مارتن آميس... ما الذي يخطفه الزمن من الكُتاب؟

استغرق 20 عاماً في كتابة سيرة ذاتية في إطار روائي

مارتن آميس
مارتن آميس
TT

مارتن آميس... ما الذي يخطفه الزمن من الكُتاب؟

مارتن آميس
مارتن آميس

قبل ما يقرب من 20 عاماً، تلقى الروائي مارتن آميس -صاحب التجربة الأبلغ وضوحاً في قضايا التعامل مع الآباء، على غرار قصة الشاعرة الراحلة سيلفيا بلاث- رسالة من صديقته السابقة أصابته بحالة خاصة من الروع والرهبة.
قالت في رسالتها المعنونة «الوالد الخطأ» إن والد الروائي مارتن آميس ليس هو الروائي الشهير كينغسلي آميس، وإنما هو الشاعر فيليب لاركن الذي كان يعد من أفضل أصدقاء كينغسلي آميس.
ومن قلب هذا اللغز المحير نشأت رواية «القصة الداخلية» ذات السرد المعقد المتشابك، وهي آخر ما كتب الروائي مارتن آميس حتى الآن، وتقع في 523 صفحة، وتعد بذلك واحدة من أطول الروايات التي ألفها في حياته المهنية، والتي يصفها بنفسه بأنها ربما تكون آخر ما يؤلف من روايات.
تأتي هذه الرواية في صور سرد للسيرة الذاتية في إطار روائي، ضمن مزيج غير مستقر ولكنه جذاب للغاية من الواقع والخيال. ويعاود فيها الروائي آميس تذكر القصص التي كتبها من قبل في مذكراته الشخصية التي حملت عنوان «التجربة»، وجرى استمداد بعض المقاطع الروائية الأخرى من مقالات وخطب أخرى من تأليفه، وهو يعمل على استنساخ مقال كامل لمجلة «نيويوركر» بالنمط والأسلوب أنفسهما.
ويغلف لغز الرسالة الغامضة نوع من الاستياء الواضح. فالصديقة السابقة التي يطلق عليها الروائي آميس تسمية «فوبي فيلبس» يصفها بأنها «تمثل مزيجاً مثيراً للإزعاج ممن كان يعرف من النساء»، وأنها امرأة غير مستحقة للثقة بصورة صارخة. ومع ذلك، فإن ما تحمله الرسالة العجيبة من الالتباس بشأن نسبه يخدم غرضه الذاتي ضمن إطار مثير للاستغراب، لا سيما مع اقتراب القصة الحقيقية ذات الأفق القاتم للغاية من الظهور إلى العلن: وفاة ثلاثة من الكتاب المقربين المحببين إلى نفس الروائي آميس، وهم: الشاعر لاركن، والروائي شاول بيلو، ثم كاتب المقالات كريستوفر هيتشنز.
واصل الروائي آميس العمل على إتمام هذه الرواية طوال 20 عاماً كاملة. وكان قد استكمل نسخة واحدة منها، ثم أعلن أنها نسخة فاقدة للحياة بائسة للغاية. وفي رواية «القصة الداخلية» يحاول توصيف التحديق إلى البحر، وحالة البحث المحمومة عن الذات، ضمن بحث أكثر ضراوة عن مكامن الإلهام. وبالنسبة إلى أي مؤلف روائي، فهذا يعد من التجارب المريعة بصورة خاصة. أما بالنسبة إلى السيد آميس، فقد كان الأمر بمثابة جولة من جولات التعذيب الذاتية الموجعة؛ لقد كانت اللحظة الخاصة التي ظل في انتظارها منذ زمن.
قال الرسام البريطاني - الألماني لوسيان فرويد ذات مرة إن أي علامات يتركها على لوحاته ذات صلة بالغة بتلك اللوحات، كمثل ذلك الصوت الغريب الغامض الذي يصدر عن لاعب التنس بصورة غير إرادية عندما يسدد الكرة إلى خصمه. وتلك تماماً هي الرؤية التي تعبر عن شخصية الروائي آميس، فهو دائماً ما ينتقد النثر، وليس الحياة التي يزدريها. وعلى الرغم من ذلك، فإن السمة المميزة لانتقاداته الأدبية تتمثل في عنايته البالغة بمقدار ما تمارسه الحياة والفن من ضغوط أحدهما على الآخر، وتلك الآثار التي يخلفها الإدمان والنفقات المعيشية القاسية على عبارات الروائي، فضلاً عن الأحكام التي يصدرها في رصانة وثقة على أعمال صغار الكتاب.
نجد الروائي آميس -في أحدث مجموعة منشورة من مقالاته تحت عنوان «احتكاك الزمن»- قد كرس كتاباته لتناول تلك التيمة المشكوك فيها بصورة متفردة؛ إسهامات العلوم الطبية ذات الصلة بالكاتب الروائي الذي بلغ من العمر أرذله. وهو يقول إن كتاب العصر الراهن حازوا التفوق على مواهبهم الذاتية، وباتت تلك المواهب في تدهور متزايد على مرأى ومسمع من جمهورهم. ثم يوضح رأيه قائلاً: «من المسلم به أن الإلهام والموهبة يتضعضعان في، ولم أعد أرى من استثناء لتلك البديهية».
