البحرين.. زعيم الوفاق في {قبضة القانون}

أمين عام كبرى جمعيات المعارضة في النقطة الحرجة أمام كشف ممولي العنف في البحرين

علي سلمان
علي سلمان
TT

البحرين.. زعيم الوفاق في {قبضة القانون}

علي سلمان
علي سلمان

ماذا يحدث في البحرين؟ هل غضبت حكومة المنامة على جمعية الوفاق كبرى جمعيات المعارضة السياسية التي كان يعتقد أنها تلقى معاملة خاصة، من الحكومة.. هل انتهى شهر العسل.. وما الذي أجبر المنامة على المجازفة بتوقيف أمين عام الجمعية الشيخ علي سلمان؟.. وفي الطرف الآخر تدور أسئلة أخرى من نوع.. لماذا لم تجد الخطوة رد الفعل الكبير الذي كان يحدث داخليا وإقليميا ودوليا، لماذا لم تقم الدنيا ولم تقعد. ما الذي تغير.
فالإجابة تبدو طبيعية كما يقول مسؤولو حكومة البحرين.. لأن ما يحدث هو في الإطار القانوني.. في دولة القانون تتم المحاكمات والاستجوابات.. وتتم مساءلة الكبير والصغير، وفق النظم القانونية.. لذا فان ردة الفعل لم تكن كما كان يتوقعها البعض.. حتى إن أنصار الوفاق أنفسهم ظلوا في حالة من الدهشة من الموقف برمته.. ومن ردة الفعل الباهتة.
جهات خارجية غربية تجاهلت خطوة توقيف الشيخ سلمان باعتبارها تمت وفق القانون فيما اكتفت جهات أخرى بمطالبة المنامة بإعمال القانون.. ولا شيء غيره.
لكن رغم ذلك يرى البعض أن نشاط الوفاق السياسي لم يتغير منذ أحداث 14 فبراير (شباط) من عام 2011 وحتى الآن، فهي تنظم المسيرات والفعاليات وتصدر البيانات ويتحدث قادتها للإعلام وفي المناسبات، ولم يحدث أن خضعوا للإيقاف أو للتحقيق أو تم عرضهم على المحاكم، مما دفع بعض المراقبين إلى الاعتقاد بأن «الوفاق» تحظى بمعاملة خاصة، فقياداتها لم تتهم في قضايا تمس أمن الدولة كما حدث مع جمعيات سياسية أخرى معارضة. فلماذا الآن.
الواضح جليا في الوقت الحالي هو انحسار الحراك السياسي المعارض في البحرين، ولم يبق منه إلا مظاهرات خجولة تتم في القرى التابعة للمعارضة، وباعتراف المعارضين أنفسهم. وهي تحركات لا تستدعي حتى تحرك الجهات المعنية لمواجهتها لأنها تتم في إطار المسموح.
ومعروف ومنذ أمد بأن الدولة والجمعيات المعارضة لم يكونا يوما على وفاق، فتحدث تجاذبات لكنها سرعان ما تنتهي، وإن كان أبرزها ما حدث في سبتمبر (أيلول) عام 2013، وهي الأزمة التي كانت مؤشرا حينها للإطاحة بحوار التوافق الوطني في نسخته الثانية.

