باريس تسعى لاتفاقات تمكنها من ترحيل المتطرفين الأجانب على أراضيها

وزير الداخلية: حل «الذئاب الرمادية» القومية التركية المتطرفة غداً

الوزيرة سارة الحيري تحيي شرطياً أمس عند وصولها لتكريم المدرس صامويل باتي الذي قطع رأسه متطرف الشهر الماضي (أ.ف.ب)
الوزيرة سارة الحيري تحيي شرطياً أمس عند وصولها لتكريم المدرس صامويل باتي الذي قطع رأسه متطرف الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

باريس تسعى لاتفاقات تمكنها من ترحيل المتطرفين الأجانب على أراضيها

الوزيرة سارة الحيري تحيي شرطياً أمس عند وصولها لتكريم المدرس صامويل باتي الذي قطع رأسه متطرف الشهر الماضي (أ.ف.ب)
الوزيرة سارة الحيري تحيي شرطياً أمس عند وصولها لتكريم المدرس صامويل باتي الذي قطع رأسه متطرف الشهر الماضي (أ.ف.ب)

في الأيام الأخيرة، كرر وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، أن فرنسا «في حالة حرب ضد الإرهاب»، وأنها «تقاتل أعداء الداخل والخارج»، مؤكداً أن سلطات البلاد بصدد «شن حرب على أعداء الجمهورية»، بسبب تواترت الأعمال الإرهابية الآتية حتماً، إذن «المسألة ليست معرفة ما إذا سيكون هناك اعتداء، بل متى سيقع».
وبالنظر لما عرفته فرنسا في الأسابيع الخمسة الماضية، حيث حصلت ثلاثة أعمال إرهابية «في باريس وكونفلان سانت هونورين ونيس، فضلاً عن محاولة قتل الكاهن اليوناني الأرثوذكسي نهاية الأسبوع في مدينة ليون التي لم تنجلِ بعد تفاصيلها»، فمن المرجح جداً أن يكون دارمانان مصيباً في توقعاته، لكن مشكلته أنه رغم القوانين والتشريعات والإجراءات التي اتخذت منذ عام 2015 مع مقتلة صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة التي نشرت رسوماً كاريكاتورية مسيئة للنبي، فمن الواضح أن السلطات ما زال ينقص ترسانتها التشريعية والأمنية تدبير ما، وعنوانه الكبير تمكنها من طرد من تعتبرهم خطراً على السلامة العامة من أصحاب الميول الراديكالية والعنيفة. ولمزيد من الوضوح، تكفي العودة إلى ما قاله وزير الداخلية الأسبوع الماضي، من أن وزراته رحلت 16 شخصاً من الأجانب الراديكاليين الموجودين على الأراضي الفرنسية بطريقة غير شرعية، وذلك منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. والحال أن الوزير نفسه أفاد سابقاً بأن هناك 261 شخصاً يتعين ترحيلهم. لكن مشكلته أن الترحيل يخضع لاعتبارات وقوانين؛ أولها أن باريس لا تستطيع ترحيل مواطن أجنبي إذا كان بلد الأخير يرفض استقباله أو إذا كان سيخضع للتعذيب. وثانيها أن الشخص المعني يستطيع الطعن بالأحكام الصادرة عن المحاكم الفرنسية أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية. وثالثها أن الكثير من الأحكام لا تطبق والأشخاص المعنيين «يتبخرون» في الطبيعة.
ولسد بعض هذه النواقص، فقد طلب الرئيس إيمانويل ماكرون من دارمانان أن يقوم بزيارة تونس للبحث في التعاون في الحرب على الإرهاب والهجرات غير الشرعية، خصوصاً أن مرتكب مقتلة كنيسة نوتردام في مدينة نيس الأسبوع الماضي، حيث قضى على ثلاثة أشخاص، تونسي الجنسية ودخل إلى الأراضي الفرنسية بطريقة غير مشروعة. وما يريده دارمانان أيضاً الطلب من تونس أن تقبل عودة مواطنيها الذين يطردون من فرنسا. ووعد الرئيس قيس سعيد الرئيس ماكرون بالتعاون إلى أقصى الحدود. وتجدر الإشارة إلى أن باريس تعول على التعاون مع القضاء والأمن التونسيين لجلاء بعض مناطق الظل في مسار منفذ عملية نيس إبراهيم عيساوي واحتمال ارتباطه بـ«تنظيم» إرهابي ما، علماً بأن تنظيماً غير معروف قدم نفسه تحت اسم «تنظيم المهدي» أعلن تبنيه عملية نيس.
وقال دارمانان، في حديث صباح أمس، لقناة «بي إف إم» الإخبارية الفرنسية، إنه سيذهب إلى تونس والجزائر نهاية الأسبوع الجاري، والغرض هو «التحدث مع نظيريّ من وزارة الداخلية ومع أجهزة الاستخبارات وتبادل وجهات النظر من أجل الحصول على مزيد من المعلومات». وينوي دارمانان التوقف في مالطا، ثم لاحقاً القيام بزيارة إلى روسيا للغرض نفسه، وأشار إلى أن ماكرون «تحدث إلى نظيريه (التونسي والجزائري)، لنتمكن من التوافق على إعادة عدد معين من الأشخاص يحملون جنسية هاتين الدولتين ويُشتبه في أنهم متطرفون في بلدنا». وأوضح قصر الإليزيه أول من أمس، أن ماكرون وسعيد «اتفقا على تعزيز التعاون على صعيد مكافحة الإرهاب»، مضيفاً أنهما «بحثا المسألة الحساسة المتعلقة بعودة التونسيين الملزمين بمغادرة الأراضي الفرنسية، وفي طليعتهم المدرجون على القائمة الأمنية» لأجهزة الاستخبارات المعروفة بلوائح «S». وبحسب الأراقم المتوافرة، فإن هذه اللوائح تتضمن ما لا يقل عن 7000 اسم. واللافت أن الإليزيه تحدث عن اتصال مع الرئيس التونسي، إلا أنه لم يذكر الاتصال بالرئيس الجزائري. وفي بادرة تشي بالعزم على سد النقص المشار إليه، أفاد دارمانان بأنه «طلب من المحافظين وضع جميع الأجانب غير النظاميين الذين يُشتبه في أنهم متطرفون في مراكز الاعتقال الإدارية»، ما يعني التحضير لطردهم.
وفي هذا السياق، أعلن أريك دوبون - موريتي، وزير العدل أمس، أن العمل جارٍ على ملف الأجانب الموجودة أسماؤهم على لوائح «S»، ولكن ذلك يحتاج لـ«مبادرات دبلوماسية معقدة مع دول ترفض استعادة مواطنيها». وأضاف دوبون - موريتي أن العمل جارٍ لمعالجة موضوع الجهاديين الذين سيخرجون من السجون (بعد قضاء أحكامهم)، وأن الإجراءات ستكون جاهزة مع نهاية العام. بيد أن وزير العدل رفض طلب اليمين بإيجاد سجون على غرار غوانتانامو، معتبراً أن هذه الفكرة «لا يمكن أخذها على محمل الجد».
وبالتوازي، أكد دارمانان أمس، أن الحكومة الفرنسية ستتخذ خلال جلسة لمجلس الوزراء غداً (الأربعاء)، قراراً بحل حركة «الذئاب الرمادية» القومية التركية المتطرفة. ووجهت أصابع الاتهام إلى هذه الحركة بعد الصدامات التي وقعت أخيراً بين الجاليتين التركية والأرمينية في ديسين - شاربيو قرب ليون (شرق). كذلك، كتبت عبارة «الذئاب الرمادية» على نصب تكريمي لضحايا الإبادة والمركز الوطني للذاكرة الأرمينية قرب ليون، ليل السبت/ الأحد.
