استيقظ شارع نيكولا أبير بالدائرة 11 في العاصمة الفرنسية باريس اليوم (الأربعاء) على هجوم مفاجئ، استهدف مجلة "شارلي ايبدو" الأسبوعية، أسقط 12 قتيلا على الأقل، ضمنهم أربعة من رسامي الكاريكاتير بينهم "شارل" و"بورنسكي"، وثمانية جرحى نصفهم تقريبا في حالة حرجة. في هجوم هو الأكثر دموية طيلة أربعة عقود في فرنسا.
الحكومة الفرنسية والرأي العام صدما، ليس لحصيلة الهجوم فقط، وإنما للطريقة التي نفذ بها، حيث ظهر رجلان ملثمان يحملان رشاشين وقاذفة صواريخ، واستفسرا ـ حسب أحد الشهود ـ عن أي طابق بالضبط يقع مقر المجلة، وأطلقا النيران بكثافة مستهدفين المجلة.
وقال شهود لقد دخلا أثناء اجتماع التحرير، واختارا الضحايا، بحسب أحد الصحافيين الفرنسيين. ثم خرجا وأجبرا رجلا على ترك سيارته ليستقلاها. وقالا له "قل إنها القاعدة في اليمن".
وقال بعض الشهود إن المهاجمين كانا يظهران وكأنهما رجلا أمن في مهمة خاصة، ونفذا عمليتهما بهدوء.
وقبل أن يغادرا المكان، قتلا شرطيين اثنين، أحدهما كان قد سقط جريحا وظهر وهو يطلب النجدة ويستعطف المهاجمين. ثم صاح أحدهما "لقد انتقمنا للرسول. لقد قتلنا شارلي ايبدو". ثم ركبا السيارة بهدوء واختفيا تماما، وذابا مثل فص ملح في الماء. ولم يبق لهما من أثر سوى شريط فيديو قصير صوره مكتب وكالة أنباء مجاور لمقر "شارلي ايبدو".
وأصيب 20 شخصا آخرين في الهجوم منهم اربعة أو خمسة في حالة خطيرة.
ووصف مسؤول نقابة الشرطة كونتنتو المشهد داخل المكاتب بأنه "مذبحة".
يذكر أن المعلومات الواردة تشير الى أن عشرة من العاملين في شارلي ابدو قتلوا في الهجوم. وقالت مصادر في المجلة ان القتلى بينهم جان كابو المشارك في تأسيسها ورئيسة التحرير ستيفان شاربونييه.
وفي لقطات فيديو صورها الصحافي مارتان بودو من سطح مبنى قرب مكاتب المجلة، أمكن سماع رجل يصيح "الله أكبر" ثم أعقب ذلك صوت ثلاث أو اربع اطلاقات.
ويقول صوت جديد في الفيديو مع ظهور رجلين في الاطار قبل أن يرفعا سلاحيهما في وضع اطلاق النار "انهم يخرجون. يوجد اثنان منهم".
الداخلية الفرنسية من جانبها، أعلنت حالة الاستنفار القصوى، وأعلنت أن كل الجهود منصبة الآن من أجل توقيف الرجلين، اللذين يبدو أنهما ليسا هاويين، نظرا لطريقة تعاملها مع السلاح، وللطريقة التي نفذا بها الهجوم. بينما قالت رئاسة الحكومة إن كل سائل الإعلام والمحلات التجارية الكبرى ووسائل النقل وضعت تحت "حماية مشددة".
بعض وسائل الإعلام الفرنسية وصفت ما حدث بأنه "مجزرة"، نظرا لكونه الهجوم الأكثر دموية في البلاد منذ أربعين سنة.
الرئيس فرانسوا هولاند كان من أوائل الواصلين إلى مكان الهجوم، وقال من دون تردد إنه "هجوم إرهابي"، واعتبر أن النتائج النهائية للتحقيقات هي التي ستعطي صورة كاملة لما حدث.
ودخل هولاند في اجتماع خاص إلى جانب الوزير الأول (رئيس الوزراء)، ووزراء الداخلية والخارجية، والعدل، والدفاع، وضم الاجتماع أيضا وزيرة الثقافة؛ نظرا لطبيعة الجهة التي استهدفها الهجوم، ووجود رسامين من بين الضحايا.
وأعرب وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف عقب الاجتماع الرفيع المستوى، عن أسفه للحصيلة الثقيلة للهجوم، وقال إنه أعطى تعليماته لكل محافظي دوائر باريس بتكثيف الحماية والحذر.
وأشار الوزير إلى أن كل الوسائل التي تملكها وزارتا الداخلية والعدل تعمل من أجل تحديد المهاجمين، ومعاقبتهم.
وأشارت وسائل إعلام فرنسية إلى أن ضحايا الهجوم ليسوا فقط من القتلى والجرحى، بل أيضا أسفر عن وجود حالات اضطراب نفسي، مما استدعى إقامة خلية عناية نفسية بهؤلاء، الذين شاهدوا مقتل زملائهم أمام أعينهم.
هجوم اليوم ليس الأول من نوعه، فقد تعرضت الأسبوعية الساخرة ذات الميول اليسارية، إلى هجوم في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011 حيث أحرق مقرها، أثناء الاستعداد لنشر عدد خاص تحت عنوان "شريعة ايبدو"، لاقى اعتراضات واسعة من طرف المسلمين في فرنسا والعالم.
وفي سبتمبر (أيلول) 2012 جرى اختراق موقعها الالكتروني، على إثر نشرها رسوما ساخرة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وفي 2013 نشرت سلسلة رسوم جديدة لرسول الإسلام، قالت إنها "تجسيد بالرسوم لسيرته المكتوبة".
وتعد المجلة ضمن أكثر وسائل الإعلام الفرنسية إثارة، نظرا لتطرفها اليساري، ولرسومها الساخرة، ومن ضمنها تلك التي أعادت نشرها عن صحيفة دنماركية، واعتبرت مسيئة للإسلام عام 2006، وتعرضت بعدها للتهديد لأكثر من مرة. في وقت نجت فيه من الإدانة أمام القضاء في عدة قضايا رفعت ضدها.
وفي عددها الأخير قبل الهجوم نشرت موضوعا حمل عنوان "توقعات المنجم ويلبيك: في العام 2015 افقد أسناني. وفي 2022 أصوم شهر رمضان!" وقبل ذلك نشرت صورا ساخرة حول الاحتفال بالميلاد.
وسبق أن تعرضت عدة وسائل إعلام فرنسية للعديد من الهجمات، منذ ثمانينات القرن الماضي، من بينها "مينوت" و"غلوب" و"جون افريك"، وكان أبطالها في الغالب متطرفين يمينيين، بينما تعرضت قناة "بي أم تي في" وصحيفة "ليبراسيون" في 2013 لهجوم، حيث كان بطل الهجوم فرنسيا من أصل عربي يعتنق الفكر المتشدد.
وفي تطور لاحق، قال وزير الداخلية الفرنسية برنار كازنوف اليوم الاربعاء انه يجرى حاليا البحث عن ثلاثة أشخاص يعتقد انهم وراء الهجوم على مقر مجلة شارل ابدو.
وادلى كازنوف بهذا التصريح بعد جلسة طارئة لمجلس الوزراء تمت الدعوة اليها ردا على الهجوم على مقر المجلة، والذى وصفه الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند بانه "عمل ارهابي".
واضاف كازنوف انه سيتم بذل كل شيء ممكن " لضمان القبض على المجرمين الثلاثة، الذى ارتكبوا هذا العمل البربري".
فرنسا تتعرض للهجوم الأكثر دموية منذ أربعين سنة
تراجيديا دموية استهدفت رمز «السخرية».. والمهاجمون قالوا: إنها «قاعدة» اليمن
فرنسا تتعرض للهجوم الأكثر دموية منذ أربعين سنة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة