أجواء إيجابية تدفع نحو تشكيل {حكومة مختلفة}

TT

أجواء إيجابية تدفع نحو تشكيل {حكومة مختلفة}

يقول مصدر سياسي يواكب المشاورات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، والتي تتسم باعترافهما بالإيجابية والتأني، بأن الجميع سيفاجأ في حال استمرت الأجواء الإيجابية ودفعت باتجاه ولادة حكومة لا تشبه سابقاتها، بعد أن يكتشف هؤلاء أن ما تتناقله بعض وسائل الإعلام من تسريبات لن يكون حاضراً في التشكيلة الوزارية؛ خصوصاً لجهة إعادة خلط الأوراق، وتحديداً فيما يخص تطبيق المداورة في توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف، وفي توزيع الحقائب السيادية من جهة أخرى، باستثناء وزارة المالية التي ستكون من حصة الشيعة بصورة استثنائية، ولمرة واحدة.
ويؤكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن التواصل بين عون والحريري لم ينقطع، ويشكل استكمالاً للقاءاتهما الثنائية، ويكشف أن حجز حصة للطوائف الصغرى في توزيع الحقائب السيادية باستثناء وزارة المالية لا يزال مطروحاً، وهو الآن موضع أخذ ورد بينهما. ويلفت إلى إصرار الحريري بالتشاور مع عون على توزيع الحقائب مناصفة على الطوائف، من دون أن ينسحب على القوى السياسية التي تسعى لحجز حصتها في التشكيلة الوزارية، ويرى أن مجرد اعتماد المحاصصة سيدفع المجتمع الدولي إلى التعاطي معها على أنها تحاكي نفسها، ولا تلتفت إلى مخاطبته بتبني الحكومة لخريطة الطريق التي توافق عليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع القوى السياسية في اجتماع قصر الصنوبر.
ويؤكد أن مجرد المجيء بحكومة هي نسخة طبق الأصل من الحكومة المستقيلة برئاسة حسان دياب مع تبدل في الأسماء من رئيسها إلى وزرائها، سيأخذ لبنان حكماً إلى مزيد من الانهيار؛ لأنها ستولد عاجزة عن مخاطبة المجتمع الدولي من ناحية، وعن تمرير رسالة للدول العربية تُبدي فيها رغبتها بتصويب العلاقات اللبنانية- العربية، وصولاً إلى وضع حد للمفاعيل السياسية للاشتباكات التي استهدفتها بسبب عدم التزام لبنان بسياسة النأي بالنفس.
ويضيف المصدر نفسه أن مجرد استنساخ حكومة مثل الحكومة السابقة سيُفقد لبنان الفرصة الأخيرة للخروج من أزماته، وسيزيد من الحصار العربي والدولي المفروض عليه. ويقول إنه من السابق لأوانه التكهن بما إذا كان تشكيل الحكومة سيتأخر إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ويعزو السبب إلى أنه من غير الجائز الحديث عن ترحيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، ما دام التواصل قائماً بين عون والحريري؛ إلا إذا ارتأى «حزب الله» أن هناك ضرورة للتريث، بذريعة أن فوز جو بايدن على الرئيس الحالي دونالد ترمب سيتيح للحزب التشدد في مطالبه.
ويعتبر أن الحريري ماضٍ في تفاؤله وإن كان بحذر، وهو يعلق الآن أهمية على تشكيل الحكومة قبل الانتخابات الأميركية، وهذا ما يبحثه الآن مع عون. ويؤكد أن الحريري ليس في وارد التفريط في الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان؛ لكن ليس بأي ثمن.
ويرى أن الحريري باقٍ على موقفه بأن تتشكل الحكومة من 18 وزيراً، في مقابل إصرار عون على زيادة العدد لإرضاء النائب طلال أرسلان. ويسأل: ما الجدوى من المجيء بحكومة فضفاضة ما دامت هناك إمكانية لإلغاء بعض الوزارات ودمج بعضها الآخر في وزارات لا غنى عنها. ويكشف أن هناك من يحاول إقناع الحريري بتمثيل أرسلان بوزير، بشرط أن يتقاسمه مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.
كما يسأل عن سبب الإصرار على أن يكون الثلث الضامن في الحكومة من حصة عون وتياره السياسي، بذريعة أن الأخير في حاجة لوجود وزراء يقفون إلى جانبه في مجلس الوزراء. وفي هذا السياق علمت «الشرق الأوسط» بأن مطالبة باسيل من خلال عون بالثلث الضامن أصبحت من الماضي، ولم تعد قابلة للتسويق في ضوء ما أثبتته التجارب الوزارية السابقة التي أظهرت أنها كانت وراء تعطيل مجالس الوزراء، وشل قدرة الحكومات على رفع منسوب الإنتاجية.
كما علمت بأن الميزان الذي يلتزم به الحريري في اختيار الوزراء بالتشاور مع عون، سيكون عاملاً أساسياً لمنع أي فريق من الاستئثار بالثلث المعطل الذي سيحول الحكومة إلى مجموعة من الجزر الأمنية والسياسية، ويُفقدها الانسجام والحد الأدنى من التضامن الحكومي، وهذا يستدعي أولاً ألا يكون ظل باسيل حاضراً في المشاورات لاحتكار التمثيل المسيحي.
ناهيك عن أن الاستقلالية انطلاقاً من تطبيق مبدأ الاستعانة بوزراء اختصاصيين ستنسحب على الوزارات كافة، ومن بينها الداخلية في حال تقرر تمديد عمر «حكومة مهمة» لتستمر حتى نهاية الثلث الأخير من ولاية عون، ويعزو المصدر السبب إلى ضرورة اختيار وزير حيادي لتولي هذه الحقيبة، للإشراف على إجراء الانتخابات النيابية التي ستقرر من سيتربع على سدة الرئاسة الأولى قبل انتهاء ولايته. هذا في حال سمحت الظروف بإنجازها لتفادي التمديد للبرلمان.
وعليه، اقتربت المشاورات بين عون والحريري من نقطة الحسم، فهل تصدق التوقعات وتولد الحكومة قبل الانتخابات الأميركية؟ أم أن ترحيلها سيعزز المخاوف لدى البعض بعودة المشاورات إلى المربع الذي انطلقت منه؟



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.