البحرين.. زعيم الوفاق في {قبضة القانون}

أمين عام كبرى جمعيات المعارضة في النقطة الحرجة أمام كشف ممولي العنف في البحرين

علي سلمان
علي سلمان
TT

البحرين.. زعيم الوفاق في {قبضة القانون}

علي سلمان
علي سلمان

ماذا يحدث في البحرين؟ هل غضبت حكومة المنامة على جمعية الوفاق كبرى جمعيات المعارضة السياسية التي كان يعتقد أنها تلقى معاملة خاصة، من الحكومة.. هل انتهى شهر العسل.. وما الذي أجبر المنامة على المجازفة بتوقيف أمين عام الجمعية الشيخ علي سلمان؟.. وفي الطرف الآخر تدور أسئلة أخرى من نوع.. لماذا لم تجد الخطوة رد الفعل الكبير الذي كان يحدث داخليا وإقليميا ودوليا، لماذا لم تقم الدنيا ولم تقعد. ما الذي تغير.
فالإجابة تبدو طبيعية كما يقول مسؤولو حكومة البحرين.. لأن ما يحدث هو في الإطار القانوني.. في دولة القانون تتم المحاكمات والاستجوابات.. وتتم مساءلة الكبير والصغير، وفق النظم القانونية.. لذا فان ردة الفعل لم تكن كما كان يتوقعها البعض.. حتى إن أنصار الوفاق أنفسهم ظلوا في حالة من الدهشة من الموقف برمته.. ومن ردة الفعل الباهتة.
جهات خارجية غربية تجاهلت خطوة توقيف الشيخ سلمان باعتبارها تمت وفق القانون فيما اكتفت جهات أخرى بمطالبة المنامة بإعمال القانون.. ولا شيء غيره.
لكن رغم ذلك يرى البعض أن نشاط الوفاق السياسي لم يتغير منذ أحداث 14 فبراير (شباط) من عام 2011 وحتى الآن، فهي تنظم المسيرات والفعاليات وتصدر البيانات ويتحدث قادتها للإعلام وفي المناسبات، ولم يحدث أن خضعوا للإيقاف أو للتحقيق أو تم عرضهم على المحاكم، مما دفع بعض المراقبين إلى الاعتقاد بأن «الوفاق» تحظى بمعاملة خاصة، فقياداتها لم تتهم في قضايا تمس أمن الدولة كما حدث مع جمعيات سياسية أخرى معارضة. فلماذا الآن.
الواضح جليا في الوقت الحالي هو انحسار الحراك السياسي المعارض في البحرين، ولم يبق منه إلا مظاهرات خجولة تتم في القرى التابعة للمعارضة، وباعتراف المعارضين أنفسهم. وهي تحركات لا تستدعي حتى تحرك الجهات المعنية لمواجهتها لأنها تتم في إطار المسموح.
ومعروف ومنذ أمد بأن الدولة والجمعيات المعارضة لم يكونا يوما على وفاق، فتحدث تجاذبات لكنها سرعان ما تنتهي، وإن كان أبرزها ما حدث في سبتمبر (أيلول) عام 2013، وهي الأزمة التي كانت مؤشرا حينها للإطاحة بحوار التوافق الوطني في نسخته الثانية.

