الحوثيون.. الطموحات «السياسية» أكبر من الإمكانات

العراقي طارق نجم عبد الله درس في صنعاء وأصبح لاحقا كبير مستشاري نوري المالكي

الحوثيون.. الطموحات «السياسية» أكبر من الإمكانات
TT

الحوثيون.. الطموحات «السياسية» أكبر من الإمكانات

الحوثيون.. الطموحات «السياسية» أكبر من الإمكانات

شهد اليمن هذا الأسبوع العديد من الحوادث التي ارتبطت بتوسع الحوثيين وإحكام قبضتهم على عدد من أهم المدن والمحافظات اليمنية. فمن هم الحوثيون، وإلى أي مدى يمكن مقارنة تطورهم السياسي بـ«حزب الله» اللبناني؟

نجحت يوم الجمعة الماضي مجموعة من القبائل المعارضة للمُتمردين «الحوثيين» في السيطرة على عدد من الدبابات والعربات المدرعة، إثر اشتباكات اندلعت مساء الخميس في شرق مدينة «مأرب» بينهم وبين قوات الجيش، وذلك بعد أن اشتبهوا في أن عناصر الجيش كانوا متوجهين للانضمام إلى جماعة الحوثيين الذين يحتشدون منذ أسابيع على تخوم «مأرب» شمال شرقي البلاد. حادثة أخرى وقعت الأسبوع الماضي، عندما فجر انتحاري نفسه في وسط مدينة «إب»، مما أدى إلى وقوع ما لا يقل عن 33 قتيلا ونحو 50 جريحا في انفجار استهدف مركزا ثقافيا للحوثيين.
تأتي هذه الحوادث المتزايدة في أعقاب توسع سيطرة الحوثيين، وهم مجموعة مسلحة «زيدية» اجتاحت العاصمة اليمنية صنعاء في وقت سابق من هذا العام ونجحت في إحكام قبضتها على أجزاء مختلفة من البلاد.
«يُعد الحوثيون من اتباع المذهب الزيدي في اليمن، وهم أقرب إلى السنة من الشيعة»، وفق الخبير اليمني الدكتور محمد جميح الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» من لندن.
واليمنيون هم بغالبيتهم الساحقة من المسلمين، وينتمون إما للمذهب السني أو الشيعي الزيدي. وعلى الرغم من أن المسلمين السنة يشكلون الأكثرية في البلاد، فقد تمكن الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، الذي يتحدر من أصل زيدي، من البقاء في سدة الحكم لأكثر من 30 عاما حتى الانقلاب عليه في عام 2011.
يشرح الدكتور جميح أن «الزيدية هي فرع من المذهب الشيعي، إنما تختلف عن التيار الشيعي الاثني عشري المعروف بعقيدة الإمامة والموجود بشكل رئيسي في إيران، فالزيديون يوافقون على الصحابة»، على حد قوله.
ومع ذلك، أدت الظروف السياسية الحديثة في اليمن إلى انقسامات في المجتمع الزيدي، ودفعت ببعض الحوثيين إلى التقرب من شيعة إيران أكثر منهم من الزيديين. «فالحوثيون يتبعون المذهب الزيدي ويرتبطون بإيران»، كما يقول الدكتور جميح. وعليه، تلاقت الطموحات السياسية لحسين الحوثي، زعيم حركة الحوثيين في اليمن، مع مصالح إيران في المنطقة، وبات حسين الحوثي أقرب إلى شيعة إيران، وبدَّل تحالفاته ومواقفه الدينية لتتماشى مع المصالح السياسية للدولة الفارسية.
ويضيف الدكتور جميح أنه «بعد حرب الخليج والاجتياح العراقي للكويت، غادر آلاف العراقيين واتجه منهم إلى اليمن مثل طارق نجم عبد الله (الذي درس في جامعة صنعاء وبات لاحقا كبير مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي)، الذي تعاون مع السفارة الإيرانية لتأسيس تنظيم (شباب المؤمنين)، أو كما بات يعرف لاحقا بـ(أنصار الله)».
