فرنسا: إطلاق نار على كاهن بعد 3 أيام من هجوم كنيسة نيس

المحققون لا يستبعدون فرضية أن تكون عملية التونسي العيساوي «مدبرة في الخارج»

الشرطة وقوات الأمن في موقع إطلاق النار في مدينة ليون أمس (إ.ب.أ)
الشرطة وقوات الأمن في موقع إطلاق النار في مدينة ليون أمس (إ.ب.أ)
TT

فرنسا: إطلاق نار على كاهن بعد 3 أيام من هجوم كنيسة نيس

الشرطة وقوات الأمن في موقع إطلاق النار في مدينة ليون أمس (إ.ب.أ)
الشرطة وقوات الأمن في موقع إطلاق النار في مدينة ليون أمس (إ.ب.أ)

بعد أيام على العملية الإرهابية التي نفذها التونسي إبراهيم العيساوي في كاتدرائية مدينة نيس الساحلية المتوسطية، شهدت فرنسا، أمس (السبت)، حادثاً جديداً تمثّل بإطلاق النار على كاهن في كنيسة بمدينة ليون، فيما استمر الجدل في خصوص الرسوم المسيئة للمسلمين.
وقال مصدر في الشرطة الفرنسية وشهود إن قساً من الروم الأرثوذكس أصيب في إطلاق نار بمدينة ليون، وإن المهاجم لاذ بالفرار. ونقلت «رويترز» عن المصدر في الشرطة أن القس تعرض لإطلاق النار مرتين قرابة الرابعة بعد الظهر بينما كان يغلق الكنيسة ويتلقى العلاج في الموقع من إصابات تهدد حياته. وقال شهود إن الكنيسة تابعة للروم الأرثوذكس، فيما قال مصدر آخر في الشرطة إن القس يوناني الجنسية، وتمكن من إبلاغ خدمات الطوارئ عند وصولها بأنه لم يتعرف على المعتدي.
وجاء الحادث بعد 3 أيام من قيام الشاب التونسي العيساوي، وهو يردد «الله أكبر»، بقطع رأس امرأة وبقتل شخصين آخرين في كنيسة في نيس.
في غضون ذلك، واصل المحققون أمس جهودهم لجلاء مناطق الظل المحيطة بحادثة نيس. وبانتظار أن تتحسن حالة الجاني الذي قتل ثلاثة أشخاص بسلاح أبيض داخل الكنيسة وأصيب بـ14 رصاصة أطلقها عليه رجال الشرطة المحلية في نيس، فإن الأجهزة الأمنية تعوّل على التحقيق الذي تجريه مع ثلاثة أشخاص لم تكشف هوياتهم وكانوا على اتصال مع العيساوي وآخرهم ألقي القبض عليه ليل أول من أمس. ولم تصدر عن المحققين أي معلومات عما حصلوا عليه من هؤلاء الأشخاص وبينهم اثنان شوهدا وهما يتحدثان مع الجاني في مكان عام، وفق ما سجلته كاميرات المراقبة المنشورة في المدينة الساحلية على نطاق واسع. أما الشخص الثالث فقد ألقي القبض عليه بسبب تواجده في منزل أحد الشخصين الأولين لحظة دهمه.
وثمة قناعة لدى المحققين أن العيساوي لم يرتجل عمليته الإرهابية التي أحدثت صدمة عميقة في فرنسا. فمن جهة، سجلت كاميرات المراقبة وجوده في محطة القطارات في مدينة نيس التي تبعد حوالي 400 متر عن موقع الكنيسة حيث قام هناك بتبديل حذائه وقلب سترته كما أنه أجرى عدة اتصالات هاتفية ولم يغادر المكان إلا في الثامنة والنصف أي قبل نصف ساعة من وصوله إلى الكنيسة. فضلاً عن ذلك، فإن كاميرات المراقبة المنصوبة قرب الكنيسة سجلت تجواله حولها في اليوم السابق وذلك، على ما يبدو، للتعرف إلى المكان الذي وصله حاملاً حقيبة الظهر وداخلها سكينان، غير السكين التي استخدمها في هجومه، إضافة إلى قرآن كريم وهاتفين جوالين وشهادة صادرة عن جهاز الهجرة الإيطالية تحمل اسمه وصورته. ويحاول المحققون تحليل بيانات الهاتفين للتعرف على الأشخاص الذين كان على تواصل معهم.
والثابت لدى المحققين أن العيساوي وصل إلى نيس قبل يوم أو يومين من العملية، ولا يعرف أين بات ليلته أو ليلتيه خصوصاً أنه لم يتبين حتى الآن ما إذا كانت له علاقات عائلية في المدينة التي تسكنها جالية مغاربية كبيرة. وتجدر الإشارة إلى أن تونسياً آخر ارتكب صيف عام 2016 عملية إرهابية كبرى في المدينة نفسها حيث قتل دهساً بشاحنة 86 شخصاً وأصاب المئات بجروح. ولذا، فإن المحققين أخذوا يميلون إلى أن الجاني جاء إلى فرنسا وإلى نيس لأنها المدينة الأقرب من الحدود الإيطالية التي لا تبعد عنها إلا ثلاثين كلم خصيصاً من أجل ارتكاب عمليته الإرهابية. ولذا فالسؤال الذي يجهد المحققون الإجابة عليه هو: هل العيساوي على اتصال بتنظيم متطرف أو عضو فيه وما هي هوية هذا التنظيم وأين هو ناشط، علما بأن تونس أوقفت شخصين يُشتبه في علاقتهما ببيان يتبنى اعتداء نيس باسم جماعة غير معروفة تدعى «أنصار المهدي».
ولم يظهر أثر للجاني لدى عبوره الحدود ودخوله إلى الأراضي الفرنسية، ولذا فإنه يمكن أن يكون قد دخلها عبر معبر غير رسمي. ويسعى عشرات اللاجئين الذين يتواجدون على المقلب الثاني من الحدود في محيط مدينة فانتيميل الإيطالية للتسلل إلى الأراضي الفرنسية عبر الهضاب والوديان الوعرة المحيطة. وهذا الاحتمال يدفع إلى ترجيح وصول الجاني إلى فرنسا لهدف إرهابي.
وحتى أمس، لم يعثر المحققون على أي أدلة تربط العملية بجهة خارجية أو على ما يدل على انتساب الجاني إلى تنظيم متشدد. ويقوم تعاون وثيق بين الأجهزة الأمنة في فرنسا وتونس لجلاء الغموض الذي ما زال يحيط بظروف العملية وتشعباتها. والمعروف أن العيساوي الذي كان يمارس مهنة إصلاح الدراجات النارية وبيع البنزين ومادة الديزل ترك منزله في مدينة صفاقس التونسية في 14 سبتمبر (أيلول) الماضي دون إعلام عائلته التي أفاد أفراد منها بأنه في العامين الأخيرين ظهرت عليه مؤشرات الانطواء ووصل مع مجموعة من المهاجرين غير الرسميين الذين يسمون في بلدان المغرب العربي بـ«الحراقة» «لأنهم يحرقون أوراقهم الثبوتية» إلى جزيرة لامبيدوزا ومنها نقل إلى مدينة باري في 9 أكتوبر (تشرين الأول) حيث صدر قرار بطرده من الأراضي الإيطالية كونه مهاجراً غير شرعي. إلا أن القرار لم ينفذ ما مكن العيساوي من «التبخر» في الطبيعة ولم يظهر أثره مجدداً إلا في مدينة نيس في محيط الكنيسة المستهدفة أولاً ثم في محطة القطارات في اليوم التالي. ونقلت صحيفة «لو باريزيان» في عددها أمس عن مصدر أمني قوله: «هذا الشاب التونسي لم يكن وجوده مصادفة والمرجح أنه قد أرسل إلينا. فقد قام بعمليته سريعاً بعد وصوله وكان على تواصل مع عدة أشخاص وكل ذلك لا يبعث على الطمأنينة والأرجح أن تكون العملية مطلوبة رغم كونها بدائية». ويلفت المصدر إلى صدور تهديدات عن تنظيم «القاعدة» عقب إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم.
إزاء هذا التهديد وبالنظر لما يثيره من قلق لدى الرأي العام، فقد كان على السلطات أن تتحرك. من هنا، قرار الرئيس إيمانويل ماكرون تعزيز ما يسمى عملية «سانتينيل» بضم 7000 عسكري إلى قوى الأمن الداخلي ورفع التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى وتشديد الحراسة على أماكن العبادة والمدارس... بيد أن هذه التدابير لا تبدو كافية لأن مرتكبي العمليات الإرهابية الثلاث الأخيرة جاءوا من الخارج. ثم إن المعارضة ممثلة باليمين الكلاسيكي واليمين المتطرف فتحت النار بكثافة على الحكومة متهمة إياها بعدم الكفاءة والتشدد في محاربة الإرهاب. لذا، فإن وزير الداخلية يريد تسريع ترحيل الأجانب الذين ترى فيهم السلطات الأمنية تهديداً للسلامة العامة ويبلغ عديد هؤلاء 231 شخصاً والإسراع كذلك في مساءلة الجمعيات التي يظن أنها تبث خطاباً حاقداً راديكالياً وقد بدأت بتطبيق ذلك.
لكن هذه التدابير ليست كافية لأنها لا تأتي على المعضلة الرئيسية وهي كيفية التعاطي مع الهجرات غير الشرعية ومنح حق اللجوء وفرض الرقابة على الحدود. وقالت فاليري بيكريس، الوزيرة السابقة ورئيسة منطقة «إيل دو فرانس» التي تضم العاصمة وضواحيها، إن فرنسا «توفر حق اللجوء لأعدائها»، فيما طالب نواب من المعارضة بتغيير بعض فقرات الدستور لتمكين السلطات من التحلل من القيود التي تكبلها لمحاربة الإرهاب والانفصالية الإسلاموية. وفيما خص النقطة الأخيرة، فإن الرئيس ماكرون طلب من وزرائه المعنيين تقديم مقترحات جديدة بحيث تكون الخطة متكاملة. وينتظر أن تعرض على مجلسي الوزراء في ديسمبر (كانون الأول) القادم قبل أن تنقل إلى الجمعية الوطنية.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».