نيكول باشينيان يواجه الامتحان الأصعب في قره باغ

الصحافي الأرميني المتمرد... من السجن إلى رئاسة الوزراء

نيكول باشينيان يواجه الامتحان الأصعب في قره باغ
TT

نيكول باشينيان يواجه الامتحان الأصعب في قره باغ

نيكول باشينيان يواجه الامتحان الأصعب في قره باغ

آخر ما كان يريده نيكول باشينيان، رئيس وزراء أرمينيا، حرباً جديدة في جنوب القوقاز تضعه أمام خيارات صعبة ومعقدة، وتعرقل مسيرة إنجازات مهمة تم تسجيلها خلال سنتين أمضاهما في السلطة، ونجح خلالهما في إطلاق عمليات إصلاحات شاملة في الجمهورية السوفياتية السابقة. ولكن، يبدو الامتحان عسيرا، ليس فقط على المستوى الداخلي، فالصحافي الشاب الذي واظب التمرد على الظروف المحيطة به، لم يكن قد تمرس في عالم السياسة العليا، عندما برز نجمه بقوة قبل سنتين، خلال احتجاجات واسعة ضد الفساد، وغدا رمزاً شعبياً للتغيير، ما قاده إلى مقعد رئاسة الوزراء وهو الذي كان حلمه أن يغدو نائباً في البرلمان.
لقد وجد باشينيان نفسه في منصبه الجديد، مضطراً للتراجع عن الكثير من الأفكار «الثورية» وتخفيف حدة اندفاعه، فسعى إلى كسب ود روسيا التي نظرت إليه بكثير من الريبة. وعمد في الوقت ذاته إلى انتهاج سياسة الانفتاح على الغرب وتنويع الخيارات، آملا في دعم واسع لمشاريعه الإصلاحية. وكاد أن يثبت مسار سياسته وينجح في إقامة هذا التوازن الصعب، لولا الحرب التي باغتته، ووضعته أمام خيارات، أحلاها مر.
لم يكن نيكول باشينيان، الذي ولد في العام 1975 في مدينة إجيفان القريبة من الحدود مع جمهورية أذربيجان، قد أكمل تعليمه المدرسي عندما انخرط في تنفيذ إضرابات مدرسية ومسيرات ومظاهرات، بعد اندلاع المواجهات في إقليم ناغورني قره باغ (قره باغ العليا) في العام 1988. ولقد طبعت تلك الفترة مراحل تطوره لاحقا، فظلت صفة التمرد والانخراط في النشاطات الاحتجاجية تلازمه لسنوات طويلة.
ثم عام 1991. بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، التحق باشينيان بقسم الصحافة في الكلية اللغوية بجامعة يريفان الحكومية في مدينة يريفان عاصمة أرمينيا. إلا أنه ورغم أن درجاته الدراسية كانت ممتازة... طُرد من الجامعة بعد أربع سنوات بسبب انتقاده آليات عمل إدارة الجامعة وانخراطه بتنظيم فعاليات وصفت بأنها تخريبية. وبالتوازي مع دراسته عمل في الأنشطة الصحافية. وبين العامين 1993 و1997 تنقل بين عدد من الصحف المهمة في يريفان قبل أن يؤسس في العام 1998 صحيفة «أوراجير»، التي غدا رئيسا لتحريرها. وفي العام ذاته، ولج إلى عالم السياسة ضمن فريق لتنسيق حملة المرشح الرئاسي آنذاك، أشوت بليان.
كان عنوان الحملة يومذاك مكافحة الفساد، وبدلا من النجاح فيها والتمهيد للانخراط في السياسة، وجد باشينيان نفسه في العام اللاحق في السجن. وفي العام 1999، بدأت محاكمة باشينيان، الذي اتُهمت جريدته بنشر مواد تشهير ضد شخصيات برلمانية وأكاديمية اتهمها بالفساد. وكانت النتيجة تغريم صحيفة «أوراجير» بـ25 ألف دولار أميركي ثم إغلاقها لاحقا. كذلك، وجدت المحكمة نيكول باشينيان مذنباً بثلاث اتهامات وجهت إليه، هي الإهمال وإهانة مسؤول حكومي أثناء أداء واجباته الرسمية ورفض الامتثال لحكم المحكمة الابتدائية. وهكذا أمضى عامه الأول في السجن الذي سيعود إليه أكثر من مرة.

الصحافي الناشط الغاضب
بعد خروج باشينيان من السجن في العام التالي، واصل الصحافي الغاضب نشاطه، ليشغل منصب رئيس تحرير صحيفة واسعة الانتشار في يريفان، وظل في هذا المنصب حتى العام 2008. لكن تلك الفترة أيضاً لم تخلُ من مشاكل، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2004. انفجرت سيارة باشينيان في وسط يريفان وكانت متوقفة على مقربة من المبنى الذي يقع فيه مكتب تحرير صحيفة «أرمينيان تايم».
لم يكن هناك أحد في السيارة في تلك اللحظة. واعتبر الصحافي الحادث محاولة لاغتياله، اتهم رجل الأعمال جاجيك تساروكيان بتدبير محاولة قتله. وفقًا لباشينيان، كان تساروكيان غير راضٍ عن سلسلة تحقيقات صحافية أظهرت أنه قام بتخريب منتجع وقطع الأشجار فيه من أجل بناء فيلا. ولقد نفى تساروكيان تورطه في الحادث، ولم تظهر نتائج التحقيقات في «محاولة الاغتيال» أبداً.
سار الصحافي المثير للجدل أولى خطواته في عالم السياسة خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2007. وبالفعل، احتل باشينيان المرتبة الأولى على قائمة كتلة «الإقالة» التي انحصر برنامجها الانتخابي في الدعوة لإطاحة الرئيس روبرت كوتشاريان ورئيس الوزراء سيرج سركسيان. غير أن هذه الكتلة احتلت المركز الثاني عشر في ترتيب الكتل المتنافسة... ولم تحصد، بالتالي، سوى أكثر بقليل من واحد في المائة من أصوات الناخبين. ودفعت النتائج إلى تنظيم احتجاجات جديدة تطالب بإعادة العملية الانتخابية.
وفي العام التالي، واصل باشينيان نشاطه المعارض عضواً في مقر الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي ليفون تير بتروسيان. ومع خسارة المرشح وبعد تجدد أعمال الشغب في ربيع العام، بات اسم باشينيان مدرجا على قائمة المطلوبين في يريفان. ولذا اضطر إلى الاختفاء عن الأنظار لمدة سنة كاملة، قام بعدها بتسليم نفسه إلى السلطات. وفي بداية العام 2010. حُكم عليه بالسجن 7 سنوات بتهمة تنظيم أعمال شغب جماعية. وفي وقت لاحق، خفضت المحكمة المدة إلى النصف، وفي مايو (أيار) 2011 أطلق سراحه بموجب عفو بمناسبة الذكرى العشرين لاستقلال أرمينيا.

نائب في البرلمان الأرميني
لم يكد باشينيان يغادر سجنه حتى استأنف نشاطه السياسي. وفي العام 2012 حقق أول اختراق جدي، عبر انتخابه نائبا في الجمعية الوطنية (البرلمان) لأرمينيا بفضل نظام الانتخاب النسبي. وهكذا، غدا واحداً من أبرز أعضاء كتلة «المؤتمر الوطني الأرمني» النيابية، وعضواً في اللجان البرلمانية الدائمة للعلاقات الخارجية وقضايا الإدارة الإقليمية والحكم الذاتي المحلي.
أيضاً، ترأس باشينيان فترة لجنة الأخلاقيات المؤقتة. إلا أن طبيعته المتمردة قادت إلى خلافات جدية داخل الكتلة التي سعت إلى إعلان نفسها حزباً سياسيا يحمل الاسم نفسه «المؤتمر الوطني الأرمني». إذ رفض باشينيان الانضمام إلى التنظيم الجديد بسبب خلافات مع قيادة الحزب، ليتضح فيما بعد أن سبب الخلاف الأساسي حقيقة أن الحزب الجديد قرر عدم تسمية مرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وهو أمر اعترض عليه باشينيان بقوة.
ولكن رغم مغادرته الحزب بقي نائباً في البرلمان، حتى شارك عام 2015 في تأسيس حزب «العقد المدني»، الذي خاض بعد سنتين انتخابات نيابية ضمن إطار تحالف واسع حمل باشينيان مرة أخرى إلى عضوية البرلمان. لكن السياسي والصحافي الطموح لم يكتف بذلك، بل خاض في سبتمبر (أيلول) من عام 2017. المنافسة على منصب عمدة يريفان واحتل المركز الثاني، بنحو 21 في المائة من الأصوات.

