تحذير من «حملات إلكترونية» صينية تستهدف الناخب الأميركي

تحذير من «حملات إلكترونية» صينية تستهدف الناخب الأميركي (أ.ف.ب)
تحذير من «حملات إلكترونية» صينية تستهدف الناخب الأميركي (أ.ف.ب)
TT

تحذير من «حملات إلكترونية» صينية تستهدف الناخب الأميركي

تحذير من «حملات إلكترونية» صينية تستهدف الناخب الأميركي (أ.ف.ب)
تحذير من «حملات إلكترونية» صينية تستهدف الناخب الأميركي (أ.ف.ب)

لطالما حذرت وكالات الاستخبارات الوطنية الأميركية، والمؤسسات البحثية والمراكز الأمنية من الاختراقات الإلكترونية، والحملات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تستهدف الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومعظم تلك الحملات والتدخلات تأتي من خارج الحدود، تتورط بها أجهزة دول ومؤسسات وأفراد في الوقت الذي يشهد الشارع الأميركي مزيداً من الاحتقان والتشدد في الرؤى والأفكار السياسية.
ورغم المواجهة الأميركية الحكومية لتلك الحملات والتدخلات الخارجية في الفضاء الإلكتروني، فإن الجهود الدفاعية لا تزال تواجه سيلاً من هذه الحملات التي تقودها حسابات وهمية، غالبها قادم من دول مثل روسيا، والصين، وكذلك إيران، وتستخدم معرفّات ومواقع مختلفة، تتبع في أسلوبها الحماسة والتأجيج للتأثير على الرأي العام الأميركي في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
وكشف تحقيق استقصائي لمجلة «نيوزويك» الأميركية عن 5000 حالة تجسس نشطة في الولايات المتحدة، يرتبط نصفها تقريباً بمراكز ومؤسسات صينية، متهماً تلك المراكز والمؤسسات بالتواطؤ مع الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، وذلك عبر برنامج ممنهج يتماشى بشكل عام مع الهدف السياسي لجمهورية الصين الشعبية لتشويه سمعة مكانة الولايات المتحدة، كما ذكر التحقيق.
وأفاد التحقيق الصحافي بأن الحسابات المزيفة هي مجرد مثال واحد على ما يبدو أنه نشاط مكثف من قبل المجموعات المرتبطة بالصين مع اقتراب يوم الانتخابات، فعلى مدار الأسابيع الستة الماضية أبلغت كل من شركتي غوغل ومايكروسوفت عملاقي التقنية الأميركيتين، عن محاولات هجمات إلكترونية مرتبطة ببكين، استهدفت أفراداً عملوا مع حملات جو بايدن ودونالد ترمب.
ومع ذلك، على عكس التدخل الروسي في عام 2016 والذي عمل على تعزيز فرص ترمب في الانتخابات، فإن معظم النشاط النابع من الصين لا يفضل بوضوح أحد المرشحين على الآخر، وبدلاً من ذلك يبدو أنه مصمم كما يقول ويليام إيفانينا للمجلة الأميركية، وهو مدير المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن، «لتشكيل بيئة السياسة في الولايات المتحدة، والضغط على الشخصيات السياسية التي تراها عكس مصالح الصين، وتحريف النقد المضاد».
ويرى عدد من الخبراء في مشاركتهم بالتقرير الصحافي أن النشاط المرتبط بالانتخابات هو مجرد جزء صغير من حملة أكبر وأعمق بكثير من التأثير والتدخل الصيني، والتي كانت تحدث على مدى سنوات عديدة أن هناك عدداً لا يحصى من الطرق الأخرى التي يستخدمها الحزب الشيوعي الصيني والكيانات الأخرى المرتبطة بالحكومة، والتي تعمل من خلال قنوات متعددة في الولايات المتحدة على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات والمستوى المحلي، وذلك لتعزيز الظروف والاتصالات التي من شأنها تعزيز مصالح وطموحات بكين السياسية والاقتصادية.
وأضاف التقرير «استطاعت المجلة في تحقيقها الصحافي تحديد نحو 600 مجموعة تعمل على الشأن الأميركي، وكلها على اتصال منتظم مع الحزب الشيوعي الصيني وتوجيهه، وتشمل هذه القنوات شركات وجامعات ومراكز أبحاث، ومجموعات اجتماعية وثقافية ومنظمات الشتات الصيني، ووسائل الإعلام الناطقة باللغة الصينية، وتطبيق وي تشات وجميعها تهدف إلى بناء العلاقات السياسية والاقتصادية التي يمكن الاستفادة منها لتحقيق مكاسب بكين».
وتزعم السلطات الصينية أن الولايات المتحدة تشوه تعاملاتها مع مجموعات المجتمع المحلي، وتنفي بشدة أنها تتدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة.
وكانت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب بالكونغرس الأميركي، قد ألقت باللوم على المجمع الاستخباراتي الأميركي في مواجهة هذه المخاطر، مطالبة بإصلاح سريع لمواجهة هذه التهديدات، وهذه المرة ليست من روسيا فقط، بل في غالبها من الصين، والتي أصبحت قدرتها الإلكترونية تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، وهو ما دعت إليه اللجنة ودقّت ناقوس الخطر، محذرة من هذا التصاعد.
يذكر أن مسؤولي الأمن السيبراني، والاستخبارات والبنتاغون، أكدوا في ندوة عبر الاتصال المرئي في أغسطس (آب) الماضي، وجود ما سموه «غرف حرب» إلكترونية، تعمل ضمن قوة المهام السيبرانية الوطنية في القيادة الإلكترونية الأميركية، ولديها قدرات للتصدي ضد التهديدات التي تتعرض لها الانتخابات الوطنية، بما في ذلك العناصر الإلكترونية الدفاعية عند الطلب، وهي جاهزة وعلى أتم الاستعداد للرد إذا طلبت منها وكالات مثل وزارة الأمن الداخلي، أو مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، على سبيل المثال.
وأكدوا أن غرف الحرب لديها عناصر مراقبة على مدار الساعة تعمل في مراكز عمليات أخرى وهم مستعدون، ولديها القدرة في الدفاع ودخول «لعب مباراة الذهاب، ولدينا القدرة على الخروج في الفضاء الخارجي وتعطيل قدرات الخصم بشكل كامل، ولدينا القدرة على جعلك أن تتوقف عن القيام بذلك تماماً».
يذكر أن المركز الوطني لمكافحة التجسس، أصدر تقريراً عن استخدام دول أجنبية كروسيا والصين إجراءات التأثير الخفية والعلنية في محاولاتها للتأثير على وجهات نظر الناخبين الأميركيين وتشتيت السياسات الأميركية، وتعزيز الخلافات داخل الولايات المتحدة، محذرة من هذه التحركات التي تهدف إلى تقويض ثقة الشعب الأميركي في دولته.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