واشنطن تخلط أوراق «سد النهضة»

حديث ترمب عن «تفجير» مصر للمشروع الإثيوبي حرّك المفاوضات بمعطيات مغايرة

واشنطن تخلط أوراق «سد النهضة»
TT

واشنطن تخلط أوراق «سد النهضة»

واشنطن تخلط أوراق «سد النهضة»

خلطت تصريحات، وُصفت بـ«الحادة»، أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أوراق مفاوضات «سد النهضة» بين مصر وإثيوبيا والسودان، بعد فترة جمود، أظهرت عجز الاتحاد الأفريقي عن تسوية النزاع، الدائر منذ عقد. وجاء حديث ترمب، عن احتمالية «تفجير» مصر للسدّ الإثيوبي، بمثابة مُحرك جديد للمفاوضات، التي استؤنفت بعد ثلاثة أيام فقط، وإن كانت بمعطيات مغايرة. إذ عبرت واشنطن صراحة عن تفهمها للموقف المصري، وإن اختلف المراقبون حول تفسير ذلك الدعم، وما إذا كان «ضوءاً أخضر» لضربة عسكرية مصرية، أم مجرد تهديد لإثيوبيا ودفعها لتوقيع اتفاق، أم «تصريحات انتخابية» لترمب.
وتنظر مصر لـ«سد النهضة» باعتباره «تهديداً وجوديّاً»، حال لم يتوصل إلى اتفاق ينظم عملية ملء وتشغيل السد. وبينما تبرّر إثيوبيا تشييد السد على الرافد الرئيسي لنهر النيل منذ عام 2011، بهدف «توليد الكهرباء»، فإن مصر تخشى من تأثيره على حصتها من المياه، التي تتجاوز 55 مليار متر مكعب سنوياً، وتعتمد عليها في توفير أكثر من 90 في المائة من مياه الري ‏والشرب.
جاء كلام الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حول «سد النهضة» بينما يتحدّث الجمعة قبل الماضي من البيت الأبيض، بعد إعلانه اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولة السودان، التي تخشى أيضاً من استنزاف مواردها المائيّة بسبب السدّ، ووعد السودان بالعمل على «حل ودي». إذ قال خلال اتّصال هاتفي مع الزعيمين السوداني والإسرائيلي أجراهُ أمام صحافيين: «إنّه وضع خطير جدّاً، لأنّ مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة»، مضيفاً: «سينتهي بهم الأمر إلى تفجير السدّ. قُلتها وأقولها بصوت عالٍ وواضح: سيُفجّرون هذا السدّ. وعليهم أن يفعلوا شيئاً».
وردت أديس أبابا على تلويح ترمب بأن مصر قد تعمد إلى «تفجير» السد، برفضها «الرضوخ لأي نوع من الاعتداءات»، واستدعت السفير الأميركي في أديس أبابا لطلب «إيضاحات» حول تصريحات ترمب، فيما دعا الاتحاد الأوروبي إلى «التهدئة». وجاء الرد الرسمي المصري على تصريحات ترمب، متوافقاً مع سياستها المعلنة، التي طالما فضلت استبعاد الحل العسكري للنزاع. وقال اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري، لـ«الشرق الأوسط»، إن تصريحات الرئيس الأميركي «لا تترجم نوايا مصر... وغير مسؤولة عنها»، مشدداً على أن «بلاده مستمرة في مساعيها للوصول إلى اتفاق عادل وملزم، عبر كل الطرق السلمية، وهي متعددة، وهي ترفض استخدام القوة ضد أشقائها الأفارقة».
وفي يونيو (حزيران) الماضي، طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وسائل الإعلام في بلاده، بعدم الحديث عن عمل عسكري ضد إثيوبيا، مؤكداً أن مصر تخوض «معركة تفاوضية ستطول».