نقطة تحول مهمة
أما نقطة التحول الأساسية في حياة باشينيان السياسية، فجاءت يوم 13 أبريل (نيسان) 2018. عندما نظم وقاد احتجاجات واسعة ضد انتخاب سيرج سركسيان. وفي 22 أبريل استقبل سركسيان وفداً من المحتجين يرأسه باشينيان، في محاولة لامتصاص نقمة الشارع. بيد أن المحادثات فشلت، وغادر الرئيس المنتخب حديثًا الاجتماع بعدما قال زعيم المعارضة إنه مستعد لـ«مناقشة استقالة سركسيان فقط». وفي اليوم نفسه أثناء مسيرة في وسط يريفان، اعتقلت الشرطة نيكول باشينيان.
ولكن سجنه هذه المرة لم يدم طويلا، إذ أثار الإعلان عن احتجازه غضباً عارماً في الشارع الأرميني الذي انضم بغالبية واسعة لمطالب مواجهة الفساد وإطاحة النخبة السياسية. وفي اليوم التالي، الذي كان حاسما، اضطرت الأجهزة الأمنية التي حاصر المتظاهرون مقراتها إلى إطلاق سراح باشينيان. وفي اليوم ذاته، استقال سركسيان، معلنا أنه اتخذ القرار بهدف حقن الدماء ومنع انزلاق الموقف نحو تصعيد أوسع. وهنا يقول مقربون منه إنه قال «كان نيكول باشينيان على حق. لقد ارتكبت خطأ. للوضع الحالي عدة حلول، لكنني لن أذهب إلى أي منها. لن أسمح بانفجار حقل الألغام. سأترك منصب رئيس البلاد».
في تلك اللحظة، تحول باشينيان إلى الزعيم الأوحد للمعارضة. وأثارت التطورات قلق القوى الإقليمية بقوة، وخصوصا روسيا التي ربطتها بسركسيان علاقات وثيقة. إذ كانت موسكو تنظر بكثير من الشك، إلى السياسي الشاب الذي برز فجأة من خلال ثورة شعبية، ولا سيما، أن بين أنصاره من رفع شعارات تنادي بإدارة الظهر لروسيا وتقويض التحالفات معها.
لم يحتج باشينيان إلى أكثر من ثلاثة أيام من النقاشات العاصفة في البرلمان لإقرار ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء. غير أنه واجه صعوبات كثيرة فيما بعد. وفي الفترة بين مايو (أيار) وأكتوبر (تشرين الأول) كان عليه خوض معارك كبرى مع البرلمان الذي يضم في غالبيته نواباً يمثلون النخب التي ثار ضدها. وهو ما دفعه إلى تقديم استقالته من رئاسة الوزراء، بهدف حل الجمعية الوطنية وتنظيم انتخابات نيابية مبكرة.
الواقع، أن باشينيان استفاد من نص دستوري يقضي بحل مجلس النواب إذا ما فشل في تعيين رئيس وزراء جديد في غضون أسبوعين بعد تقديم الاستقالة. وبالفعل، هذا ما حصل، إذ قد فشل البرلمان خلال جلستين عاصفتين في ترشيح بديل عنه، ما دفع رئيس أرمينيا أرمين سركسيان لتوقيع مرسوم بشأن حل البرلمان وتحديد موعد انتخابات برلمانية مبكرة في أرمينيا. وفي هذه الانتخابات التي أجريت قبل نهاية العام، اكتسحت كتلة باشينيان البرلمان بحصولها على أكثر من 70 في المائة من الأصوات، ولم يلبث أن عاد رئيس الوزراء ظافرا إلى موقعه في الشهر التالي.

برامج إصلاح داخلية واسعة
كان الفساد أحد الأسباب الرئيسية للثورة في أرمينيا. وعد باشينيان بمحاربة الفساد بكل الوسائل. رغم أنه تمكن من كسر العديد من الاحتكارات التي كانت قائمة لمدة 30 عامًا، إلا أن معظم أصحاب الملايين وممثلي النخب الأوليغارشية مالت للتعاون مع السلطات لحماية مصالحها. وعموما، خلال عامها الأول في السلطة، جعلت حكومة باشينيان الرعاية الصحية مجانية للمواطنين دون سن الـ18. كذلك أطلق برنامجا لعلاج السرطان بالكامل على نفقة الدولة ما أكسبه تعاطفا واسعا في الشارع.
لقد كان الهدف الأول لباشينيان تحسين سمعة بلاده على صعيدي الفساد ومؤشر الديمقراطية. وفي السنة الأولى من حكمه، صنفت مجلة «الإيكونيميست» البريطانية أرمينيا بكونها «بلد العام» لإنجازاتها في مجال بناء الديمقراطية. واتضح أن يريفان حققت أكبر تحسن في أدائها على هذا الصعيد على المستوى الإقليمي. وفي دراسة مماثلة لعام 2019. صعدت أرمينيا 17 نقطة، لتتصدر مؤشرات الإصلاح الديمقراطي في المنطقة وفي الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
وعلى صعيد محاربة الفساد حقق باشينيان نجاحات مماثلة، وفي المنشور السنوي لمؤشر مدركات الفساد لعام 2019، حققت أرمينيا أكبر قفزة بين بلدان رابطة الدول المستقلة والمنطقة لتنتقل من المركز 105 إلى المركز 77. وأيضًا، بعد عام من حكم باشينيان، في تصنيف منظمة حقوق الإنسان الذي يتولى «تصنيف البلدان حسب مستوى حرية الوصول إلى الإنترنت» احتلت أرمينيا المركز الأول في «رابطة الدول المستقلة» ودخلت البلدان العشر الأولى التي تتمتع بأكبر قدر من حرية الإنترنت. وأشار التقرير إلى أن «رئيس الوزراء الإصلاحي نيكول باشينيان بدأ في الحد من القيود المفروضة على المحتوى وانتهاكات حقوق المستخدم».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».