العقد الحكومية تنتقل من الحقائب إلى الخلاف على الأسماء

الاتصالات محصورة بين عون والحريري

TT

العقد الحكومية تنتقل من الحقائب إلى الخلاف على الأسماء

حالت العقد المتتالية التي ظهرت في عملية تأليف الحكومة، دون تقديم الرئيس المكلف سعد الحريري تشكيلته إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، من دون أن يعني ذلك انقطاعاً للاتصالات التي تتم حصراً بين الرئيسين الموكلين بموجب الدستور في عملية التأليف التي انتقلت من مرحلة توزيع الحقائب على الطوائف إلى مرحلة النقاش حول الأسماء، وتحديداً وزارتي الداخلية والطاقة.
ووسط تكتم على مجريات الاتصالات، قالت مصادر مقربة من الحريري لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يوجد موعد محدد بعد لزيارة عون، لكنها «قد تنفذ في أي لحظة»، لافتة إلى أن الأمور تتم مباشرة وحصراً بين الرئيسين عون والحريري. وقضت الاتصالات السابقة إلى حسم أعضاء الحكومة بـ18 وزيراً، تراعي مبدأ المداورة في الحقائب باستثناء حقيبة «المالية» التي حُسمت من حصة الثنائي الشيعي المتمثل بـ«حركة أمل» و«حزب الله» ويسمي الثنائي الوزير الذي سيتولى الحقيبة. وبعدها، دخل النقاش في الأسماء، وخصوصاً اسم الوزيرين اللذين سيتوليان حقيبتي الداخلية والطاقة، بحسب ما قالت مصادر مواكبة لعملية تشكيل الحكومة قريبة من قوى «8 آذار». وقالت المصادر إن أحد الاتفاقات يقضي بأن يتفق الرئيسان عون والحريري على اسم وزير الداخلية، وهو ما لم يتحقق، بالنظر إلى أن الرئيسين لم يتقاطعا على اسم واحد، مشددة على أن العقدة الأخيرة لم تعد عقدة توزيع الحقائب على الطوائف، بل باتت عقدة أسماء.
وتتمتع حقيبة الداخلية برمزية، كون الحكومة العتيدة يفترض أن تُشرف على إجراء الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في مايو (أيار) 2022. أما وزارة الطاقة التي يتولاها وزراء من «التيار الوطني الحر» منذ عشر سنوات، فتتمتع برمزية أيضاً كونها الوزارة المعنية بالتنقيب عن النفط والغاز، والمعنية بتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء التي يطالب المجتمع الدولي بتعيينها.
ولا يبدو أن هناك تدخلات سياسية في عملية تشكيل الحكومة، فيما قالت مصادر «الثنائي الشيعي» لـ«الشرق الأوسط» إن حركة أمل وحزب الله «منكفئان عن التدخل»، و«يتتبعان المجريات التي تحدث»، مشيرة إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يدفع باتجاه أن تكون هناك حكومة بسرعة لأن الوضع الاقتصادي والملفات الصحية والمالية الضاغطة لا تحتمل التأجيل. وقالت إن بري في المرحلة السابقة دور الزوايا عبر مساعٍ قام بها كي لا يُدفع الحريري للاعتذار منعاً للوصول إلى أزمة حكم، مشددة على أن «هذا يعني أن المطلوب أن لا يطول التأليف بحكم الملفات الضاغطة».
وانتقد رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط التباينات حول الحصص والحقاب بلغة ساخرة، مكتفياً بالقول في تغريدة له في «تويتر»: «وزارة الأخصائيين تزداد وضوحا في كل يوم».
ويظهر الانتقاد هذا في تعبير عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب فيصل الصايغ الذي قال: «يعتبر المتحاصصون أن حكومة «المهمة» المزمع تشكيلها قد تعيش لتدير الانتخابات النيابية المقبلة...! فكيف يمكن أن يستوي وضع هكذا حكومة مع سعي تيار العهد للحصول وحده على الثلث المعطل ووزارات العدل والداخلية والدفاع ليواجه بها خصومه؟» وأضاف: «مع هذه الذهنية السياسية الكيدية، نصبح أمام حكومة «المهمة» المستحيلة.!».
وجدد «التيار الوطني الحر» نفيه للاتهامات بالعرقلة، إذ أكد النائب ماريو عون «أن التيار الوطني الحر يتهم زورا بعرقلة تشكيل الحكومة»، مشددا على أن «العملية تجري بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري من دون تدخل من أحد». ورجح عون، في حديث إذاعي، «أن يكون سبب الخلاف على الحصص كامنا في عدم قدرة الرئيس سعد الحريري على الوفاء بوعود كان قد قطعها على الكتل النيابية لتسميته»، مشيرا إلى أن «العقدة تكمن في تسمية الحريري وزيرا مسيحيا من حصة الرئيس عون».
وعن وزارة الطاقة على وقع الكلام عن تمسك التيار بها، جدد عون «رفض التيار إخضاعها لمبدأ المداورة دون غيرها من الوزارات»، مطمئنا إلى أن العقدة ستحل وكل ما يطلبه التيار الوطني الحر ورئيسه يكمن في احترام المعايير».
ورغم ذلك، لا يزال بعض المسؤولين يعبرون عن تفاؤل حيال تشكيل الحكومة، إذ أكد النائب نقولا نحاس في حديث إذاعي «أن الحكومة ستتشكل رغم التعقيدات في مسار التأليف»، مشيرا إلى أن «الإيجابية الوحيدة هي الاتفاق على ثمانية عشر وزيرا بدل الثلاثين».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.