هل تكتسب دعوات مقاطعة «السوشيال ميديا» مزيداً من الأنصار؟

TT

هل تكتسب دعوات مقاطعة «السوشيال ميديا» مزيداً من الأنصار؟

مع تزايد التحذيرات من مواقع التواصل الاجتماعي وخطرها على خصوصية البيانات والمعلومات، تجددت الدعوات لمقاطعة «السوشيال ميديا».
هذا مشهد تكرر من قبل أكثر من مرة على مدار السنوات القليلة الماضية، وفي كل مرة كانت تكسب هذه الدعوات بعض المؤيدين؛ لكنها سرعان ما تخفق في تحقيق الهدف، خاصة مع تزايد أعداد مستخدمي هذه المواقع. وبناء عليه، تجدد سؤال هو هل تكتسب دعوات المقاطعة هذه المرة مزيدا من الأنصار؟
وفق خبراء فإنه «رغم اقتناع كثيرين بالتأثير السلبي لمواقع التواصل على خصوصيتهم؛ لكن لا يُعتقد أن دعوات المقاطعة ستكسب، لأن هذه المواقع أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة الناس». رغم ذلك أكد الخبراء أن «بعض هذه المواقع بدأت تخسر متابعيها بالفعل بسبب المخاوف على الخصوصية».
الكاتب الصحافي مأمون فندي، أعلن اعتزاله مواقع التواصل الاجتماعي، في مقال تحت عنوان «لماذا أقلعت عن السوشيال ميديا؟»، نُشر في صحيفة «الشرق الأوسط» خلال أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، مبررا ذلك بأن «هذه المواقع وفقا للدراسات أصبحت نوعا من الإدمان»، الذي يدفع الناس للكتابة «لتلك الآلة أو الكومبيوتر الكبير الذي يكافئنا بلايكات أو ريتويت وأحيانا تريندنغ». وأشار إلى أن «التوقف عن السوشيال ميديا أمر ليس بالسهل على من دخل هذا العالم من إدمان الكتابة من دون مقابل».
فندي أوضح أنه «توقف عن استخدام فيسبوك قبل 3 أعوام متجها نحو تويتر، باعتباره أداة أكثر عقلانية للتواصل، ومع الوقت بدأ يشعر أن عقله المدرب على البحث والتقصي طوال سنوات الماجستير والدكتوراه والتدريس والبحث العلمي قد بدأ تدريجيا في الاضمحلال، ودخل في منافسة نحو القاع، وهنا قرر أن يضع حدا لهذا الانهيار». وهكذا أعلن قراره بالتخلي عن «تويتر»، وإن «كان لا يعرف إلى أي مدى سيستمر هذا التوقف، فقد باءت محاولات إقلاعه عن التدخين بالفشل»، على حد قوله.
ميغان ميركل، تعد واحدة من أشهر الذين اعتزلوا مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت أخيرا إنها «فعلت ذلك لحماية الذات، حيث تخلت عن هذه المواقع منذ مدة طويلة، حيث كانت تمتلك حسابا شخصيا جرى إغلاقه مع زواجها من الأمير هاري (ابن ولي عهد بريطانيا)، وأنشأت حسابا رسميا يدار من خلال مكتب دوقة ساسكس، وبعد ذلك لم يعد لها حسابات وهذا أفضل». تابعت أنها «تشعر بالقلق على من يتعلقون بشدة بهذه المواقع، فهي نوع من (الإدمان)، ومواقع غير صحية»، على حد قولها.
«يبدو أن هناك أوجه شبه بين التدخين ومواقع التواصل، هو ما يدفع الناس للاستمرار في استخدامها، رغم إدراكهم لمخاطرها»، ذلك بحسب الدكتور يوتام أوفير، الأستاذ المساعد بقسم التواصل جامعة ولاية نيويورك - بفالو الأميركية، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإنسان عادة ما يفكر في النتائج الآنية، وليس النتائج البعيدة المدى. ففي التدخين مثلا، يقع الضرر على المدى الطويل مع طول الاستخدام، بينما متعة التدخين وقتية، والشيء نفسه يحدث مع مواقع التواصل. إذ إن متعة الاستخدام واضحة ووقتية، بينما المخاطر على الخصوصية والبيانات تنطوي على شيء من الغموض والتجريد كما أنها بعيدة في المستقبل»، مشيرا إلى أن «(كوفيد - 19) جعل الناس أكثر تعلقا بوسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة حالة العزلة والوحدة التي فرضها الوباء، لذلك لن تنجح التحذيرات ودعوات المقاطعة، في جعل الناس يعتزلون مواقع التواصل».