* تساؤلات مقلقة

* يواجه الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق عقوبة قد تصل إلى السجن 10 سنوات إذا ثبتت عليه تهمة التحريض على تغيير نظام الحكم بالقوة، ففي تجمع عام لجمعية الوفاق تحدث أمين عام الجمعية عن عرض تلقته المعارضة البحرينية بانتهاج أسلوب المعارضة السورية لتحويل البحرين إلى معركة عسكرية، كما تحدث عن هذا العرض في حوار أجرته مع إحدى القنوات الفضائية.
السؤال الذي يقلق البحرينيين خلال هذه الفترة هو الجهة التي قدمت هذا العرض لتحويل مملكتهم الصغيرة إلى بركة من الدماء. يقول نائب في البرلمان البحريني: «نريد أن نعرف هذه الجهة، فقد يقبل شخصية غير الشيخ علي سلمان أو تيار غير الوفاق هذا العرض».
بعد عام تقريبا وخلال الربع الأخير من 2014 تكرر التجاذب بين الحكومة والجمعية السياسية المعارضة التي تصنف على أنها أكبر فصائل المعارضة. كانت البداية إنذارا لتعديل وضعها القانوني لوجود مخالفات صريحة لقانون عمل الجمعيات السياسية. لم تكترث الجمعية حينها وبعد أن وصل الأمر إلى القضاء وصدر حكم بتعليق نشاطها قدمت تعهدات بتعديل وضعها وإعادة تنظيم مؤتمرها العام بما يتوافق مع قانون الجمعيات السياسية.
عقدت الجمعية مؤتمرها العام في 26 ديسمبر (كانون الأول) 2014، وألقى الشيخ علي سلمان أمين عام الجمعية الفائز بالتزكية البرنامج السياسي للجمعية للفترة المقبل وتضمنت كلمة سلمان عدة محاور بينها قوله إنه تلقى عرضا على المعارضة البحرينية أن تنتهج نهج المعارضة السورية وأن تحول البلد إلى معركة عسكرية ولكن ثبات هذه المعارضة على السلمية ووضوح رؤيتها هو العنصر الأساس الذي حافظ على البحرين بعيدا عن الانجرار إلى العنف.
أيضا تغير الوضع كثيرا وجرى في النهر مياه كثيرة، فهناك فرق كبير بين الأحداث التي شهدتها نهاية عام 2013 وتلك التي ترافقت مع نهاية عام 2014، ففي المرة الأولى منع أمين عام الوفاق من السفر وجرى التحقيق معه على فترات متباعدة نسبيا ولم تحال القضية إلى المحكمة.
في نهاية 2014 وبداية 2015 تم إيقاف سلمان لمدة 7 أيام على ذمة التحقيق فيما جدد إيقافه أول من أمس لـ15 يوما أخرى ويجري التحقيق معه على 4 تهم هي «الترويج لقلب نظام الحكم بالقوة، والتحريض على بغض طائفة من الناس مما يؤثر على السلم الاجتماعي، والتحريض على عدم الانقياد للقانون، وإهانة وزارة الداخلية»، إحداها تصنف كجريمة وتصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات.
يقول عيسى عبد الرحمن وزير شؤون الإعلام البحريني إن الحكومة البحرينية تضمن حقوق أمين عام جمعية الوفاق أثناء توقيفه والتحقيق معه ومحاكمته، وأن يتمتع بكافة حقوقه القانونية كأي مواطن يتعرض للإيقاف والتحقيق والمحاكمة، وأضاف ضمان الحقوق في مملكة البحرين عملية مؤسسية مستمرة فلدى البحرين مفوضية حقوق السجناء والموقوفين وتمارس عملها كجهة مستقلة وتحقق في أية قضية تصل إليها سواء من السجناء أو من ذويهم بكل شفافية وحيادية.
ويتابع: العمل الحقوقي أصبح عملا مؤسسيا والأجهزة التي تمارس دور الرقابة تتمتع باستقلالية كاملة.