غضب أميركي
رغم المفاجأة التي أحدثتها تصريحات ترمب، بسبب حدتها، فإنها جاءت في سياق غضب أميركي بدا واضحاً، تصاعد على مدار الأشهر الأخيرة، رفضاً للتعامل الإثيوبي مع القضية، التي يبدو أن إدارة ترمب توليها أهمية كبيرة، ظهر بعد انسحاب إثيوبيا من توقيع اتفاق رعته وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي، في فبرير (شباط) الماضي. وفي وقت سابق من هذا العام، أقدمت واشنطن على تعليق مساعدات بملايين الدولارات لإثيوبيا؛ بعد قرار أديس أبابا الأحادي ملء خزان السدّ في يوليو (تموز) الماضي، رغم «عدم إحراز تقدّم» في المفاوضات مع مصر والسودان، ما أثار غضب الإثيوبيين الذين اتّهموا الولايات المتحدة بالانحياز لمصر. وفي حين تعوّل مصر على دور قوي للولايات المتحدة في الضغط على إثيوبيا لتوقيع الاتفاق، لام الرئيس الأميركي مصر تجاهل تشييد إثيوبيا للسد منذ البداية، لكنه عزا ذلك إلى الاضطرابات التي شهدتها مصر عام 2011. وقال ترمب: «كان ينبغي عليهم إيقافه قبل وقتٍ طويل من بدايته».
دلالات الموقف الأميركي
في أي حال، لا يخلو الموقف الأميركي من دلالات مهمَّة وستؤثِّر يقيناً على مسار الحلّ التفاوضيّ للأزمة، كما يشير الدكتور حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذي أكد أن إثيوبيا ستتمسك أكثر بفرض سياسة الهيمنة المائية، كون تصريحات ترمب سوف تساعد القيادة الإثيوبية من أجل تحويل أنظار الداخل الإثيوبي المنقسم صَوْب خطر خارجي متوهَّم. ورغم أن مصر لم تُعلن بشكل رسميّ قط تبنّيها الخيار العسكري في تسوية النزاع، وأنها متمسِّكَة بالدفاع عن حقوقها المائية من خلال طاولة المفاوضات، فإنَّ إثيوبيا ما فتئت تَستخدم لغة القوة في الدفاع عن سدّها المائي الذي تَعتبره رمزاً لكرامتها الوطنية. وهي تارةً تجعله منطقة يُحْظَر الطيران فوقها، وتارةً تجعله مسرحاً لزيارات العسكريين وكبار القادة الذين يعلنون استعدادهم للدفاع عن السدّ.
من جهة ثانية، رفض بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي تصريحات ترمب، واعتبر أن «التهديدات والإساءات للسيادة الإثيوبية عمياء وغير مثمرة، وتشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي». و«لن تخضع إثيوبيا لاعتداءات من أيّ نوع مقابل الاعتراف بحقٍّ قررته معاهدات استعمارية».
ومن اللافت للاهتمام أن النسخة المنفصلة من البيان الصادر باللغة الأمهرية استخدمت لغةً أكثر قوةً وحزماً؛ حيث ورد بها ما نصه: «هناك حقيقتان يعرفهما العالم؛ الأولى أنه لم يوجد مَن استطاع العيش بسلامٍ بعد استفزاز إثيوبيا. والثانية هي أنه إذا وقف الإثيوبيون صفّاً واحداً لغرض واحد؛ فهم منتصرون لا محالة». واستدعى وزير الخارجية الإثيوبي السفير الأميركي في أديس أبابا، وطالب بتوضيحات حول تصريحات الرئيس ترمب. وقال جيدو أندارجاتشو: إنه أبلغ السفير مايك راينور أن التصريح الذي أدلى به ترمب كان بمثابة تحريض على الحرب بين إثيوبيا ومصر، ولا يعكس شراكة إثيوبيا مع الولايات المتحدة، وأنه غير مقبول بموجب القانون الدولي.
في المقابل، فإن تصريحات ترمب، وفقا للخبير المصري، تمنح مصر أفضلية في الترويج لروايتها التي تؤكد حقوقها المائية، وأن مسألة الأمن المائي المصري تُمثّل خطراً وجوديّاً تنبغي مواجهته بكل الوسائل الممكنة. فقد بات العالم يدرك اليوم خطأ النظرة الأحادية التي روَّجت لها إثيوبيا بخصوص شعورها بالمظلومية التاريخية، ورغبتها في استخدام السدّ لتحقيق التنمية. فبعد تصريحات ترمب وإشارته إلى حلّ تفاوضيّ رفضته إثيوبيا؛ فإن العالم بات يدرك أن لقضية السدّ وُجُوهاً أخرى غير تلك التي تدَّعِيها إثيوبيا، وأن للمصريين حقوقاً مشروعة لا يمكن تجاهلها.