ارتبط «تنظيم شباب المؤمنين» بحسين الحوثي، الذي كان عضوا في البرلمان اليمني قبل الحركة الانفصالية التي اندلعت في البلاد عام 1994. وحتى ذلك الوقت، كان حسين الحوثي عضوا في «حزب الحق»، الممثل الرئيسي للمذهب الزيدي في البلاد. إلا أنه أثناء الحركة الانفصالية، أعلن «حزب الحق» تأييده «للحزب الاشتراكي اليمني» في مواجهة «حزب المؤتمر الشعبي العام» بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح الحاكم حينها. أدى هذا الأمر إلى فرار حسين الحوثي إلى سوريا وإيران حيث تشرب الفكر الإيراني. عندما عاد إلى اليمن في أواخر التسعينات انشق عن «حزب الحق» وأسس ما عرف بتنظيم «شباب المؤمنين». وعلى غرار «حزب الله»، استوحى الحزب الجديد عقائده من الثورة الإيرانية وأنشأ مخيمات لقن فيها الأطفال الفكر الثوري. كما عمد الحوثي وأتباعه، معتمدين أسلوب «حزب الله»، إلى جمع الزكاة وتأسيس الجمعيات الخيرية، وارتكزوا في آيديولوجيتهم على معاداة الولايات المتحدة وإسرائيل وأحيانا اليهود. وبين عامي 2004 و2010، أدى القبض على الحوثي إلى عديد من المواجهات بين الحكومة وأتباعه.
غير أن مطالبات الحوثيين لم تكن كلها سياسية. فحين أدت ثورة 1962 إلى إلغاء «الإمامة الشمالية»، وقعت المنطقة التي يسكنها الزيديون ضحية تهميش سياسي واقتصادي منهجي. فوفقا للبنك الدولي، يعد اليمن واحدا من أفقر البلدان في العالم العربي، وقد ارتفع معدل الفقر فيه إلى 54.5 في المائة في عام 2012، وهو من أكثر دول العالم تأثرا بانعدام الأمن الغذائي مع وجود 45 في المائة من السكان فيها يعانون انعدام الأمن الغذائي وشح الموارد المائية التي تتدنى عن المتوسط الإقليمي.
استفاد الحوثيون من التهميش الاجتماعي هذا لتوسيع حركتهم السياسية. والمسيرة التي توجهوا فيها إلى صنعاء هذا العام تزعمها مقاتلون استغلوا السخط الشعبي إزاء الفساد ورفع الدعم عن الوقود، والانقسامات داخل الجيش اليمني الذي سرعان ما اختفى عن ساحة المواجهات في اللحظة الحاسمة سامحا بتقدمهم داخل العاصمة صنعاء. فضلا عن ذلك، عارضت جماعة الحوثيين بشدة إحدى أبرز توصيات «مؤتمر الحوار الوطني» في فبراير (شباط) الهادفة إلى تحويل اليمن إلى دولة فيدرالية من ست مناطق، وهو ما من شأنه أن يربط محافظة صعدة، معقل الحوثيين، بالعاصمة صنعاء.
يقول الدكتور جميح إن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح سهل من خلال علاقاته في الجيش تقدم الحوثيين إلى صنعاء.. «فقد أراد أن ينتقم (من الانقلاب ضده) وتحالف مع الحوثيين لكي يقاتلوا في صنعاء، وسمحت قيادة الجيش المقربة من صالح بتمدد للحوثيين؛ بالتالي، نستطيع أن نقول إن صالح اخترق الحوثيين كما سبق لهم أن اخترقوه».