وحتى عصر أمس، لم يكن التحقيق في مقتلة كنيسة نيس قد خطا خطوات إضافية بانتظار أن يتمكن المحققون من استجواب الجاني إبراهيم عيساوي الذي ما زال يرقد في مستشفى «باستور» في نيس. إلا أن المعلومات المتوافرة تفيد بأنه خرج من دائرة الخطر. والجديد في التحقيق أن الادعاء أمر بإخلاء سبيل ثلاثة أشخاص من الستة الذين تم توقيفهم، بعد أن أثبت التحقيق أنهم لم يكونوا يعرفون الجاني. وبالمقابل، فإن المحققين يظنون أن أحد الموقوفين (لم تكشف هويته) الذي ألقي القبض عليه في مدينة غراس (القريبة من نيس) بعد ظهر السبت، قد قام بالرحلة من تونس إلى إيطاليا مع عيساوي، وأنه كان قد وصل إلى فرنسا «حديثاً».
ولم يتوصل المحققون بعد إلى معرفة كيفية حصول الجاني على 3 سكاكين؛ واحدة عثر عليها بجانبه في الكنيسة، واثنتان في حقيبة الظهر التي كان يحملها. وتبدو السلطات مقتنعة، بحسب دارمانان، أن عيساوي جاء لفرنسا «لكي يقتل». ولكن هل جاء برغبة ذاتية أم بطلب من تنظيم إرهابي؟ هذا هو اللغز المستحكم حتى الآن الذي لم يتوافر بشأنه جواب واضح.
وأمس، كان يوماً استثنائياً بالنسبة لتلامذة فرنسا؛ إذ وقفوا الساعة 11 دقيقة صمت حداداً على مدرس التاريخ الذي ذبحه شيشاني قريباً من مدرسته، في الوقت الذي تواصل فيه الجدل بين الحكومة والمعارضات بشأن محاربة «التطرف الإسلاموي». وبعد أن انتقد رئيس الحكومة جان كاستيكس الأحزاب السياسية التي تواطأ بعضها مع هذه التيارات المتطرفة، دعا إلى خوض «معركة آيديولوجية يستعد العدو من خلالها أولاً إلى تقسيمنا ببث الكراهية والعنف، وإلى كسر المجتمع الوطني». وأعلن كاستيكس عن حل «جمعيات واجهة» قريباً، وعن عمليات ضد «مساجد زائفة ومدارس غير قانونية»، وقال: «المدارس غير القانونية، نحن نغلقها، وسنواصل إغلاقها. الجمعيات الزائفة التي تقوم بغسل أدمغة، سنحلها، حللنا اثنتين منها، وسنواصل ذلك». وأضاف: «يتحتم علينا تعزيز تشريعاتنا، خصوصاً سبل التحرك للتصدي» للكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي. ويندرج ذلك كله في إطار ما سماه الرئيس ماكرون «الحرب على الانفصالية الإسلاموية».
بيد أن التشدد الفرنسي والتوتر المتصاعد بين باريس وبعض العالم العربي والإسلامي الذي لم يتراجع رغم تصريحات ماكرون الأخيرة المعتدلة، جعل الأمم المتحدة تعبر عن مخاوفها من احتمال وقوع «هجمات منفردة ضد المصالح الفرنسية يقوم بها متطرفون». وحثت إدارة الأمم المتحدة موظفيها من الفرنسيين لأخذ الحيطة والحذر. وسبق لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أن دعا البعثات الدبلوماسية في كل مكان من العالم إلى التنبه واتخاذ أقصى إجراءات الحذر، لأن الخطر «موجود أينما كان». وأوضحت الهيئة الأممية في بيان لها، أن هذا الخطر قد يشمل «المؤسسات التعليمية والتجارية المرتبطة بفرنسا».