بدورها قالت سوسن تقوي رئيسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس الشورى البحريني لـ«الشرق الأوسط»: «يجب الوقوف جديا أمام تلويح أمين عام جمعية الوفاق بعسكرة المعارضة في البحرين، وذلك عبر التواصل مع أنظمة وتشكيلات سياسية مسلحة في الخارج، وما ينطوي على ذلك من استقواء بالخارج في سبيل إحداث تغيير معين في النظام السياسي بالبحرين، وإن ذلك موثق من خلال كلمة أمين عام الجمعية في المؤتمر العام لجمعيته، وما يعنيه ذلك من دلالات سياسية تحمل أوراق استخدام العنف والسلاح ورقة للضغط والابتزاز والتأثير لتحقيق المطالب غير التوافقية بالطرق غير المشروعة وبعيدا عن المؤسسات الدستورية».
يقول النائب على العرادي نائب رئيس مجلس النواب لـ«الشرق الأوسط»: «الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية سياسية مرخصة ولكنه مواطن بحريني يخضع للقانون كأي مواطن، ويواجه في الفترة الراهنة اتهامات ولم يدان حتى الآن وأشار في إحدى خطبه إلى تلقيه عرضا بتزويده بالسلاح وتحويل المعارضة البحرينية إلى معارضة عنيفة على غرار المعارضة السورية ويشكر على رفضه لهذا العرض، لكن من حق البحرين والبحرينيين أن يعرفوا من هي هذه الجهة؟».
ويتابع نائب رئيس مجلس النواب القانون البحريني نص على أن الجميع سواسية والشيخ علي سلمان لا يختلف عن غيره من المواطنين، وما حدث هو اتهام طبيعي ونشد على يد النيابة بأن تمضي في تحقيقاتها حتى النهاية، فمن حق الدولة والنيابة أن تعرف التي تنوي شرا للبحرين وأهلها، ويضيف العرادي: «هو رفض لكن قد يتلقى العرض شخص آخر أو تيار آخر وقد يقبله، وحدث خلال الفترة الماضية حالات تهريب سلاح إلى البحرين».
في المقابل اعتبر جميل كاظم أحد قياديي جمعية الوفاق أن الشيخ علي سلمان في خطابه الأخير وفي جميع خطاباته يؤكد على السلمية وقال إن هناك أطرافا في المعارضة البحرينية لا تتبنى خطاب سلمان وتعتبره ضعفًا، واعتبر كاظم أن محاكمة أمين عام الجمعية هي محاكمة لمنهج جمعية الوفاق في التعاطي السياسي.
ردود الفعل الدولية حول إيقاف أمين عام جمعية الوفاق كانت محدودة وإن كانت أبرز ردود الفعل جاءت من إيران التي وسمتها الحكومة البحرينية بأنها تحريض سياسي وديني في بيان صدر عن وزارة الخارجية البحرينية هنا يقول وزير شؤون الإعلام إن ما يهم مملكة البحرين هو الشأن الداخلي وإن الأمر يتعلق بمخالفات صريحة للقانون وكان هناك تدرج في التعاطي مع القضية فتمت مساءلة المتهم قبل التحول إلى السلطة القضائية، وأي تعليق خارجي «لا يعنينا» وتتعامل مع القضية كشأن داخلي بحت.
تقول سوسن تقوي: «البحرين دولة قانون ومؤسسات، والجميع خاضع للمسطرة القانونية، وما جرى بالنسبة لأمين عام جمعية الوفاق هو مساءلته عما نسب إليه من اتهامات، وما زالت النيابة العامة تواصل استجوابها له، شأنه في ذلك شأن أي متهم آخر يمثل أمام النيابة العامة أولا ثم القضاء لتتخذ العدالة مجراها الطبيعي».
وتضيف تقوي إن جمعية الوفاق تعتبر مساءلة أمينها العام معاقبة لها، ولكنها تحرف بذلك الموضوع وتبتعد عن كبد الحقيقة، فما جرى هو تشكيل مجموعة من الاتهامات بحق أمين عام الجمعية في ظل سقوطه في مجموعة من المخالفات الصريحة لعدد من القوانين، ولا يمكن غض النظر عن المجاهرة بمخالفة الدستور أو التمرد على التشريعات، وإلا فإن ذلك سيفتح الباب واسعا أمام تسيب الممارسة القانونية وبالتالي إحداث الفوضى تحت ذرائع متعددة.
