برنامج جديد لتصميم عروض أكثر سحراً للسوائل الممغنطة

في ستينات القرن الماضي طورت «وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)» السوائل الممغنطة بصفتها وسيلة لضخ الوقود في ظروف الجاذبية المنخفضة. وتشتمل هذه السوائل على جسيمات مغناطيسية نانوية من مركبات محملة بالحديد معلقة في سائل.
وفي غياب المجال المغناطيسي، تتمتع السوائل الممغنطة بسطح أملس تماماً، ولكن عندما يقترب مغناطيس من تلك السوائل، تصطف الجسيمات بسرعة بمحاذاة المجال المغناطيسي، وتتكون «الأشواك» التي تُميّز مظهرها. أما إذا وُضع جسم مغناطيسي فيها، فسوف تتسلق الأشواك الجسم قبل أن تتقهقر. ومنذ ذلك الحين، اكتشف العلماء أن لهذه المادة كثيراً من التطبيقات العلمية الواعدة جداً في عدد من المجالات، مثل الإلكترونيات والتطبيقات العسكرية والطب، كاستخدامها لتوجيه الدواء لاستهداف المناطق المراد علاجها في جسم الإنسان. واليوم نجد أيضاً أن السوائل الممغنطة تستخدم في مكبرات الصوت ومحركات الأقراص الثابتة وألواح التزلج، كما تجرى الأبحاث حالياً لإنشاء مرايا مغناطيسية متغيرة للتلسكوبات الأرضية الفلكية.
وتعدّ السوائل الممغنطة أحد أجمل تطبيقات المواد المغناطيسية الحديدية، وما زالت تلك القوى المغناطيسية تعدّ مصدراً لإبهار العلماء قبل الصغار، فمن تجارب بسيطة لتحريك الأشياء عن بُعد بواسطة مغناطيس صلب، أصبح العلم يتحدث عن سوائل ممغنطة تمتلك خواص الميوعة للمادة السائلة مع الخواص المغناطيسية للمادة الصلبة، بفضل احتوائها على جسيمات صغيرة جداً على مستوى النانومتر من مادة صلبة مغناطيسية. وتتميز السوائل الممغنطة بأشواكها متغيّرة الشكل، حتى إنها تُعدّ عرضاً مفضلاً في معارض العلوم. وهذه الأمثلة اللافتة للأنظار عن كيفية عمل الحقول المغناطيسية يمكن أن تكتسب مزيداً من الإثارة عبر المعالجة الحاسوبية التي تصوّر حركتها.
وفي هذا الشأن؛ طوّر فريق بحثي من «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)» في المملكة العربية السعودية، نموذجاً حاسوبياً لحركة السوائل الممغنطة يمكن استخدامه لتصميم عروض أروع وأكثر سحراً لتلك السوائل المدهشة. هذا العمل يعدّ نقطة انطلاق لاستخدام المحاكاة في إثراء عملية تعظيم الاستفادة من السوائل الممغنطة عبر مجموعة واسعة من التطبيقات العملية، مثل الطب والصوتيات والمواد الماصة لموجات الرادار والأجهزة الإلكترونية النانوية.
ونظراً لأن سلوك السوائل الممغنطة يمكن أن يكون غير متوقع، فإن المحاكاة هي الطريقة المثلى لفهم حركتها المعقّدة. ومع ذلك، واجهتْ تلك النماذج حتى الآن قيوداً عدة، بحسب ليبو هوانج، باحث الدكتوراه في «مجموعة الدكتور دومينيك ميشال» بـ«مركز الحوسبة المرئية» في «كاوست».
يوضح هوانج أن التحدي الأول كان استبعاد نقاط التفرد في المجال المغناطيسي للنماذج الحالية، فالنماذج السابقة تعاملت عادة مع محاكاة المجال المغناطيسي باستخدام مغناطيسات صغيرة للغاية. يذكر أنه كلما كان المغناطيسان أقرب، زادت قوة الجذب المغناطيسي؛ ومن ثمّ إذا كان المغناطيس صغيراً جداً، فإن شدة المجال المغناطيسي يمكن أن تصبح قوية جداً.
ويضيف هوانج: «يُطلق على مركز المغناطيس الصغير للغاية (نقطة التفرد)». ويصعب قياس المجال المغناطيسي عنده، بل وإذا اقتربت نقطتا تفرد كلتاهما من الأخرى؛ فستزيد القوى المغناطيسية لدرجة كبيرة حتى إن المحاكاة يمكن أن تنهار. ويتابع هوانج: «اشتققنا معادلات لاستبعاد نقاط التفرد وإنشاء مخططات عددية أكثر إحكاماً».
توصل الفريق أيضاً إلى طرق لزيادة الكفاءة الحاسوبية بتقليل تعقد الخوارزميات، مما يسمح بإجراء عمليات محاكاة أكبر. وعندما قارن الفريق نموذجهم بالتجارب المختبرية واسعة النطاق، أعاد النموذج إنتاج السلوك الديناميكي الحقيقي للسوائل الممغنطة، وقدّم تمثيلاً نوعياً متماسكاً من شأنه أن يكون مفيداً لتصميم الأشكال بتلك السوائل. يقول هوانج: «هذا يفتح الباب أمام مزيد من التحليل الكمي والذي يساعد على تحديد كمية كل عنصر من العناصر أو الأيونات الداخلة في تركيب العينة أو المادة المدروسة». كما أن من شأن زيادة دقة النموذج أن توفر أفكاراً ورؤى جديدة عن السلوك الجوهري للسوائل الممغنطة، وتؤدي إلى كثير من التطبيقات الجديدة، بدءاً من المستشعرات والمفاتيح الإلكترونية، حتى المرايا المعدّلة للشكل بالتلسكوبات المتقدمة.