ووفقا لتقرير صادر عن جيمس براندون، من مؤسسة «جيمس تاون»، نجحت حركة الحوثيين أيضا في تعزيز قوتها بشكل كبير «بعد أن تمكنت من الحصول على جزء من مطالبها من الحكومة ودمج بعض من قواتها مع الجيش الوطني. ففي 24 نوفمبر (تشرين الثاني)، صرح وزير الدفاع اليمني، محمود الصبيحي، بأن عملية الدمج ستجري على النحو المنصوص عليه في اتفاق الشراكة الوطنية والسلام التي وقعت في 21 سبتمبر (أيلول) بين الحوثيين والحكومة»، وفقا للتقرير.
ويشير جميح إلى أنهم «باتوا يشكلون اليوم دولة داخل دولة. فإيران تمكنت من إنتاج (حزب لله)، كما تمكنت من إنشاء (أنصار الله)، غير أن الحوثيين نجحوا في التهام الدولة أسرع من (حزب الله)، والدليل على ذلك أن أي قرار يصدره الرئيس اليمني الجديد عبد ربه منصور هادي يعود ويتراجع عنه إذا رفضه الحوثيون. كما أن الوضع اليمني يوازي وضع لبنان حتى لو بقي الحوثيون أضعف من (حزب الله)، ومن الصعب أن يحكموا البلاد. ولا شك أن السلطة الهشة في البلاد تسمح لهم بالتمدد مستغلين هيكلية السلطة الواهنة للسيطرة على الأطراف»، وفق جميح.
وفي السياق نفسه، يسلط تقرير صادر عن مؤسسة كارنيغي الضوء على العلاقة بين الحوثيين و«حزب الله»، حيث يشير الباحث فارع المسلمي إلى أن «الحوثيين يحاولون الاستفادة من تجارب (حزب الله)، فتبثّ قناة (المسيرة) اليمنية من الضاحية في بيروت بدعم فني من الحزب. ومؤخرا، تعمّقت علاقات الطرفين، توازيا مع تكرار اتّهامات الدولة اليمنيّة لإيران بدعم الحوثيين، ووضع أميركا لقائمة عقوبات جديدة ضدّ لبنانيّين في أغسطس (آب) 2013 قالت إنهم صرفوا أموالا للحوثيين في اليمن. ولا ينكر الحوثيون عادة هذا الرّابط القوي مع (حزب الله)، ويعزّز ذلك من الاعتقاد بوجود قواسم بين الطرفين كوقوفهما في التّحالف الإقليمي نفسه (طهران) على الصعيد السياسي. كما أنهما في الوقت نفسه لهما ميليشيات مسلحة تساند موقفهما السياسي وتفرضه حينما يلزم الأمر، إلا أن الميليشيات بالنسبة إلى الحوثيين هي الأداة الأبرز هذا إن لم تكن الحصرية - لا الاستثنائيّة - كما هي بالنّسبة إلى (حزب الله)».
وعلى صعيد متصل، أشار تقرير صدر مؤخرا عن «رويترز» إلى تحالف بين الحوثيين وإيران وحزب الله. وذكرت وكالة الأنباء أن الجيش الإيراني قدم الدعم المالي للحوثيين قبل وبعد سيطرتهم على صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول)، كما قدمت إيران للحوثيين أموالا نقدية تم توجيهها عبر «حزب الله»، وعمد الحزب اللبناني إلى تدريب المقاتلين الحوثيين. ووفقا لـ«رويترز»، يتولى «بضع مئات» من عناصر الحرس الثوري الإيراني تدريب المقاتلين الحوثيين في اليمن.
مع ذلك، لا يعتقد جميح أن نجاحات الحوثيين هي واضحة المعالم بعد. «فالرئيس علي عبد الله صالح لا يزال قويا، وإذا قرر يوما تشجيع الحرب ضد الحوثيين فستتبعه القبائل. كما أن الحوثيين لم يتوسعوا لأنهم أقوياء بل لأن خصومهم كانوا منشغلين بالاقتتال الداخلي في ما بينهم، فقد استغلوا الصراع بين هادي وصالح، والصراع بين الجنوب والشمال، وبين (الإخوان) و(المؤتمر الشعبي)، وبين القبائل ليُحكموا قبضتهم، أضف إلى ذلك تقليص الدعم السعودي للقبائل»، وفق جميح.
* باحثة زائرة في مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».