* تساؤلات مقلقة

* يواجه الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق عقوبة قد تصل إلى السجن 10 سنوات إذا ثبتت عليه تهمة التحريض على تغيير نظام الحكم بالقوة، ففي تجمع عام لجمعية الوفاق تحدث أمين عام الجمعية عن عرض تلقته المعارضة البحرينية بانتهاج أسلوب المعارضة السورية لتحويل البحرين إلى معركة عسكرية، كما تحدث عن هذا العرض في حوار أجرته مع إحدى القنوات الفضائية.
السؤال الذي يقلق البحرينيين خلال هذه الفترة هو الجهة التي قدمت هذا العرض لتحويل مملكتهم الصغيرة إلى بركة من الدماء. يقول نائب في البرلمان البحريني: «نريد أن نعرف هذه الجهة، فقد يقبل شخصية غير الشيخ علي سلمان أو تيار غير الوفاق هذا العرض».
بعد عام تقريبا وخلال الربع الأخير من 2014 تكرر التجاذب بين الحكومة والجمعية السياسية المعارضة التي تصنف على أنها أكبر فصائل المعارضة. كانت البداية إنذارا لتعديل وضعها القانوني لوجود مخالفات صريحة لقانون عمل الجمعيات السياسية. لم تكترث الجمعية حينها وبعد أن وصل الأمر إلى القضاء وصدر حكم بتعليق نشاطها قدمت تعهدات بتعديل وضعها وإعادة تنظيم مؤتمرها العام بما يتوافق مع قانون الجمعيات السياسية.
عقدت الجمعية مؤتمرها العام في 26 ديسمبر (كانون الأول) 2014، وألقى الشيخ علي سلمان أمين عام الجمعية الفائز بالتزكية البرنامج السياسي للجمعية للفترة المقبل وتضمنت كلمة سلمان عدة محاور بينها قوله إنه تلقى عرضا على المعارضة البحرينية أن تنتهج نهج المعارضة السورية وأن تحول البلد إلى معركة عسكرية ولكن ثبات هذه المعارضة على السلمية ووضوح رؤيتها هو العنصر الأساس الذي حافظ على البحرين بعيدا عن الانجرار إلى العنف.
أيضا تغير الوضع كثيرا وجرى في النهر مياه كثيرة، فهناك فرق كبير بين الأحداث التي شهدتها نهاية عام 2013 وتلك التي ترافقت مع نهاية عام 2014، ففي المرة الأولى منع أمين عام الوفاق من السفر وجرى التحقيق معه على فترات متباعدة نسبيا ولم تحال القضية إلى المحكمة.
في نهاية 2014 وبداية 2015 تم إيقاف سلمان لمدة 7 أيام على ذمة التحقيق فيما جدد إيقافه أول من أمس لـ15 يوما أخرى ويجري التحقيق معه على 4 تهم هي «الترويج لقلب نظام الحكم بالقوة، والتحريض على بغض طائفة من الناس مما يؤثر على السلم الاجتماعي، والتحريض على عدم الانقياد للقانون، وإهانة وزارة الداخلية»، إحداها تصنف كجريمة وتصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات.
يقول عيسى عبد الرحمن وزير شؤون الإعلام البحريني إن الحكومة البحرينية تضمن حقوق أمين عام جمعية الوفاق أثناء توقيفه والتحقيق معه ومحاكمته، وأن يتمتع بكافة حقوقه القانونية كأي مواطن يتعرض للإيقاف والتحقيق والمحاكمة، وأضاف ضمان الحقوق في مملكة البحرين عملية مؤسسية مستمرة فلدى البحرين مفوضية حقوق السجناء والموقوفين وتمارس عملها كجهة مستقلة وتحقق في أية قضية تصل إليها سواء من السجناء أو من ذويهم بكل شفافية وحيادية.
ويتابع: العمل الحقوقي أصبح عملا مؤسسيا والأجهزة التي تمارس دور الرقابة تتمتع باستقلالية كاملة.
بدورها قالت سوسن تقوي رئيسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس الشورى البحريني لـ«الشرق الأوسط»: «يجب الوقوف جديا أمام تلويح أمين عام جمعية الوفاق بعسكرة المعارضة في البحرين، وذلك عبر التواصل مع أنظمة وتشكيلات سياسية مسلحة في الخارج، وما ينطوي على ذلك من استقواء بالخارج في سبيل إحداث تغيير معين في النظام السياسي بالبحرين، وإن ذلك موثق من خلال كلمة أمين عام الجمعية في المؤتمر العام لجمعيته، وما يعنيه ذلك من دلالات سياسية تحمل أوراق استخدام العنف والسلاح ورقة للضغط والابتزاز والتأثير لتحقيق المطالب غير التوافقية بالطرق غير المشروعة وبعيدا عن المؤسسات الدستورية».
يقول النائب على العرادي نائب رئيس مجلس النواب لـ«الشرق الأوسط»: «الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية سياسية مرخصة ولكنه مواطن بحريني يخضع للقانون كأي مواطن، ويواجه في الفترة الراهنة اتهامات ولم يدان حتى الآن وأشار في إحدى خطبه إلى تلقيه عرضا بتزويده بالسلاح وتحويل المعارضة البحرينية إلى معارضة عنيفة على غرار المعارضة السورية ويشكر على رفضه لهذا العرض، لكن من حق البحرين والبحرينيين أن يعرفوا من هي هذه الجهة؟».
ويتابع نائب رئيس مجلس النواب القانون البحريني نص على أن الجميع سواسية والشيخ علي سلمان لا يختلف عن غيره من المواطنين، وما حدث هو اتهام طبيعي ونشد على يد النيابة بأن تمضي في تحقيقاتها حتى النهاية، فمن حق الدولة والنيابة أن تعرف التي تنوي شرا للبحرين وأهلها، ويضيف العرادي: «هو رفض لكن قد يتلقى العرض شخص آخر أو تيار آخر وقد يقبله، وحدث خلال الفترة الماضية حالات تهريب سلاح إلى البحرين».
في المقابل اعتبر جميل كاظم أحد قياديي جمعية الوفاق أن الشيخ علي سلمان في خطابه الأخير وفي جميع خطاباته يؤكد على السلمية وقال إن هناك أطرافا في المعارضة البحرينية لا تتبنى خطاب سلمان وتعتبره ضعفًا، واعتبر كاظم أن محاكمة أمين عام الجمعية هي محاكمة لمنهج جمعية الوفاق في التعاطي السياسي.
ردود الفعل الدولية حول إيقاف أمين عام جمعية الوفاق كانت محدودة وإن كانت أبرز ردود الفعل جاءت من إيران التي وسمتها الحكومة البحرينية بأنها تحريض سياسي وديني في بيان صدر عن وزارة الخارجية البحرينية هنا يقول وزير شؤون الإعلام إن ما يهم مملكة البحرين هو الشأن الداخلي وإن الأمر يتعلق بمخالفات صريحة للقانون وكان هناك تدرج في التعاطي مع القضية فتمت مساءلة المتهم قبل التحول إلى السلطة القضائية، وأي تعليق خارجي «لا يعنينا» وتتعامل مع القضية كشأن داخلي بحت.
تقول سوسن تقوي: «البحرين دولة قانون ومؤسسات، والجميع خاضع للمسطرة القانونية، وما جرى بالنسبة لأمين عام جمعية الوفاق هو مساءلته عما نسب إليه من اتهامات، وما زالت النيابة العامة تواصل استجوابها له، شأنه في ذلك شأن أي متهم آخر يمثل أمام النيابة العامة أولا ثم القضاء لتتخذ العدالة مجراها الطبيعي».
وتضيف تقوي إن جمعية الوفاق تعتبر مساءلة أمينها العام معاقبة لها، ولكنها تحرف بذلك الموضوع وتبتعد عن كبد الحقيقة، فما جرى هو تشكيل مجموعة من الاتهامات بحق أمين عام الجمعية في ظل سقوطه في مجموعة من المخالفات الصريحة لعدد من القوانين، ولا يمكن غض النظر عن المجاهرة بمخالفة الدستور أو التمرد على التشريعات، وإلا فإن ذلك سيفتح الباب واسعا أمام تسيب الممارسة القانونية وبالتالي إحداث الفوضى تحت ذرائع متعددة.
واعتبرت تقوي أن أغلب ردود الفعل الخارجية انصبت على ضرورة استكمال الإجراءات القانونية بشكل صحيح وضمان تنفيذها بشكل أمين والشفافية في إجراءات التقاضي، كما قالت إن المؤسسة القضائية في البحرين لا تحتاج إلى نصائح من هذا النوع من هذه الدول لأنها تمارس الشفافية والحياد في ممارساتها القانونية والقضائية، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكن ردود الفعل الكثيرة أبرزت من جديد بسط الدولة للأمن والاستقرار وهيبة القانون وتنفيذه بين جميع المواطنين وذلك دون تمييز أو تفرقة بين أي مواطن وآخر، وبخاصة من يخطئ أو يتمادى في المخالفة وبشكل لا يمكن السكوت عنه لئلا يكون ذلك سابقة للعدوان على الدستور.
بدوره قال علي العرادي نائب رئيس مجلس النواب «إن ما حدث لأمين عام جمعية الوفاق هو شأن داخلي ومن غير المناسب لأي دولة انتهاك سيادة دولة أخرى، وأتمنى كمواطن أن تظهر الحقيقة وأن نعرف ما وراء الادعاءات فإذا كانت صحيحة نتمنى تنفيذ القانون، وإن كانت غير صحيحة نتمنى أن بفرج عنه وأن يعود إلى حياته الطبيعية».
وتابع العرادي: «ردود الفعل كان أبرزها من المنظمات غير الحكومية وإن كانت لا تنظر في حقيقة الادعاء ولديها وجهة نظر مسبقة إلا أنها كانت مع تطبيق القانون، أما ردود فعل الدول كانت محدودة وكانت في الغالب حذرة».
يقول جميل كاظم القيادي في جمعية الوفاق: «لدى الجمعية تصنيف لردود الفعل سواء الصادرة عن الدول أو المنظمات دولية»، ويضيف: «(الوفاق) لديها علاقات جيدة مع مختلف المنظمات والمؤسسات الدولية فضلا عن علاقتها مع السلك الدبلوماسي الدولي».
واعتبر كاظم أن ردود الفعل كانت جيدة على مستوى المنظمات والمؤسسات الدولية وأبرزت الأزمة البحرينية، بينما كانت ردود فعل الدول الغربية دون مستوى الحدث.
ويعتبر أن إيقاف الأمين العام للجمعية وتعليق نشاطها السياسي حتى تصحيح أوضاعها كان نتيجة رفض الجمعية لوثيقة الأعيان التي أعلن عنها في سبتمبر من عام 2014 بعد لقاء جمع ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة مع شخصيات وطنية وتضمنت الوثيقة حينها 5 نقاط وجدتها الوفاق والمعارضة بشكل عام غامضة.
وتابع كاظم: «أعتقد أن الأمور خطيرة عندما تستهدف جمعية سياسية مصرحة وتمارس نشاطها منذ 12 عاما قضائيا ويحاكم رموزها ولو استمر هذا الوضع التصاعدي ستدخل البحرين في أزمة».
في المقابل أكد وزير شؤون الإعلام أن ما تقوم به الحكومة البحرينية وبكل وضوح هو تطبيق للإجراءات والقانون ولا يوجد ترصد أو استهداف لجمعية الوفاق أو قياداتها فالجمعية أنشئت على أساس قانون عمل الجمعيات السياسية ويجب أن تلتزم بهذا القانون وأمين عام الجمعية كان خلال السنوات الماضية يمارس عمله كأي مواطن بحريني ويتم استدعاؤه ومساءلته إذا خالف القانون.
وشدد عيسى عبد الرحمن على أن حكومة البحرين تضمن لأي جمعية سياسية مرخصة أو شخصية تمارس العمل السياسي أن تمارس عملها بكل أريحية إذا لم تخالف القانون وأضاف: «هناك 17 جمعية سياسية أخرى في البحرين لم تتعرض لها أية جهة حكومية وتمارس نشاطها بكل حرية».



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».