تسير الأوضاع الراهنة على الصعيد الجيوسياسي بين واشنطن ونيودلهي على منوالها المعتاد، والتي تقوم على كبح جماح النفوذ الصيني، الذي يشكل تهديدا لمصالح البلدين. جولة اثنين من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر في بلدان جنوب وجنوب شرقي آسيا قبل أسبوع على انطلاق السباق الرئاسي في البلاد يعكس مدى جدية إدارة الرئيس ترمب في تعزيز العلاقات الدفاعية والأمنية بين واشنطن ودول المنطقة، خصوصا الهند، عدو الصين اللدود. وحث بومبيو مرارا دول جنوب شرقي آسيا على التصدي للصين ولنفوذها. جولته شملت الهند وسريلانكا وجزر المالديف وإندونيسيا. وبعد اختتام زيارة المسؤولين الأميركيين الكبيرين إلى الهند، نقلا حملة الإدارة الأميركية المناهضة للهيمنة الصينية إلى دولتين جزيرتين في المحيط الهندي، وهما سريلانكا وجزر المالديف، فضلا عن إندونيسيا. وكانت الهند المحطة الأولى في الجولة حيث تنعقد جولة المحادثات الثالثة (2+2) لوزراء الخارجية والدفاع. وفي تحد مفتوح ضد بكين، عطف رجال الرئيس ترمب بذكر الصين على الأراضي الهندية في لفتة سياسية مقصودة، مع قيامهما بزيارة المتحف الحربي الهندي، فضلا عن إشادتهما بالجنود الهنود الذين سقطوا في النزاع الحدودي الذي اندلع في «غالوان» بين القوات الهندية وجيش التحرير الشعبي الصيني على الحدود المشتركة بين البلدين. وأشار الخبير الاستراتيجي الهندي العقيد أنيل بهات إلى أن قيام وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيين بزيارة النصب التذكاري الحربي الهندي هو من اللفتات ذات الأهمية الكبيرة، لا سيما من حيث الإعراب عن موقفهما الواضح والمحدد من الصين، واحترام الجنود الهنود الذين لقوا حتفهم دفاعا عن بلادهم في وادي غالوان الحدودي.
تعزيز التعاون العسكري
أقدمت الهند والولايات المتحدة الأميركية على تعزيز وتوسيع مجال العلاقات العسكرية الثنائية المشتركة من خلال التوقيع على «اتفاقية التبادل والتعاون الأساسية» التي طال انتظارها. ومن شأن «اتفاقية التبادل والتعاون الأساسية» أن تسمح للهند والولايات المتحدة بالوصول إلى مجموعة متنوعة من البيانات الجغرافية المكانية لدى بعضهما البعض، مثالا بالخرائط التفصيلية، والمخططات البحرية، ومخططات الطيران، فضلا عن الصور. ولسوف تتيح مثل هذه البيانات المهمة للصواريخ الهندية بعيدة المدى والطائرات الهندية المسيرة المقدرة على ضرب الأهداف على مسافة آلاف الكيلومترات وبدقة كبيرة للغاية. كما سوف تتمكن الهند بموجب الاتفاقية المذكورة من الوصول إلى «شبكات الملاحة فائقة الدقة عبر الأقمار الصناعية» التي تديرها الولايات المتحدة الأميركية، والتي سوف تشتمل على مشاركة صور الأقمار الصناعية المتطورة، واعتراض المكالمات الهاتفية، وتبادل البيانات حول القوات العسكرية الصينية، ومواقع انتشار الأسلحة على طول الخط الحدودي بين الهند والصين الذي يبلغ طوله حوالي 3488 كيلومترا، والمعروف إعلاميا باسم «خط السيطرة الفعلية».
وكانت الحكومتان الهندية والأميركية قد وقعتا بالفعل على اتفاقيتين أساسيتين، «اتفاقية التفاهم بشأن التبادل اللوجيستي» في عام 2016، و«اتفاقية توافق وتأمين الاتصالات» في عام 2018، وهما تتعلقان بمشاركة الخدمات اللوجيستية العسكرية، وتأمين الاتصالات. ولا توقع الحكومة الأميركية على مثل هذه الاتفاقيات إلا مع الشركاء المقربين فقط.