بوتين يزور كازاخستان لتعزيز العلاقات وبحث ملف الطاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

بوتين يزور كازاخستان لتعزيز العلاقات وبحث ملف الطاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كازاخستان، الأربعاء، في زيارة تستمر يومين تهدف لتوطيد العلاقات مع حليفة بلاده الواقعة في وسط آسيا في ظل تفاقم التوتر على خلفية حرب أوكرانيا.

ورغم انضوائها في «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» التي تقودها موسكو، فإن كازاخستان أعربت عن قلقها حيال النزاع المتواصل منذ نحو ثلاث سنوات مع رفض رئيسها قاسم جومارت توكاييف التغاضي عنه.

وفي مقال نشرته صحيفة «إسفيستيا» الروسية قبيل زيارة بوتين، أكد توكاييف دعم بلاده «الحوار السلمي» من دون أن يأتي على ذكر أوكرانيا، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

من جانبه، أشاد بوتين بـ«التقارب الثقافي والروحي والقيمي» بين كازاخستان وروسيا، وذلك في مقال نشر في صحيفة «كازاخ» الرسمية، قائلا إنه يساعد في تطوير «العلاقات الودية والقائمة على التحالف» مع أستانا بشكل أكبر.

وبث الإعلام الرسمي الروسي مقطعا مصورا لطائرة بوتين لدى هبوطها في أستانا الأربعاء.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حفل الاستقبال في مقر الرئاسة أكوردا في أستانا بكازاخستان... 27 نوفمبر 2024 (رويترز)

تدهورت العلاقات التجارية بين البلدين في الأشهر الأخيرة مع منع موسكو بعض الصادرات الزراعية من كازاخستان غداة رفض الأخيرة الانضمام إلى مجموعة «بريكس».

وجعل بوتين توسيع تحالف الاقتصادات الناشئة أساسا لسياسة روسيا الخارجية، مسوّقا لمجموعة «بريكس» على أنها قوة موازية لما يعتبرها «هيمنة» الغرب على العالم.

تأتي زيارة بوتين على وقع تصاعد التوتر بين موسكو والغرب بسبب حرب أوكرانيا، إذ أطلقت روسيا صاروخا تجريبيا فرط صوتي باتّجاه جارتها الأسبوع الماضي، بينما أطلقت كييف صواريخ بعيدة المدى زودتها بها كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على روسيا لأول مرة.

وفي سبتمبر (أيلول)، دعا توكاييف إلى حل سلمي للنزاع، محذرا من أن التصعيد يمكن أن يؤدي إلى «تداعيات لا يمكن إصلاحها بالنسبة للبشرية بأكملها».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف يلتقطان صورة مع أطفال في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا على جدول الأعمال

ورغم أن رحلات بوتين الدولية بقيت محدودة منذ العملية العسكرية الروسية الشاملة في أوكرانيا عام 2022، فإنه زار الدولة الواقعة في وسط آسيا بشكل متكرر.

تعد كازاخستان حليفا عسكريا واقتصاديا تاريخيا لروسيا وتمتد الحدود بين البلدين على مسافة 7500 كيلومتر.

ويتوقع أن يناقش الزعيمان العلاقات التجارية وملف الطاقة، إضافة إلى بناء أول محطة في كازاخستان للطاقة النووية، علما بأن شركة «روساتوم» الروسية من بين الشركات المرشحة لبنائها.

تسهم كازاخستان بنحو 43 في المائة من إنتاج اليورانيوم العالمي لكنها لا تملك مفاعلات نووية.

وأكد بوتين الأربعاء أن «(روساتوم) مستعدة لمشاريع كبيرة جديدة مع كازاخستان».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف يرسمان على لوحة قبل لقائهما في أستانا في 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

سيوقّع البلدان أيضا عدة وثائق الأربعاء وسيصدران بيانا للإعلام، بحسب مستشار الكرملين يوري أوشاكوف.

ويجتمع بوتين الخميس وقادة «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» في أستانا في إطار قمة أمنية.

وستتصدر أوكرانيا جدول الأعمال، إذ يتوقع أن يناقش القادة «الإذن الغربي (لكييف) بإطلاق صواريخ بعيدة المدى باتّجاه عمق أراضي روسيا الاتحادية»، وفق ما أكدت وكالة «تاس» الإخبارية نقلا عن مصدر.

وفي خطوة لافتة، ستتغيب أرمينيا عن الاجتماع بعدما علّقت عضويتها في المنظمة احتجاجا على عدم وقوف موسكو إلى جانبها في نزاعها مع أذربيجان.

وقال أوشاكوف الثلاثاء إن أرمينيا ما زالت عضوا كاملا في التحالف ويمكن أن تعود في أي لحظة.