ويطرح الروائي آميس تساؤلاً: ما الذي يخطفه الزمن من الكُتاب؟ ويجيب قائلاً: لقد سلب الزمن «الوداعة الأخلاقية» من أعمال الروائي الأميركي - الروسي فلاديمير نابوكوف؛ إن روايته الأخيرة «موبوءة» بكثير من الفتيات القاصرات. ولقد سرق الزمن حاسة السمع من الروائي الأميركي جون أبدايك. كما حجب القدرة على الكلام عن الروائي كينغسلي، والروائية آيريس مردوخ، والروائي شاول بيلو -الذي يعشق مارتن آميس أعماله- حتى وافته المنية بعد إصابته بمرض ألزهايمر.
ويعرب الروائي آميس عن مخاوفه بصورة غير صريحة، عندما يتساءل: ما الذي سوف يسرقه الزمن مني؟ وهل أخذ كل شيء مني بالفعل دون أن أدري؟ وكيف لي أن أعرف ذلك، إن حدث؟
إن سمعة الروائي آميس الشخصية في موضع يدعو للغرابة. ويمكن وصف منزل العائلة في أيام الطفولة بأنه كان دافئاً للغاية، بالغ الفوضوية، متسامحاً لدرجة تثير الغيظ. فلم يكن لأحد أن يلحظ إذا ما أشعل الطفل مارتن سيجارة أسفل شجرة عيد الميلاد في موسم الكريسماس وهو لم يبلغ الخامسة من عمره بعد!
وبعد تخرجه من الجامعة، كان صعود مارتن آميس الأدبي متسماً بسرعة غريبة، مثيراً للقلق الشديد لدى والده (المنافس الأدبي الوحيد لنجله الصغير). وكان الشاب اليافع قد نجح في نشر أول كتاب له تحت عنوان «أوراق راشيل» في عام 1973 وهو لم يبلغ عامه الخامس والعشرين بعد، ثم شغل وظيفة محرر أدبي في مجلة «ذا نيو ستيتسمان»، حيث اشتملت دائرة معارفه المقربة على أسماء لامعة، من أمثال هيتشنز، وإيان ماكيوان، وإيان هاميلتون، وجوليان بارنز. كانت تلك المجموعة قد أثارت الجنون في المجالات التي وصلوا إليها كافة. وكان الروائي نورمان ميلر -العاقل كما هو دائماً- قد صرح ذات مرة بأن مصير إنجلترا الأدبي قد سقط رغماً عنها في قبضة عصابة من الأغيار الموتورين، من أمثال آميس، وهيتشنز، وهاميلتون.
وفي وقت لاحق، التقى هيتشنز مع ميلر في إحدى الحفلات، وقال لإيان هاميلتون: «أعتقد أن رأيه مجانب للصواب، وغير منصف بالكلية».
إنني أكتب تحت تأثير الروائي مارتن آميس. ولم يعد بإمكانك تخير مؤثراتك المبكرة أو الحاسمة تحت هذا الوصف بأكثر مما تقبض عليه بيديك. ولقد وصف آميس مواجهته لأعمال شاول بيلو بصدمة الاعتراف القوي: إنه يكتب لي وحدي. وكان الأمر كذلك. كانت عبارات آميس القاسية للغاية قد أخذتني على حين غرة، وحملتني وألقت بي بعيداً إلى الأبد. كانت تتسم بقدر فائق من الغطرسة الواضحة، والسخافة، والنكات: «بعد فترة من الوقت، يصبح الزواج أشبه ما يكون بالعلاقات الأخوية التي تتسم بنوبات متواترة من الممارسات غير المقبولة المؤسفة إلى درجة كبيرة».
لماذا لا يكتب الجميع بمثل هذه الطريقة؟ ألا يخطر على أذهانهم أبداً أن يكونوا على مثل هذه الوقاحة، أو ربما الهزل؟
يشعر الروائي آميس بأنه يقوم «مقام الرذيلة المحبوبة من الجميع في هذه الأيام»، إذ يمكنك تلمس كلماته بأصابعك حين تقرأ له. وبصفته ناقداً خبيراً، فإنه ما زال قوياً صلباً أصيلاً، كما كان دائماً. وتعد مذكراته الشخصية أنموذجاً للشكل والصياغة. ولسوف تبقى ثلاثيته الشهيرة («حقول لندن»، و«المال»، و«المعلومات») باقية بقاء الأيام. ثم جاءت تصريحاته المريعة عن المسلمين في أعقاب كارثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الإرهابية. وكانت هناك محاولات باهتة من جانبه للكتابة عن تلك المأساة التاريخية، من شاكلة «كوبا الرهيب» أو «منزل الاجتماعات». وهناك عرض للنساء في رواياته دائماً ما يتسم بشيء من الكاريكاتورية، مع كثير من السخافات، وربما التطرف الشديد في أبعادهن الجسدية فقط، لدرجة تدفعك إلى توصيف تصاوير روبرت كرامب الكاريكاتورية المبتذلة بأنها أكثر تحفظاً واحتراماً.
