لا تخفي الصحافة الألمانية نفورها من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، كما لا يخفي هو عدم إعجابه الكبير بألمانيا، رغم أنه يحمل إرثاً ألمانياً في جذوره.
فاسم ترمب أصله ألماني. وهو ما زال شائعاً في بلدة صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن 1200 نسمة، تقع في غرب البلاد في ولاية راينلاند بفالتس، اسمها «كالشتات». حتى منزل عائلته ما زال موجوداً في تلك البلدة، وتحول معلماً سياحياً غريباً في تلك البلدة النائية الهادئة.
في ذاك المنزل، عاش فريدريش ترمب، جد الرئيس الأميركي، قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1885 ليتحول إلى رجل غني، جنى ثروة من لا شيء. ولكن مع ذلك، فإن ترمب الحفيد غير محبوب كثيراً في تلك البلدة. حتى إن سيدة تحمل اسم عائلة ترمب وتملك مخبزاً في بلدة مجاورة، حاولت الاستفادة من الاسم تجارياً، ولكن الأمر ارتد عليها. فأورسولا ترمب، السيدة الألمانية التي تصغر الرئيس الأميركي بعام واحد، وتبلغ 73 عاماً، تملك مخبزاً في بلدة فرانشايم المجاورة، وهي ترفع اسمها بفخر عليه. وفي الداخل كانت تخبز كعكاً وتطبع صور دونالد ترمب عليها. ورغم أن السياح قصدوا مخبزها في البداية، فإن سكان البلدة قاطعوها، لأنهم اعتبروا أنها تروج لرجل لا يحظى بكثير من التقدير عندهم.
قد تكون هذه «العدائية» هي التي ردعت ترمب الرئيس عن زيارة بلدة أجداده، رغم أنه زار ألمانيا مرتين، وإن بشكل خاطف خلال فترة رئاسته. وكان ترمب الرئيس الأميركي الوحيد منذ سنوات الذي «تجاهل» السفر إلى ألمانيا في زيارة رسمية للبحث في العلاقات الثنائية. ففي زيارته الأولى، جاء إلى هامبورغ بعد أشهر قليلة من تسلمه الرئاسة في عام 2017 ولكن فقط للمشاركة في قمة العشرين. ثم في ديسمبر (كانون الأول) 2018 عاد ولكن توقف فقط وهو في طريق عودته من العراق ليزور الجنود الأميركيين في قاعدة رامشتاين العسكرية، التي تبعد أقل من ساعة بالسيارة، أو بضع دقائق بالهليكوبتر عن بلدة جده «كالشتات».
والمقارنة صارخة بين علاقة ترمب بألمانيا، وعلاقة سلفه باراك أوباما بها. فالأخير، زارها مرتين في فترة رئاسته، وقبل انتخابه كذلك، واستمر بزيارتها ولقاء ميركل بعد خروجه من البيت الأبيض. ومنح شرف أن يخطب بالبرلينيين من أمام بوابة براندنبرغ حيث وقف قبله الرئيس الأسبق جون أف كينيدي عام 1963 وهتف «أنا برليني» باللغة الألمانية. كان كينيدي يقف حينها في الجانب الغربي للجدار الذي كان يقسم المدينة، ويدعو البرلينيين لتهديمه. ومثله وقف أوباما يحيي وحدة ألمانيا، ويمطر ميركل الآتية من شرق ألمانيا، بكلمات الإطراء حتى شبع نفسه بها، ليقول إن كليهما «زعيم غير تقليدي بالشكل»، كونها سيدة من شرق ألمانيا نجحت أن تحكم البلاد، وهو رجل أسود. وكانت ميركل الجالسة بقربه تبتسم طوال وقت خطابه.
ولا يمكن أن تكون صورة على النقيض أكثر من صورتها إلى جانب ترمب لاحقاً خلال لقاءاتهما المتكررة. فملامحها تتقلب بين العبوس والتعجب، فيما هو لا يتردد في إمطارها بالانتقادات في وجهها حتى إنه تجاهل مصافحتها مرة وتركها بيد ممدودة بإحراج أمام عدسات المصورين.
وإضافة إلى ذلك، هناك خلافات سياسية كبيرة بين بلديهما، اختار ترمب أن يطرحها من دون شيء من الدبلوماسية. فالخلافات تبدأ بالإنفاق غير الكافي لبرلين على ميزانيتها الدفاعية بحسب توصيات حلف الناتو، وتمتد إلى خط أنبوب الغاز «نورد ستريم 2» الذي تبنيه ألمانيا مع روسيا لاستيراد الغاز مباشرة منها، ما دفع ترمب لفرض عقوبات على المشروع. لكن الخلافات تمتد إلى أكثر من ذلك بكثير، وتتعلق مثلاً بالفائض التجاري الألماني، وبانسحاب ترمب من اتفاقية المناخ والاتفاق النووي مع إيران، حتى إلى سياسة الهجرة الألمانية التي غالباً ما ينتقدها ترمب.
ورغم أن برلين اليوم لم تبدِ رأياً حول من هو مرشحها المفضل في الانتخابات الأميركية، فإن تفضيلها للمرشح الديمقراطي جو بايدن واضح. حتى ترمب يعلم ذلك، فهو قال ممازحاً في أحد التجمعات الانتخابية قبل أيام إن «ألمانيا تريد أن تتخلص» منه.
وهنا في برلين، يكرر المحللون الألمان أن لا خيار أمام برلين إذا أرادت تحسين علاقتها بالولايات المتحدة، إلا أن تنتظر رحيل ترمب.
ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس تحدث عن مساعيه لفتح «صفحة جديدة» مع واشنطن بعد الانتخابات بغض النظر عن الفائز. ورفض بالتأكيد تسمية مرشحه المفضل، وقال في مقابلة أدلى بها لصحيفة «تاغس شبيغل أم زونتاغ»: «سيكون خطراً لو أنني كوزير خارجية أبديت آراء شخصية حول نتيجة الانتخابات في دولة أخرى». ولكنه انتقد ترمب بشكل غير مباشر عندما قال إنه يتمنى أن يقبل المهزوم بالنتيجة، في تلميح إلى مقالات تحدثت عن أن ترمب سيعارض النتيجة إذا خسر الانتخابات.
وأعلن ماس أنه سيقترح «اتفاقاً جديداً» حول العلاقات عبر الأطلسي بعد الانتخابات الأميركية مهما كان الفائز. وامتدح في المقابل مقاربة بايدن للعلاقات الدولية، مشيراً إلى ضرورة أن يعود التعاون الدولي لحل الأزمات العالمية.
لكن رغم هذا التفضيل غير المعلن، يشكك كثيرون في أن تتغير جذرياً السياسة الأميركية تجاه ألمانيا، خاصة ما يتعلق بالخلافات حول إيران ومشروع الغاز الروسي والإنفاق الدفاعي.
ألمانيا «نافرة» من ترمب الذي تجاهل جذوره... وتفضل بايدن
ألمانيا «نافرة» من ترمب الذي تجاهل جذوره... وتفضل بايدن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة