً لمعالجة القضايا الوطنية، ووضع إطار خاص لها في الحل السياسي النهائي، والتوافق على رؤية مشتركة لعملية السلام.

ويؤكد برنامج عمل التكتل على دعم سلطات الدولة لتوحيد قرارها وبسط نفوذها على التراب الوطني كافة، ومساندة الحكومة في برنامجها الاقتصادي لتقديم الخدمات ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين، وعودة جميع مؤسسات الدولة للعمل من العاصمة المؤقتة عدن.

وأكد بيان الإشهار أن هذا التكتل باعثه الأساسي هو تعزيز الاصطفاف الوطني من أجل إنهاء انقلاب الحوثيين واستعادة الدولة، وأنه ليس موجهاً ضد أحد من شركاء العمل السياسي.