واعتبرت تقوي أن أغلب ردود الفعل الخارجية انصبت على ضرورة استكمال الإجراءات القانونية بشكل صحيح وضمان تنفيذها بشكل أمين والشفافية في إجراءات التقاضي، كما قالت إن المؤسسة القضائية في البحرين لا تحتاج إلى نصائح من هذا النوع من هذه الدول لأنها تمارس الشفافية والحياد في ممارساتها القانونية والقضائية، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكن ردود الفعل الكثيرة أبرزت من جديد بسط الدولة للأمن والاستقرار وهيبة القانون وتنفيذه بين جميع المواطنين وذلك دون تمييز أو تفرقة بين أي مواطن وآخر، وبخاصة من يخطئ أو يتمادى في المخالفة وبشكل لا يمكن السكوت عنه لئلا يكون ذلك سابقة للعدوان على الدستور.
بدوره قال علي العرادي نائب رئيس مجلس النواب «إن ما حدث لأمين عام جمعية الوفاق هو شأن داخلي ومن غير المناسب لأي دولة انتهاك سيادة دولة أخرى، وأتمنى كمواطن أن تظهر الحقيقة وأن نعرف ما وراء الادعاءات فإذا كانت صحيحة نتمنى تنفيذ القانون، وإن كانت غير صحيحة نتمنى أن بفرج عنه وأن يعود إلى حياته الطبيعية».
وتابع العرادي: «ردود الفعل كان أبرزها من المنظمات غير الحكومية وإن كانت لا تنظر في حقيقة الادعاء ولديها وجهة نظر مسبقة إلا أنها كانت مع تطبيق القانون، أما ردود فعل الدول كانت محدودة وكانت في الغالب حذرة».
يقول جميل كاظم القيادي في جمعية الوفاق: «لدى الجمعية تصنيف لردود الفعل سواء الصادرة عن الدول أو المنظمات دولية»، ويضيف: «(الوفاق) لديها علاقات جيدة مع مختلف المنظمات والمؤسسات الدولية فضلا عن علاقتها مع السلك الدبلوماسي الدولي».
واعتبر كاظم أن ردود الفعل كانت جيدة على مستوى المنظمات والمؤسسات الدولية وأبرزت الأزمة البحرينية، بينما كانت ردود فعل الدول الغربية دون مستوى الحدث.
ويعتبر أن إيقاف الأمين العام للجمعية وتعليق نشاطها السياسي حتى تصحيح أوضاعها كان نتيجة رفض الجمعية لوثيقة الأعيان التي أعلن عنها في سبتمبر من عام 2014 بعد لقاء جمع ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة مع شخصيات وطنية وتضمنت الوثيقة حينها 5 نقاط وجدتها الوفاق والمعارضة بشكل عام غامضة.
وتابع كاظم: «أعتقد أن الأمور خطيرة عندما تستهدف جمعية سياسية مصرحة وتمارس نشاطها منذ 12 عاما قضائيا ويحاكم رموزها ولو استمر هذا الوضع التصاعدي ستدخل البحرين في أزمة».
في المقابل أكد وزير شؤون الإعلام أن ما تقوم به الحكومة البحرينية وبكل وضوح هو تطبيق للإجراءات والقانون ولا يوجد ترصد أو استهداف لجمعية الوفاق أو قياداتها فالجمعية أنشئت على أساس قانون عمل الجمعيات السياسية ويجب أن تلتزم بهذا القانون وأمين عام الجمعية كان خلال السنوات الماضية يمارس عمله كأي مواطن بحريني ويتم استدعاؤه ومساءلته إذا خالف القانون.
وشدد عيسى عبد الرحمن على أن حكومة البحرين تضمن لأي جمعية سياسية مرخصة أو شخصية تمارس العمل السياسي أن تمارس عملها بكل أريحية إذا لم تخالف القانون وأضاف: «هناك 17 جمعية سياسية أخرى في البحرين لم تتعرض لها أية جهة حكومية وتمارس نشاطها بكل حرية».



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.