وبحسب نك نيومان، كبير باحثي معهد «رويترز لدراسات الإعلام»، فإن «الأبحاث التي أجريت في أبريل (نيسان) الماضي، أظهرت زيادة في استخدام مواقع التواصل في معظم الدول، حيث حقق واتساب نموا ملحوظا في معظم الدول بنسبة وصلت إلى 10 في المائة خلال فترة (كوفيد - 19) واشترك نحو 18 في المائة في مجموعات نقاش على فيسبوك وواتساب ضمت أشخاص لا يعرفونهم. بينما دخل نحو 51 في المائة في مجموعات نقاش مع العائلة والأصدقاء والزملاء». ووفق نيومان فإن «تطبيقات إنستغرام وسناب تشات أكثر شعبية بين الأجيال الأصغر سنا».
وحقا، زاد عدد مستخدمي مواقع التواصل بنسبة 9.2 في المائة، أي نحو 321 مليون شخص خلال عام 2019 وفقا لتقرير «وي آر سوشيال» الصادر في يناير (كانون الثاني) الماضي. لكن جوديتا فيدين، الرئيس السابق لفريق عمل مشروع «جي سي إن» JCN، وهو مشروع يموله الاتحاد الأوروبي لتنمية مهارات الصحافيين في دول الجوار الأوروبي، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه المواقع بدأت تخسر متابعيها بالفعل، بسبب المخاوف على الخصوصية، كما أن هناك تحولا في الأجيال الجديدة الذين تركوا فيسبوك واتجهوا إلى تيك توك».
من جهة أخرى، وفق بحث لسارة ويلسون، نشرته مجلة «هارفارد بيزنس ريفيو» المتخصصة في أبحاث التسويق والموارد البشرية والإدارة، في فبراير (شباط) الماضي: «ما زالت مواقع التواصل تحقق نموا في عدد المستخدمين بما في ذلك فيسبوك رغم نمو موجة المعارضة ضدها، حيث تشكل نقاشات السوشيال ميديا كل شيء حولنا». ثم تستدرك فتقول: لكن «المؤشرات تظهر تغيرا ديمغرافيا في الجمهور، مستشهدة بدراسة نشرها مركز «إديسون للأبحاث» عام 2019 أظهرت أن معدلات استخدام مواقع التواصل بالنسبة للأميركيين من سن 12 إلى 34 سنة ثابتة أو متراجعة، إضافة إلى بحث «غلوبال ويب إينديكس» الذي قال إن معدل الوقت الذي يقضيه جيل الألفية على مواقع التواصل، إما يتراجع أو أنه ثابت». وتفسر الباحثة ويلسون ذلك بأن «جيل الشباب يريد أن يكون نفسه بعد سنوات من محاولات رسم شخصيات وهويات إلكترونية، كما أنهم يتوقون للخصوصية والأمان».
من جهته، يرى يرى نافين ناير، رئيس ومؤسس موقع «كاونت راد» الهندي، المتخصص في إنتاج محتوى لمكافحة «الفكر المتطرف»، أنه «رغم اقتناع كثيرين بالتأثير السلبي لمواقع التواصل على حياتهم وخصوصيتهم؛ فإنه لا يعتقد أن دعوات المقاطعة ستكسب، لأن هذه المواقع أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة الناس». وأضاف ناير لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة الأساسية ليست في الوسيلة؛ بل في كيفية استخدامها. ولقد لعبت السوشيال ميديا دورا في إنقاذ حياة البشر، ونشر حملات التوعية. وعليه، لا يمكن أن نقول إن وجودنا على السوشيال ميديا خطر)؛ بل علينا البحث في كيفية جعلها مكانا آمنا وتحسين طريقة استخدامها».
وبهذا المنطق لم تقلع فيدين عن استخدام مواقع التواصل؛ بل قللت من الوقت الذي تقضيه على هذه المواقع، كما أنها حذرة في اختيار الأخبار المنشورة على المواقع، وتحاول دائما التحقق منها.
في ذات السياق، أشار استطلاع نشره مركز «بيو الأميركي للأبحاث» في سبتمبر (أيلول) عام 2018 إلى أن «المخاوف على الخصوصية، ربما تسببت في إبعاد الناس لبعض الوقت عن هذه المواقع». ووفق الاستطلاع فإن «42 في المائة من مستخدمي فيسبوك أخذوا فترة استراحة لأسابيع من الموقع، و54 في المائة من المبحوثين فوق 18 سنة عدلوا إعدادات الخصوصية، بينما مسح 26 في المائة التطبيق من على هواتفهم المحمولة، وذلك في أعقاب الضجة التي صاحبت اكتشاف تسريب بيانات من فيسبوك لشركة كمبريدج أناليتيكا».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.