الشراكة القوية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ
هذا، ولقد وصل المسؤولان الأميركيان الكبيران إلى العاصمة الهندية نيودلهي في غضون أيام من انتهاء اجتماع وزراء خارجية اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، والهند، واليابان، وأستراليا) في العاصمة اليابانية طوكيو، وفي أعقاب الضوء الأخضر الذي تلقته أستراليا من الهند للسماح لها بالعودة إلى تدريبات «مالابار» العسكرية جنبا إلى جنب مع القوات البحرية للبلدان الثلاث الأخرى في اللجنة الرباعية، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2007. وتشتمل منطقة المحيطين الهندي والهادئ على المحيط الهندي، ومنطقة غرب ووسط المحيط الهادئ، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي، الذي شهد سلسلة من الأعمال العدائية الصينية التي كانت مبعث قلق لدى العديد من الدول المعنية بتلك المنطقة. وتزعم الحكومة الصينية المطالبة بالسيطرة شبه الكاملة على بحر الصين الجنوبي، الأمر الذي يجعلها في حالة نزاع مستمرة مع كل من تايوان، والفلبين، وبروناي، وماليزيا، وفيتنام. وقال الصحافي الهندي مانيش تشبار معلقا على الأمر: «كانت الولايات المتحدة حريصة للغاية على تواجد العديد من البلدان إلى جانبها في أثناء محاولتها إعادة ضبط توازن القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ». ولقد مارس وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قدرا من الضغوط على حكومات سريلانكا، وجزر المالديف، وإندونيسيا، من أجل الوقوف في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وكانت التحركات الصينية – التي اشتملت على السيطرة على ميناء «هامبانتوتا» في سريلانكا – محل استياء كبير من جانب الحكومة الهندية في أول الأمر، كما أصبحت واشنطن تشعر بقدر مماثل من الاستياء لتلك التحركات في الآونة الراهنة.
وقال دين تومسون – وهو مسؤول رفيع المستوى لدى وزارة الخارجية الأميركية لشؤون جنوب ووسط آسيا – وفقا لتقرير أذاعته وكالة أسوشييتد برس الإخبارية: «إننا نشجع حكومة سريلانكا على استعراض الخيارات المطروحة بين أيديها والتي تقدمها واشنطن من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية المتسمة بالشفافية والاستدامة على العكس من الممارسات الأخرى التمييزية والغامضة إلى درجة كبيرة».
وكانت حكومة جزر المالديف تشكل قصة مختلفة تماما، حيث تعكس توجهات الحكومة مسارا متباعدا عن الأجواء الصينية منذ وصولها إلى أعتاب السلطة في البلاد منذ عام 2018. ولقد وقع الجانبان مؤخراً اتفاقية دفاعية مشتركة. وفيما يعد استمرارا للمنحنى التصاعدي في العلاقات الثنائية، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن اعتزام الحكومة الأميركية افتتاح سفارة جديدة لها هناك مع تعيين سفير مقيم في البلاد.
تأتي زيارة وزير الخارجية الأميركي الأخيرة إلى إندونيسيا في وقت تخيم عليه غيوم التوتر ما بين بكين وجاكرتا بسبب النزاع الجديد الناشئ حول جزر «ناتونا» الواقعة في بحر الصين الجنوبي. ومن شأن الدور الذي تضطلع به إندونيسيا أن يكون حاسما في الحفاظ على طرق التجارة الدولية خالية من التدخلات الصينية. إذ تسيطر إندونيسيا على أربعة مضائق بحرية مهمة للغاية، وهي: مضيق مالاكا، ومضيق سوندا، ومضيق أومبي، ومضيق لومبوك، تلك التي تمر من خلالها سفن الحاويات، وناقلات النفط، والسفن والغواصات البحرية، ما بين المحيطين الهندي والهادئ.
ويرى المحللون أن توقيت الحوار الوزاري الراهن لا يمكن فصله بحال عن الحملة الانتخابية الرئاسية للرئيس دونالد ترمب.
الردود العكسية الصينية
ردت الحكومة الصينية بصورة حادة للغاية على زيارات المسؤولين الأميركيين الأخيرة إلى المنطقة، واتهمت الولايات المتحدة بمحاولة بث بذور الفتنة بين الصين وبقية بلدان المنطقة، فضلا عن تقويض السلام والاستقرار الإقليميين. وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية في بيان إعلامي حديث من العاصمة بكين أن تحركات مايك بومبيو واتهاماته ضد الصين ليست بالأمر الجديد عليهم. في حين نددت السفارة الصينية في سريلانكا بزيارة بومبيو وإسبر إلى البلاد، ووجهت الاتهامات إلى أحد كبار المساعدين الأميركيين بإطلاق التهديدات غير المقبولة ضد الحكومة الصينية. وفي خضم تلك التعليقات، حض دين تومسون – كبير الدبلوماسيين الأميركيين لشؤون جنوب آسيا – حكومة سريلانكا على اتخاذ القرارات الصعبة والضرورية في آن واحد من أجل تأمين استقلال البلاد الاقتصادي، والسعي لتحقيق الازدهار على المدى الطويل.
واشنطن تعزز علاقاتها الآسيوية في مواجهة النفوذ الصيني قبل أيام من السباق الرئاسي
واشنطن تعزز علاقاتها الآسيوية في مواجهة النفوذ الصيني قبل أيام من السباق الرئاسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة