أصحاب الودائع الصغيرة في مصارف لبنان ضحايا الاقتطاع وتقنين السحوبات

لبنانيون ينتظرون لسحب ما يسمح به المصرف من ودائعهم (أ.ف.ب)
لبنانيون ينتظرون لسحب ما يسمح به المصرف من ودائعهم (أ.ف.ب)
TT

أصحاب الودائع الصغيرة في مصارف لبنان ضحايا الاقتطاع وتقنين السحوبات

لبنانيون ينتظرون لسحب ما يسمح به المصرف من ودائعهم (أ.ف.ب)
لبنانيون ينتظرون لسحب ما يسمح به المصرف من ودائعهم (أ.ف.ب)

لا تشبه حسرة أصحاب الودائع الصغيرة في المصارف اللبنانية الذين لا تتعدى ودائعهم 20 ألف دولار حسرة سواهم من المودعين الذين منعوا من سحب أموالهم كاملة بالدولار، وتم حصر السحوبات بمبالغ صغيرة شهرياً بالليرة اللبنانية، على أساس سعر صرف لا يمت لسعر الصرف المعتمد في السوق اللبنانية بصلة. وتشكو رنا يونس (34 عاماً) التي تملك حساباً مصرفياً لا يتجاوز ما فيه 6 آلاف و500 دولار من حصر السحوبات بمبلغ ألف دولار شهرياً، على أن يتم سحبها بالليرة اللبنانية، وعلى أساس 3900 ليرة للدولار، ما يعني عملياً الخضوع لعملية (Haircut) أو «اقتطاع» تبلغ 50 في المائة، في ظل أن سعر صرف الدولار في السوق يلامس الـ8 آلاف ليرة لبنانية. وتسأل يونس، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كيف تتم معاملة صغار المودعين الذين جمعوا مبلغ 5 أو 10 آلاف دولار بالعمل المضني لشراء سيارة أو تأمين دفعة أولى لشراء منزل كأصحاب ملايين ومليارات الدولارات؟!».
وتعامل التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان التي تضع ضوابط للسحوبات والتحويلات إلى الخارج صغار المودعين كما الكبار أصحاب ملايين ومليارات الدولارات. ويمكن الحديث عن تعميم واحد حصراً ميّز بين الاثنين، وصدر في شهر أبريل (نيسان) الماضي، فسمح لمن لا تتخطى حساباتهم الـ3 آلاف دولار أو 5 ملايين ليرة لبنانية بأن يسحبوها كاملة على سعر صرف 3900 ليرة. فأقدم عندها كثيرون على إغلاق حساباتهم بعد سحب ما فيها. ومن ذلك الحين ينتظر المودعون الآخرون الذين يملكون حسابات صغيرة لا تتجاوز الـ10 والـ20 ألف دولار تعميماً جديداً يعالج مأساتهم، من دون أن يصدر حتى الساعة، ما يضطرهم لسحب المبلغ المحدد شهرياً بالليرة اللبنانية، ما يفقدهم 50 في المائة من قيمة ودائعهم.
وما زاد الطين بلة بالنسبة لهؤلاء التلويح بوضع سقوف متدنية للسحوبات النقدية بالليرة اللبنانية، ما يعني حصرها إلى حد كبير برواتبهم، وعدم القدرة على سحب الأموال العالقة بالدولار. ورغم تعليق العمل بهذه الآلية في المرحلة الراهنة، لا يستبعد كثيرون العودة إليها في وقت قريب، بغياب القوانين التي تنظم عمل المصارف، وتضع الاقتصاد مجدداً على السكة الصحيحة.
وبحسب الباحث في الشركة الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، يبلغ العدد الإجمالي للحسابات المصرفية 2.8 مليون حساب، بينها 0.096 في المائة من الحسابات يملكون 37 مليار دولار؛ أي نسبة 24 في المائة من قيمة الودائع، مقابل 1.7 مليون حساب يملكون 960 مليون دولار؛ أي 0.65 في المائة من الودائع، وقيمة كل وديعة 5 ملايين ليرة وما دون، وقسم منهم لأصحاب الرواتب الموطنة لدى المصارف. ويرد وزير الاقتصاد السابق رائد خوري الحالة التي وصلنا إليها إلى «الاعتماد على مر السنوات الـ30 الماضية على السياسة النقدية، من دون الالتفات لاقتصاد الدولة وموازنتها، ما أدى لتداعي الطاولة التي لطالما قامت على رجل واحدة، وهي عادة في دول العالم تقوم على 3 أرجل»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الرهان على المصرف المركزي لإخراجنا مما نتخبط فيه رهان فاشل لأنه لن يستطيع بعد اليوم القيام بأي شيء، أضف إلى ذلك أن كل التعاميم التي يصدرها تفيد في مجال معين، لكنها بالمقابل تضر بمجالات كثيرة أخرى». ويضيف: «كل هذه التعاميم لن تحل المشكلة ما دمنا لم نبدأ بعد بالإصلاحات المطلوبة لخلق الثقة التي باتت مفقودة، وما دام أنه لم يتبلور بعد حل سياسي يؤدي للانفتاح على الدول العربية، ما يسمح بدخول الدولارات مجدداً إلى البلد»، مشدداً على أن «الوقت يلعب ضدنا، في ظل أنه يتم استنزاف احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية، ويتواصل الهدر، والأخطر هجرة الأدمغة من البلد».
ويشير الخبير الاقتصادي والمالي رئيس مديرية الأبحاث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك «بيبلوس»، الدكتور نسيب غبريل، إلى أن «معظم الأرقام والنسب التي يتم تداولها عن عدد المودعين الصغار، في مقابل الكبار، غير دقيقة»، نافياً ما قال إنه يتم الترويج له لغايات شعبوية وسياسية عن أن 2 في المائة من المودعين يمتلكون 90 في المائة من الودائع، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «كل المعطيات تغيرت أصلاً بعدما تم تسجيل تراجع بالودائع بلغ 31 مليار دولار منذ مطلع عام 2019 حتى شهر أغسطس (آب) 2020».
ويشدد غبريل على أن «قرارات مصرف لبنان تأتي لتملأ الفراغ الذي تخلفه السلطتان التنفيذية والتشريعية اللتين لم تقوما بأي شيء يذكر منذ اندلاع الأزمة لوضع حد للتدهور الحاصل، فإذا بهما تتقاذفان قانون الكابيتال كونترول الذي يلزم صندوق النقد بإقراره بإطار برنامج إصلاحي متكامل يجب أن ينطلق تنفيذه بعد التوصل لاتفاق تمويلي - إصلاحي مع الصندوق بأسرع وقت ممكن».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».