الحراك العراقي يحيي اليوم الذكرى الأولى لـ«انتفاضة تشرين»

عراقية تمر أمام خيم المعتصمين في ساحة التحرير وسط بغداد أول من أمس (أ.ف.ب)
عراقية تمر أمام خيم المعتصمين في ساحة التحرير وسط بغداد أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

الحراك العراقي يحيي اليوم الذكرى الأولى لـ«انتفاضة تشرين»

عراقية تمر أمام خيم المعتصمين في ساحة التحرير وسط بغداد أول من أمس (أ.ف.ب)
عراقية تمر أمام خيم المعتصمين في ساحة التحرير وسط بغداد أول من أمس (أ.ف.ب)

في مثل هذا اليوم من العام الماضي، انطلقت الموجة الثانية مما بات يعرف بـ«ثورة» أو «انتفاضة تشرين»، بعد أن كانت انطلقت في العاصمة بغداد في الأول من شهر أكتوبر (تشرين الأول) وتوقفت نتيجة موسم زيارة دينية، ثم تفجرت بشكل كبير وغير مسبوق في الخامس والعشرين من الشهر ذاته في مدن ومحافظات وسط وجنوب البلاد، من هنا فإن الدلالة الأكثر أهمية بنظر المراقبين التي كرستها الانتفاضة تمثلت في أنها «انتفاضة المواطنين الشيعة ضد الحكام من أبناء جلدتهم»، نظرا لما ارتكبوه من فساد وسوء إدارة ورهن القرار الوطني العراقي بيد قوى خارجية.
وفيما تبذل جماعات الحراك مساعي حثيثة ودعوة المواطنين والناشطين على الخروج بتظاهرات كبيرة، تراقب السلطات الاتحادية والمحلية، إلى جانب الأحزاب والقوى السياسية بحذر ما قد يحدث في الذكرى الأولى، إذ لا يغيب عن بالها ما جرى في الأيام الأولى والأشهر اللاحقة لانطلاق الانتفاضة، حيث كان من بين أبرز نتائجها إرغام رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على تقديم استقالة حكومته بعد شهر واحد من اندلاع التظاهرات والإتيان بحكومة ورئيس وزراء جديدين. وكذلك أرغم المحتجون مجلس النواب العراقي على إلغاء قانون الانتخابات والتصويت لصالح قانون الدوائر الانتخابية المتعددة.
وشهدت الاحتجاجات حرق وتجريف معظم المقار الحزبية والميليشياوية في عدد كبير من المحافظات المنتفضة، وكذلك شهدت حرق القنصليتين الإيرانية في كربلاء والنجف ردا على ما تعتبره جماعات الحراك تدخلا إيرانيا سافرا في الشؤون العراقية. غير أن ما حققته «انتفاضة تشرين» لم يأت من دون خسائر وتضحيات باهظة راح ضحيتها ما لا يقل عن 560 قتيلا، بحسب الإحصاءات الرسمية، إلى جانب إصابات تراوحت بين الشديدة والخفيفة طالت آلاف المتظاهرين نتيجة الاستخدام المفرط للقوة التي اتبعته القوات الأمنية.
ورغم الحماس الذي تبديه جماعات الحراك لإحياء الذكرى الأولى، فإنه ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت ستنطلق بكثافة وتستمر لأشهر على غرار انطلاقتها الأولى أم أنها ستقصر على يوم واحد فقط. فثمة اتجاهات احتجاجية تبشر باستمرارها والتصعيد ضد النظام برمته ورفع شعار إسقاطه، في مقابل اتجاهات تدعو للتهدئة والتزام الجانب السلمي وترجح عدم استمرارها لأشهر طويلة.
بدورها، تبدي السلطات المحلية في بعض المحافظات الجنوبية، رغبة في تجاوز مسألة الصدامات العنيفة التي وقعت بين القوات الأمنية والمحتجين سابقا. وبعد أن أعلن محافظ ذي قار ناظم الوائلي قبل أيام، عدم السماح للقوات الأمنية باستخدام الرصاص الحي والعنف المفرط ضد المتظاهرين، أصدر قائد عمليات البصرة اللواء الركن أكرم صدام مدنف، أمس، توجيهات إلى الأجهزة الأمنية العاملة ضمن قاطع عملياته، بشأن التعامل مع المتظاهرين، شدد خلالها هو الآخر على منع استخدام الأسلحة النارية «تحت أي ذريعة كانت».
وقال مدنف في رسالة وجهها للأجهزة الأمنية: إن «للمواطن حرية التظاهر وتعد أجلى صور التعبير عن الرأي وممارسة حرية الفكر والضمير على أرض الواقع وهو حق كفلة الدستور استنادا لأحكام المادة 38 على أن لا يخل بالنظام العام والآداب وأن تكون سلمية لا تميل إلى العنف والعبث بالمؤسسات والمنشآت والدوائر الحكومية والبنى التحتية وعدم عرقلة الحياة اليومية للمواطنين ودوائر الدولة». وأضاف: «واجبنا كقطعات أمنية، أوصيكم بتأمين الحماية للمتظاهرين وعدم الاحتكاك بهم ويمنع منعا باتا استخدام الأسلحة النارية تحت أي ذريعة كانت».
ولعل من مفارقات الذكرى الأولى لـ«انتفاضة تشرين»، هو البيان الذي أصدره بالمناسبة، زعيم ائتلاف «دولة القانون» ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، نظرا لأنه من بين أكثر الساسة الذين يتعرضون للانتقاد من قبل جماعات الحراك، وسبق أن قاموا بحرق مقار حزبه «الدعوة الإسلامية» في أكثر من محافظة. وقال المالكي في بيان: «نحرص على تحقيق مطالب المتظاهرين السلميين المشروعة، الذين هم إخواننا وأبناؤنا، ونصطف معهم ـــ كما كنا ـــ في حث الحكومة على الإسراع في إيجاد الحلول الكفيلة برفع معاناة المواطنين على الصعد كافة، كما نطالبها باعتماد سياسة وطنية حازمة، لتحقيق المطالب الأربعة الأساسية: الانتخابات المبكرة، واستعادة هيبة الدولة، والكشف عن قتلة المتظاهرين ومعاقبتهم، ومحاسبة الجهات التي استهدفت مؤسسات الدولة ومكاتب الأحزاب والممتلكات الخاصة والعامة». وحذر المالكي «من خطورة اختراق بعض الجهات المحلية والخارجية لصفوف المتظاهرين، والتي تحرض على أعمال العنف أو تمارسها، عبر الاعتداء على مؤسسات الدولة ومقرات الأحزاب والقوى الوطنية».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.