انقسام ليبي حول قدرة «حوار تونس» على التوصل إلى حل توافقي

مخاوف من أن تؤثر أجواء التشكيك في النتائج المرتقبة على سير المفاوضات

TT

انقسام ليبي حول قدرة «حوار تونس» على التوصل إلى حل توافقي

تباينت آراء قطاع واسع من السياسيين الليبيين بشأن «منتدى الحوار السياسي»، المزمع انعقاده في تونس في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، بين من يرى أنه سيكرِّس لتمديد الفترة الانتقالية التي تعيش على أثرها البلاد أزمات متتالية، وآخرين يؤكدون أنه سيخرج بنتائج مُرضية تضع البلاد على طريق الاستقرار.
وقال زياد دغيم، عضو مجلس النواب بطبرق، إن «أجواء التشكيك والضبابية التي تستبق الاجتماع ستؤثر حتماً على التفاوض والنقاش بين المشاركين هناك، وبالتالي فإنه (الاجتماع) سيكون صعباً، ومخرجاته لن ترضي أحداً»؛ مستبعداً إمكانية «تأجيل الاجتماع، أو انطلاقه على نحو سيئ ومشوه، وغير مكتمل الحضور».
وضمَّت قائمة المدعوين للمنتدى التي أعلنت عنها بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، أسماء أثارت خلافات واسعة بين الليبيين؛ حيث اتهم سياسيون ونشطاء البعثة بالانحياز لتيار «الإخوان»، في مقابل «إقصاء شخصيات سياسية أخرى».
وأضاف دغيم، المشارك في المنتدى المرتقب، إن البعثة الأممية «يمكنها إنقاذ الموقف بتقديم طوق نجاة يمهد لعقد هذا الاجتماع بشكل مقبول نسبياً، ولتحظى مخرجاته بفرصة للحوار الموضوعي»، مضيفاً أنه يتوجب عليها أيضاً «تحديد آلية توافقية لكيفية اتخاذ القرارات في المنتدى الحواري، بحيث تعالج الخلل الراهن في التمثيل السياسي بين الأقاليم، وتحديداً (برقة) وطرابلس».
وأضاف دغيم موضحاً أن القائمة «قد تكون متوازنة من الجانب الاجتماعي؛ لأنها تضم إلى حد ما مكونات ثقافية وقبائلية؛ لكن في جانبها السياسي تميل فعلياً لتيار بعينه، (في إِشارة إلى المنتمين لتيار «الإخوان»)، وذلك رغم معرفة الجميع بما تشهده ليبيا من استقطاب سياسي وجهوي، بين شرق يعادي تيار الإسلام السياسي)، وغرب إسلامي الهوى والأطروحات، وبالتالي فإن عدم التكافؤ والتوازن في القائمة سيلقي بظلاله الكثيفة على أجواء النقاشات بالاجتماع في تونس».
وعزا مراقبون جانباً من تعكر الأجواء مرة ثانية بين معسكري شرق وغرب ليبيا، إلى الخطوات الأخيرة التي اتُّخذت من قبل حكومة «الوفاق» بعقدها اتفاقاً للتعاون الأمني مع قطر، فضلاً عن إصرار رئيس المجلس الأعلى، خالد المشري، على أن «اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بجنيف لا يتضمن (الحليف التركي)»، مشدداً على أن الاتفاقيات الأمنية والتجارية التي وقعت بين أنقرة وحكومة الوفاق «لا يمكن المساس بها»، وهو الأمر الذي رفضه أعضاء مجلس النواب في طبرق، وعدُّوه خرقاً لاتفاق اللجنة العسكرية المشتركة.
وحذر دغيم من أن الاختيارات التي ستكون مطروحة أمام ليبيا من قبل المجتمع الدولي «لن تكون جيدة إذا فشل لقاء تونس»، وقال إن هذا الاجتماع المرتقب «يعد الفرصة الأخيرة للحوار السياسي بين الأفرقاء، فإذا فشل وثبت للجميع انسداد سياسي وعدم قدرة المجتمعين على الحوار، فقد يقدم البعض على قرارات خطيرة، تتعلق بوحدة التراب الليبي... والعالم سيبدل رأيه ويتجه للتقسيم، بدلاً من الحوار السياسي الذي يتكرر فشله».
في سياق ذلك، رأى سياسيون ليبيون أن الأزمة تحتاج من الساسة «تقديم تنازلات بهدف التوصل إلى صيغة توافقية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الربيع المقبل»؛ لكن هناك من يتخوف من «التدخلات الخارجية»، التي يرون أنها قادرة على إفساد المشهد السياسي، وتفجيره في «لحظات محددة».
في المقابل، أبدى عضو المجلس الأعلى للدولة، عبد القادر أحويلي، تفاؤلاً بمستقبل الحوار، وقلل من التجاذبات والخلافات التي اكتنفت اجتماع تونس، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كل ما حدث من خلافات حول قائمة المشاركين لن يؤثر بإذن الله على مسار الملتقى، فالجميع، وخصوصاً ممثلي مجلس النواب و(الأعلى للدولة) على درجة كبيرة من التوافق فيما يتعلق بآليات الحل المقترحة بمسارات الأزمة الليبية».
لكن رغم هذا التفاؤل، فقد رفض عدد من المدعوين المشاركة في ملتقى تونس؛ حيث أعلنت جازية شعيتير، أستاذة القانون بجامعة بنغازي، اعتذارها عن عدم المشاركة، كما أعلن رئيس لجنة المصالحة بالمجلس الأعلى لقبائل ليبيا، زيدان معتوق الزادمة، انسحابه من الاجتماع أيضاً، وأرجع ذلك «لتصدر (الإخوان المسلمين) قائمة المشاركين».
وشبه أحويلي الوضع الراهن «بما عرفته أولى جولات التفاوض بين مجلسي الدولة والنواب في المغرب؛ حيث طاله كثير من الانتقادات والاتهامات، ورغم ذلك اكتمل التفاوض في المسار السياسي وتقاسم المناصب السيادية، وبعدها عُقد بمدينة الغردقة المصرية اجتماع عسكري في إطار اللجنة العسكرية المشتركة، ثم عُقد اجتماع آخر بالعاصمة المصرية ناقش المسار الدستوري».
كما لمح أحويلي إلى احتمال عقد اجتماعات تمهيدية في عدة دول، منها المغرب، وبالداخل الليبي أيضاً، بين المشاركين في اجتماع تونس خلال الفترة التي تسبق انطلاق ملتقى الحوار الليبي بتونس «بهدف تسهيل إقرار المخرجات وعدم إضاعة الوقت».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.