شبكة صحافية كردية تدعو إلى إعلام سوري مستقل ومهني وغير منحاز

يواجه العاملون بالحقل الإعلامي هذا العام تحديات جمَّة
يواجه العاملون بالحقل الإعلامي هذا العام تحديات جمَّة
TT

شبكة صحافية كردية تدعو إلى إعلام سوري مستقل ومهني وغير منحاز

يواجه العاملون بالحقل الإعلامي هذا العام تحديات جمَّة
يواجه العاملون بالحقل الإعلامي هذا العام تحديات جمَّة

بعد ربيع 2011 تغيير المشهد السياسي والإعلامي في سوريا وأسس صحافيون وإعلاميون معارضون ومستقلون إعلاماً بديلاً لمواجهة رواية الإعلام الرسمي الناطق باسم الحكومة. أيضاً تنفس الأكراد السوريون الصعداء ليعكفوا على تأسيس إعلام محلي ونقابات مهنية خاص بهم، إحداها «شبكة الصحافيين الكرد السوريين»، أسست بداية مارس (آذار) سنة 2012 من مدينة القامشلي بأقصى شمال شرقي سوريا.
ولدى حديثها لـ«الشرق الأوسط»، تقول الإعلامية سلوى سليمان، رئيسة الشبكة، إنهم يعملون لخدمة الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية بالمناطق الكردية المنتشرة شمال شرقي البلاد، بينما ذكر الصحافي هيبار عثمان، مديرها التنفيذي، إنهم نظموا ثلاثة أنشطة رقمية وسط تفشي فيروس «كوفيد - 19» على منصة «زووم» بالتعاون مع منظمة «فري بريس أنليميتد» ويخططون لتأسيس مركز تدريبي، أما الصحافي علي نمر، مدير «مكتب توثيق الانتهاكات»، فأكد بأن منطقة شرق الفرات بقيت الأكثر أمناً لعمل الصحافيين، مقارنة مع المناطق الخاضعة للحكومة ومثيلاتها الواقعة تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام» المتطرفة والفصائل المسلحة شمال غربي سوريا.
تقدّم الشبكة نفسها على إنها إطار تنظيمي إعلامي مُستقل؛ وهي تضم 80 إعلامية وإعلامي يعملون داخل سوريا وخارجها. وحسب سلوى سليمان «الشبكة ترصد خطاب الكراهية بين المكونات ونعمل الحد من انتشاره ومكافحة التضليل الإعلامي»، من خلال تمكين أعضائها مهنياً والدفاع عن حقوق الإعلاميين، كما عملت على تطوير نفسها وإعادة هيكليتها الإدارية بإشراف خبراء في مجال الإعلام والعمل المؤسساتي، وبدعم ومساعدة من فريق منظمة «فري بريس أنليميتيد الهولندية».
وتابعت: «نطمح للعمل المؤسساتي والتنسيق مع كل الأطر الكردية والسورية في رصد وتوثيق الانتهاكات التي تطال الإعلاميين والجهات الإعلامية في عموم سوريا»، وتدافع الشبكة عن حقوق الصحافيين وحرياتهم من أي إجراءات تعسفية أو اضطهاد قد يتعرضون له بسبب آراءهم؛ وتطالب من خلال نداءاتها الجهات المختصة بالإدارة الذاتية وهياكل الحكم المدنية بعدم إخفاء المعلومة حول مخاطر «كوفيد - 19». الذي تصفه سلوى سليمان بـأنه «يُعتبر اليوم من أبرز التحديات وأهمها للحفاظ على حياة المواطنين». هذا وتعمل ثلاث نقابات إعلامية بين أكراد سوريا، وإلى جانب الشبكة تعمل «نقابة صحافيي كردستان، التي تتخذ من مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق مقراً لعملها، و«اتحاد الإعلام الحر»، والأخير مقرب من سلطات الإدارة الذاتية التي تدير مناطق شرق الفرات.

صعوبات وتحديات
يواجه العاملون بالحقل الإعلامي هذا العام تحديات جمَّة أكثر من أي وقت مضى، في ظل ظروف صعبة جراء تفشي «كوفيد - 19». وفي تعليقه، قال هيبار عثمان، بعد إشارته إلى الأنشطة الرقمية الثلاثة، أن الشبكة تخطط لتأسيس مركز تدريب صحافي لدعم أنشطة تمكين الإعلاميين بالمدن الكردية وعموم مناطق شمال وشرق سوريا. ومنذ بداية العام الحالي تمكنت الشبكة من كسب ثقة الكثير من المنظمات الدولية، وأصبحت شريكاً أساسياً للكثير من الجهات الإعلامية لرصد وتسليط الضوء على المنظمة والانتهاكات التي ترتكبها الجهات العسكرية. وتابع عثمان: «الشق الثاني من التدريبات سيكون نظرياً يتعلق بتوثيق الانتهاكات والأمن الرقمي والتوازن الجنساني وأخلاقيات المهنة والحكم الرشيد والمسائلة»، وتهتم بمواضيع الصحافة الأخلاقية والتعاونية وتوطيد العلاقات مع منظمات المجتمع المدني المحلية. وما يذكر أن سوريا تصنف بقعة سوداء على خريطة التصنيف العالمي لحرية الصحافة، بحسب منظمة «مراسلون بلا حدود». ورصدت الشبكة عبر جداولها 39 حالة انتهاك خلال العام الماضي، توزعت على أربع حالات قتل، بعد استهداف الصحافيين من قبل طيران الجيش التركي وقصف مدفعيته بشهر أكتوبر (تشرين الأول) العام الفائت، مع سقوط 14 جريحاً، و4 حالات تعرضت للتهديد أو الاعتداء بالضرب، وهناك حالتان تم منعهما من العمل، مع ثلاث حالات اعتقال. ولا يزال مصير الصحافي الكردي فرهاد حمو، مراسل قناة «رووداو» الكردية غير معروف.

من ناحية أخرى، تعتمد الشبكة في آليات التوثيق ومنهجية عملها على ثلاث خطوات رئيسية بحسب الصحافي علي نمر. وأوضح: «إننا نعتمد على المعلومات المتوفرة من أعضاء الشبكة والتعاون مع المراكز الحقوقية أو وسائل الإعلام أو الرسائل التي تأتينا على موقع الشبكة والمتطوعين يمدوننا بالمعلومات عن وقوع أي انتهاك». ويصار في الخطوة الثانية التحقق من صحة أي حالة انتهاك بجمع المعلومات والتأكد من صحة المعلومات قبل نشرها، «ثم يجري كتابة بيان أو بلاغ أو تقرير بذلك، ونضعه أمام الهيئة الإدارية للنقاش والبحث فيه أكثر ومراسلة المنظمات الدولية ومخاطبة الجهات المعنية». ويقوم المكتب بتوثيق جميع الانتهاكات التي يتعرض لها الإعلاميون الكُرد في سوريا بشكل خاص، والإعلاميون السوريون العاملون في مناطق شمال شرقي سوريا بشكل عام، باستثناء المتعاملين مع التنظيمات المتطرفة.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.