تأخر تشكيل الحكومة في لبنان يهدد بعدم إقرار الموازنة العامة

TT

تأخر تشكيل الحكومة في لبنان يهدد بعدم إقرار الموازنة العامة

مهّدت الأزمة الحكومية لدخول لبنان عام 2021 من دون موازنة للمالية العامة؛ ما يضعه في موقف محرج مع المجتمع الدولي الذي يضع إقرار الموازنة في رأس هرم الإصلاحات المطلوبة.
وتقترب المهل الدستورية لإقرار الموازنة، حيث يحدد الدستور إرسالها من قبل وزارة المال إلى الحكومة في أواخر أغسطس (آب) من كل عام، على أن تقرها الحكومة في سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول) وتحيلها إلى المجلس النيابي لإقرارها قبل 31 يناير (كانون الثاني) من العام الجديد، وهي المهلة الأخيرة للإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية خارج الموازنة.
ويؤكد الخبير الدستوري صلاح حنين، أنه لا يحق للحكومة المستقيلة إرسال الموازنة إلى المجلس النيابي؛ وذلك لأن الموازنة «عمل سياسي لا يدخل في إطار تصريف الأعمال». ويشير حنين في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنه في حال كانت حكومة حسان دياب التي استقالت في أغسطس الماضي قد أرسلت الموازنة للمجلس النيابي قبل استقالتها، سيقوم الأخير بدراستها خلال العقد الثاني الذي بدأ في 15 أكتوبر، ويتم تخصيص جلساته حسب الدستور لبحث «الموازنة والتصويت عليها قبل أي عمل آخر» ويستمر حتى نهاية العام، أما إن لم تفعل فلا موازنة من دون حكومة جديدة.
وفي حال عدم وصول أي موازنة للمجلس النيابي خلال العقد الثاني سيتم اللجوء إلى الإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية حتى شهر يناير فقط؛ إذ تنص المادة 83 من الدستور على أنه «إذا لم يبت مجلس النواب نهائياً في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه، فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية ديسمبر (كانون الثاني( لمتابعة درس الموازنة»، و«تأخذ الحكومة نفقات شهر ديسمبر من السنة الجديدة على القاعدة الاثني عشرية».
وبعدها، وفي حال عدم الانتهاء من الموازنة يتم إقرار قانون تمديد القاعدة الاثني عشرية لمهل محددة.
وتقوم القاعدة الاثني عشرية على أخذ الاعتمادات المفتوحة في موازنة السنة السابقة، وتضاف إليها الاعتمادات الإضافية التي فتحت خلال السنة ذاتها، وتطرح منها الاعتمادات الملغاة، ثم يقسم الرصيد إلى جزء من اثني عشر فتحصل على نفقات شهر ديسمبر.
وتأخّر إقرار الموازنة يعني عملياً «تأخراً في الحصول على أي مساعدات من قبل المجتمع الدولي»، حسب ما يؤكد مدير «معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية» والخبير الاقتصادي سامي نادر.
ويشير نادر في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أن الموازنة تأتي على رأس سلّم الإصلاحات المطلوبة من لبنان للحصول على أي مساعدات من قبل المجتمع الدولي، وأن صندوق النقد الدولي لن يتجاوب مع لبنان من دون وجود موازنة واضحة، مضيفاً أن لبنان لم يعد يحمل أي تأخّر «فالتدهور الاقتصادي بات يُحسب بالساعة وليس بالأيام»؛ وذلك لأن لبنان بات يعاني أزمة سيولة بالليرة والدولار بعدما عمل مصرف لبنان على احتواء تدهور وضع الليرة عبر تقنين ضخّها في السوق، فضلاً عن تلاشي احتياط مصرف لبنان؛ ما يعني اقتراب رفع الدعم عن السلع الأساسية (قمح دواء ومحروقات) والتي يؤمّن الدولار استيرادها على أساس السعر الرسمي 1515، وكلّ هذا سيؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق بنسب التضخّم وتراجع القدرة الشرائية؛ ما ينذر بانهيار اجتماعي ليس فقط اقتصادياً، إذ لم يعد في لبنان مقومات بقاء الدولة.
وإزاء هذا الواقع، يؤكد نادر ضرورة وضع خطة اقتصادية و«الموازنة العامة هي أساس هذه الخطّة في أي بلد في العالم»، مضيفاً «لذلك نحن في حاجة وبأسرع وقت ممكن إلى تشكيل حكومة تضع هذه الخطة وتكون قادرة على أن تأتي بأموال من الخارج وتفرج عن المساعدات وتوقّع مع صندوق النقد الدولي «فلبنان فقد رفاهية الوقت منذ أشهر».
ويرى نادر، أنه ليس من الصعب إعداد الموازنة في حال كانت هناك حكومة لديها النية بإنقاذ لبنان؛ «فالأمر يتطلب الرغبة في العمل وفي إنقاذ لبنان وليس وقتاً»، مذكراً بأن الموازنة يجب أن تضمن بنوداً أساسية تتعلّق بإصلاح قطاع الكهرباء ووقف التوظيف في القطاع العام، وإصلاح أنظمة الضمان والتقاعد وإعادة جدولة الدين العام لخفض العجز.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.