أيضاً، جاءت تصريحات ترمب بمثابة «تحذير قوي» و«رسالة عنيفة» إلى إثيوبيا أكثر من كونها إعلاناً عن عمل عسكري مصري، وفق الخبير بمركز «الأهرام» الدكتور هاني رسلان، الذي أشار إلى أن «حديث ترمب كان في سياق ضرورة التوصل إلى حل تفاوضي»، رغم أنه «أعطى تلميحاً إلى أن الإدارة الأميركية لن تمانع عملاً عسكرياً، أو أنها لا تستبعد وقوعه حال استمرار الموقف الإثيوبي الرافض لأي اتفاق».
كما أبدى رسلان استياءه من تأخر الموقف الأميركي، رغم قوته، مشيراً إلى أنه «لو أظهرت إدارة الرئيس ترمب هذا الموقف القوي منذ عدة أشهر، لتغير الموقف إلى حد كبير، وربما قد تم الوصول إلى اتفاق»، رابطاً تصريحات ترمب بالانتخابات الأميركية، «الأمر الذي يقلل من قدرتها على إحداث تغيير فعلي على الأرض». أما وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام، فاعتبر تصريحات ترمب بمثابة «ضوء أخضر لمصر لضرب سد النهضة». وقال علام عبر صفحته على «فيسبوك»، إن موقف ترمب «شهادة أميركية توضح موقف القيادة المصرية من السد، وعدم قبولها للمطالب الإثيوبية واستعدادها للتدخل العسكري للحفاظ على أمننا المائي».
ملمح آخر عبرت عنه تصريحات ترمب، وهو فشل الجهود الإثيوبية في التأثير على صانع القرار الأميركي بشأن «سد النهضة»، كما نوه الدكتور حمدي في دراسته بـ«قراءات أفريقية»، مشيراً إلى أن إثيوبيا حاولت بشتَّى السبل تأسيس جماعة ضغط داخل الولايات المتحدة؛ للترويج لموقفها من سدّ النهضة. ولم تقتصر جهود رئيس الوزراء الإثيوبي في استمالة الموقف الأميركي لصالحه على شركات العلاقات العامة ‏والمحاماة مدفوعة الأجر، لكن على جهود الأميركيين من أصل إثيوبي. ففي 23 يونيو (حزيران) 2020، ‏أصدرت الكتلة ‏السوداء (من أصل أفريقي) أو {البلاك كوكاس} في الكونغرس بياناً أشادت فيه بالسد الإثيوبي؛ باعتبار «أن له ‏تأثيراً إيجابيّاً في المنطقة».
مفاوضات متعجلة
جدير بالذكر أنه جُمدت المفاوضات الثلاثية، التي تجري برعاية الاتحاد الأفريقي، نهاية أغسطس (آب) الماضي، بعد خلافات فنية وقانونية، إذ تطالب مصر والسودان باتفاق قانوني ملزم يشمل النص على قواعد أمان السد، وملئه في أوقات الجفاف، ونظام التشغيل، وآلية فض النزاعات. لكن تصريحات ترمب جاءت لتحدث دفعة قوية للمفاوضات، على الصعيد التنظيمي على الأقل وليس التوافق، خصوصاً بعدما دخل الاتحاد الأوروبي على خط النزاع. فقد دعا المفوض الأعلى للشؤون الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في بيان مصر والسودان وإثيوبيا، إلى «بلوغ اتفاق بشأن ملء السد»، مؤكداً أن «الآن هو وقت للتصرف وليس لزيادة التوترات». وأعرب المفوض عن الدعم الأوروبي الكامل لجهود جمهورية جنوب أفريقيا، التي تترأس حالياً الاتحاد الأفريقي، لدفع الأطراف إلى حل تفاوضي، مضيفاً أن الاتحاد الأوروبي يتطلع إلى استئناف المحادثات في أسرع وقت.