تستلهم رواية «القصة الداخلية» مجرياتها السردية من كل ما تقدم بين أيدينا. ثم هناك شخصية المرأة القاتلة (فوبي فيلبس، التي تعكس الصورة الحميمة من الماضي البعيد، مع كثير من الإسقاطات على الأوضاع الجيوسياسية المعاصرة). ولكننا نلحظ أن المقاطع المطولة من الكتابة تسبب انفصال المجرى السردي في الرواية. كما أن البنية الروائية لا تماهي الذاكرة بقدر ما تحاكي المحادثات الماراثونية المنهكة بين كل من مارتن آميس وكريستوفر هيتشنز، وبعض منها متكرر على نحو واضح في الرواية التي تقافزت بين قمم التاريخ والشائعات والمهنية والحديث المتعلق بالأعمال.
ويحذر الروائي آميس الكتاب الشبان من الوقوع في الحيرة أو الارتباك الروائي. وينصح بممارسة الاعتدال في التأليف عند التعرض للأحلام أو الأمور الجنسية أو القضايا الدينية، حيث يمكن للكاتب أن يكون مضيّفاً دمث الأخلاق لدى قرائه.
وإن كانت تلك النصيحة سليمة تماماً، وفي محلها، فلماذا لا يعتد بها الروائي آميس بنفسه؟
إننا نجد رواية «القصة الداخلية» مفعمة بالأحلام، وبالتصورات الجنسية الخيالية، وبالتأملات المريعة حول اليهودية، وبعض الهواجس الأخرى طويلة الأمد. وتبدو الرواية مبنية بغرض إثارة الحيرة لدى القارئ. وربما تعكس قدراً من عربدة التناقضات والخيارات التقنية العصية على الفهم أو التفسير. لماذا يُشار في الرواية إلى بعض الشخصيات بأسمائها الحقيقية (مثل أصدقاء مارتن آميس أنفسهم على سبيل المثال)، في حين يُشار في مواضع أخرى إلى شخصيات تالية بأسماء مستعارة غير حقيقية (مثالاً زوجته الكاتبة إيزابيل فونسيكا التي ذكرها باسمها الأوسط «إيلينا» فقط)؟ وما المنطق المعتبر وراء التحولات الفجائية في الملابس الخاصة بالشخصية الثالثة في الرواية؟ ولماذا يُصر المؤلف على طرح التناقض الصارخ بين مبادئ شخصية «جوزيف كونراد» الرصينة وأفعاله المبتذلة في آن واحد؟ وما المقصود من وراء تلك التحولات غير المفهومة في متن الرواية؟
والأمر الأكثر إثارة للجنون يكمن في أن رواية «القصة الداخلية» تشتمل في الوقت نفسه على عدد من أفضل كتابات مارتن آميس حتى الآن.
إن المواضع ذات الصلة بالروائي شاول بيلو، والشاعر فيليب لاركن، اللذين كتب عنهما باستفاضة بالغة، هي من أكثر المواضع وداً وألفة ودفئاً. وهناك مشاهد روائية تعكس حالة الارتباك المريعة التي ألمت بهما معاً في أيامهما الأخيرة.
لكن مارتن آميس لجأ إلى سرد جديد تماماً عند حديثه حول كريستوفر هيتشنز، ذلك الكاتب الذي أشاد بأسلوبه في الكتابة، ثم عاد لينتقد الأسلوب نفسه لأنه «كلي شامل»، محاولاً في ذلك بلوغ عمق الإحساس وبساطة اللغة في عمله. وهو يتعجب من مقدرة صديقه على مواجهة الموت بكل شجاعة. لكنه يشعر بحيرة كبيرة لأن هناك مواقف عند صديقه يعجز عن فهمها أو إدراكها، لا سيما تأييد هيتشنز الكبير للحرب على العراق. وفي الوقت نفسه، يزعم آميس في موضع آخر أن هيتشنز أسف كل الأسف على موقفه السابق تجاه هذه الحرب.
وفي أحد مشاهد الرواية الطويلة، يقول آميس إنه كان يساعد هيتشنز في أثناء السباحة، إثر طلب خاص من صديقه الذي كان مريضاً. وفي أثناء السباحة إلى جواره، سيطرت على ذهن آميس ذكريات مساعدته لابنه وهو يتعلم المشي للمرة الأولى بأحذية مناسبة لسنه.
لم أجد في سرديات مارتن آميس ما يشجعني على متابعة مثل هذه المشاهد الروائية المضطربة، فضلاً عن نغمة الشيخوخة البادية للغاية في كتاباته التي يرفضها تماماً، ولن يعترف بها قط. ولكن يمكننا أن نقول عنه، كما يقول هو عن السيدة فيلبس: «إنها مثل إحدى شخصيات الرواية التي تريد بقوة أن تتخطاها وتمضي إلى الأمام، ثم تعاود النظر إليها لتقف على مجريات حياتها. وعلى أي حال، لا يمكنني التوقف عن متابعتها الآن».
- خدمة «نيويورك تايمز»



الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ
TT

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

يعد التغير المناخي من المواضيع المُقلقة والمهمة عالمياً، وهو من الملفات الرئيسية التي توليها الدول أهمية كبرى، حيث تظهر حاجة عالمية وشاملة واتفاق شبه كُلِّي من دول العالم على أهمية الالتزام بقضايا التغير المناخي والاستدامة لحماية كوكبنا للأجيال القادمة.

هذه القضية المهمة عبَّر عنها بعض الفنانين الذين استخدموا الفن لرفع الوعي بالقضايا البيئية. حيث كان الفن إحدى وسائل نشطاء البيئة للتعريف والتأثير في قضايا المناخ والاحتباس الحراري، لاعتقادهم أن الحقائق العلمية وحدها قد تكون غير كافية، ولأهمية التأثير في العاطفة، وهو ما يمكن للفن عمله.

ومن فناني البيئة العالميين الفنان الدنماركي أولافور إيلياسون، الذي عيَّنه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سفيراً للنوايا الحسنة للطاقة المتجددة والعمل المناخي عام 2019م، حيث تركز أعماله المعاصرة والتفاعلية على التعبير عن ظواهر الاحتباس الحراري، وكان أحد أشهر أعماله «مشروع الطقس» الذي عُرض في متحف «تيت مودرن» في لندن، وجذب أعداداً هائلة من الجماهير، إذ هدف هذا العمل التفاعلي إلى الإيحاء للمشاهدين باقترابهم من الشمس، ولتعزيز الرسالة البيئية لهذا العمل ضمِّن كتالوج المعرض مقالات وتقارير عن أحداث الطقس المتغيرة.

المناخ والبيئة

إن التعبير عن قضايا المناخ والبيئة نجده كذلك في الفن التشكيلي السعودي، وهو ليس بمستغرب، حيث يعد هذا الاهتمام البيئي انعكاساً لحرص واهتمام حكومة المملكة بهذه القضية، والتزامها الراسخ في مواجهة مشكلة التغير المناخي، حيث صادقت المملكة على اتفاقية باريس لتغير المناخ في عام 2016، وهو أول اتفاق عالمي بشأن المناخ. كما أطلقت المملكة مبادرتَي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، لتسريع العمل المناخي وحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة. وهو ما يجعل الفرصة مواتية للفنانين السعوديين للمشاركة بشكل أكبر في التعبير عن القضايا البيئية، مما يسهم في عكس جهود المملكة تجاه هذه القضايا ومشاركة الجمهور في الحوار حولها.

فعلى سبيل المثال، عبَّرت الفنانة التشكيلية منال الضويان عن البيئة في عمل شهير أنتجته عام 2020م، في معرض DESERT-X في مدينة العلا، بعنوان «يا تُرى هل تراني؟»، حيث كان العمل عبارة عن منصات تفاعلية للقفز في صحراء العلا، في إيحاء غير مباشر بالواحات الصحراوية والبِرَك المائية التي تتكون في الصحراء بعد موسم الأمطار، لكنها اختفت نتيجة للتغير المناخي والري غير المسؤول، وتأثيره البيئي في الطبيعة من خلال شح المياه واختفاء الواحات في المملكة.

الفن البيئي

كما نجد الفن البيئي بشكل واضح في أعمال الفنانة التشكيلية زهرة الغامدي التي ركزت في تعبيرها الفني على المواضيع البيئية من خلال خامات الأرض المستمدة من البيئة المحلية؛ مثل الرمال والأحجار والجلود والنباتات المأخوذة من البيئة الصحراوية كالشوك والطلح، وكيفية تحولها نتيجة العوامل المؤثرة فيها كالجفاف والتصحر والتلوث البيئي، كما في عملها «كوكب يختنق؟» الذي استخدمت فيه أغصان الأشجار المتيبسة وبقايا خامات بلاستيكية، لمواجهة المتلقي والمشاهد بما يمكن أن تُحدثه ممارسات الإنسان من تأثير بيئي سلبي، وللتذكير بالمسؤولية المشتركة لحماية كوكب الأرض للأجيال القادمة.

إن الفن البيئي لدى زهرة الغامدي يتمثل في نقل المكونات الطبيعية للأرض والبيئة المحلية وإعادة تشكيلها في قاعة العرض بأسلوب شاعري يستدعي المتلقي للانغماس في العمل الفني والطبيعة والشعور بها والتفاعل معها لتعزيز الارتباط بالأرض، فمن خلال إعادة تشكيل هذه الخامات البيئية يتأكد التجذر بالأرض والوطن والارتباط به.

وقد نجد التعبير عن المواضيع البيئية أكثر لدى التشكيليات السعوديات من زملائهن من الرجال، وقد يكون ذلك طبيعياً نتيجة حساسية المرأة واهتمامها بمثل هذه القضايا. وهو ما يثبته بعض الدراسات العلمية؛ إذ حسب دراسة من برنامج «ييل» للتواصل بشأن التغير المناخي، بعنوان «اختلافات الجنسين في فهم التغير المناخي» تظهر المرأة أكثر ميلاً إلى الاهتمام بالبيئة، كما أن للنساء آراء ومعتقدات أقوى مؤيدة للمناخ وتصورات أعلى للمخاطر الناتجة عن التغيرات المناخية، وقد فسر الباحثون هذه الاختلافات بأنها نتيجة اختلافات التنشئة الاجتماعية بين الجنسين، والقيم الناتجة عن ذلك كالإيثار والرحمة وإدراك المخاطر.

ومع أن الفن استُخدم كثيراً للتوعية بالقضايا البيئية، إلا أن بعض نشطاء البيئة حول العالم استخدموه بطريقة مختلفة للفت النظر حول مطالبهم، مثل أعمال الشغب والتخريب لأهم الأعمال الفنية في المتاحف العالمية، وقد استهدف بعض هؤلاء الناشطين أشهر الأعمال الفنية التي تعد أيقونات عالمية كلوحة «دوار الشمس» لفان غوخ، ولوحتي «الموناليزا» و«العشاء الأخير» لدافنشي. تخريب هذه الأعمال ليس لأنها مناهضة للبيئة بقدر ما هي محاولة لفت النظر نحو قضاياهم، لكن لتحقيق التغيير المطلوب، أيهما أجدى، التعبير الإيجابي من خلال الفن، أم السلبي من خلال تخريبه؟

إن الفن التشكيلي ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل له دور حاسم ومؤثر في تشكيل الوعي بالقضايا البيئية، فهو يدعو لإعادة التفكير في علاقتنا بها، والعمل معاً لمستقبل أكثر استدامة. إضافةً إلى دوره بصفته موروثاً ثقافياً للأجيال المقبلة، إذ يسجل تجربتنا في مواجهة هذا التحدي العالمي.

* كاتبة وناقدة سعودية