وبالفعل، وجه الاتحاد الأفريقي دعوة وزراء الخارجية والمياه في السودان ومصر وإثيوبيا، (الثلاثاء الماضي)، بمشاركة عدد من الخبراء الأفارقة ومراقبين دوليين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى اجتماع، لمناقشة ترتيبات مفاوضات «سد النهضة». وإثر الاجتماع، قرر مفاوضو مصر وإثيوبيا والسودان، العمل خلال أسبوع، على إعداد «مسودة مجمعة» لمقترحات اتفاق ينظم قواعد ملء وتشغيل «سد النهضة»، لكنها خطوة شكك مراقبون في جدواها، نظراً لكثرة الخلافات الفنية والقانونية، فضلاً عن فشل محاولة مماثلة سابقاً.
وهنا يقول هاني رسلان: «تقررت العودة لمناقشة ما سبق الفشل فيه قبل شهرين مع تخصيص أسبوع لاستكشاف أسلوب أمثل للتفاوض». ويشير رسلان إلى فشل إعداد نسخة أولية مجمعة لعرضها على هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي، نهاية أغسطس (آب) الماضي، بسبب الخلافات بين الدول الثلاث حول كثير من النقاط القانونية والفنية، الأمر الذي أدى إلى توقف المفاوضات. واعتبر الخبير المصري العودة إلى مدة أسبوع، لمناقشة فكرة توحيد المقترحات التي فشل الأطراف في الاتفاق عليها سابقاً، بمثابة «حركة دائرية في المكان نفسه»، مستمرة منذ 10 سنوات.
أما محمد نصر الدين علام فاقترح لحلحلة الخلافات «تشكيل وفد من الاتحاد الأفريقي ومراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، للوساطة بين الدول الثلاث للوصول إلى أجندة متفق عليها وإطار زمني للتفاوض، لوقف إهدار الوقت». وأضاف علام لـ«الشرق الأوسط»: «حال فشل الوفد المشترك في التوصل مع الدول الثلاث إلى أجندة متفق عليها، يقوم بإعداد تقرير عن أسباب الفشل ورفعه إلى رئاسة الاتحاد الأفريقي ثم إلى مجلس الأمن الدولي».
يذكر أنه في الأيام الماضية، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس المجلس السيادي في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان، خلال لقائهما في القاهرة، تمسكهما بضرورة التوصل إلى «اتفاق قانوني ملزم» حول «سد النهضة» الإثيوبي. وأكد الزعيمان المصري والسوداني «الأهمية القصوى» لقضية المياه بالنسبة للشعبين المصري والسوداني بصفتها «مسألة أمن قومي».
تباين مصري ـ إثيوبي
تتهم القاهرة أديس أبابا بـ«محاولة فرض الأمر الواقع»، و«السيطرة على النيل الأزرق وليس توليد الطاقة»، وهو ما لا يمكن في ظلها نجاح المفاوضات، كما يشير المستشار القانوني لوزارة الخارجية المصرية الدكتور محمد هلال، الذي يرجع فشل المفاوضات إلى «الاختلاف الجوهري على الهدف منها». ويوضح هلال في تصريحات سابقة أن مصر تسعى للتوصل إلى اتفاق مبنيّ على مقايضة بسيطة ومفيدة للطرفين؛ وهي أن إثيوبيا يجب أن توفر الطاقة الكهرومائية من السد من دون الإضرار بمجتمعات دول المصب في مصر والسودان، في المقابل، فإن إثيوبيا تستغل المفاوضات كي تؤكد سيطرتها على النيل الأزرق، وإعادة تشكيل التضاريس السياسية في حوض النيل.
وتابع أن سبب «التعنت الإثيوبي» هو أن سد النهضة بالنسبة لإثيوبيا له «قيمة أكبر بكثير من قيمته الاقتصادية»، حيث تعدّه أديس أبابا «أداة سياسية للسيطرة غير المقيدة على النيل الأزرق، ولإجبار مصر والسودان على تقسيم مياه النيل الأزرق وفقاً لشروطها».
ودعا هلال دولة جنوب أفريقيا (رئيسة الاتحاد الأفريقي)، الراعي الحالي للمفاوضات، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، للضغط على إثيوبيا للتوصل إلى اتفاقية حول ملء السد وتشغيله.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».