أزمة شح الدواء تتسع في لبنان

الأدوية المخصصة لمرضى القلب مفقودة من الصيدليات

TT

أزمة شح الدواء تتسع في لبنان

اتسعت أزمة الدواء في لبنان مهدّدة حياة المرضى، لا سيّما الذين يعانون من أمراض قلبيّة، وذلك بسبب تدهور حاله بعضهم الصحيّة إثر اضطرارهم إلى التوقّف عن تناول عدد من الأدوية المخصّصة لهم لأنّها مفقودة من الصيدليات.
رئيس قسم الطوارئ في مستشفى الحريري، الدكتور نبيل شاشا، حذّر من تبعات فقدان الأدوية بشكل عام، لا سيّما تلك المخصصة لمرضى القلب، لافتاً في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ هذا الشهر شهد زيادة في عدد المراجعات بنسبة 40 في المائة في قسم الطوارئ من مرضى يعانون من عجز في القلب، وغيره من المضاعفات، في مقابل الشهر الماضي. وأوضح أنّ عدداً كبيراً من هؤلاء المرضى كان يؤكّد توقّفه عن تناول أدويته لأنّها مفقودة من السوق، ولم يجد سبيلاً لتأمينها.
ويشكو مرضى القلب في لبنان من فقدان نوعين من الأدوية بشكل أساسي، وهما: «لازيكس» (lasix)، وهو دواء يُصنّع محلياً برخصة من معمل فرنسي، وله بديل (جنريك)، ولكنّ البديل مفقود من الأسواق أيضاً؛ و«سنتروم» (sintrom)، ولا يوجد له في لبنان أي بديل.
ويلفت شاشا، وهو طبيب لأمراض القلب، إلى خطورة توقّف المرضى الذين يحتاجون إلى هذه الأدوية لأيام عن تناولها، إذ يعرّضهم -على سبيل المثال- إيقاف تناول «لازيكس» إلى احتقان في الرئة وأزمة رئوية حادة. أما التوقّف عن تناول «سنتروم»، فقد يعرض مرضى القلب الذين يضعون صماماً معدنياً إلى الجلطات.
ويشير شاشا إلى أنّ هذه الأدوية رخيصة، ما يعني أنها أسهل من غيرها لناحية تأمين الشركات المستوردة فاتورة استيرادها، مضيفاً أنّه إذا كان سبب فقدانها صعوبة تأمين الدولار، فمن الضروري أن يعمد المستوردون إلى إعطاء أولوية لدواء على حساب دواء آخر، والتركيز على تلك الأدوية التي لا يمكن للمريض التوقّف عن تناولها، والتي ليس لها بديل (مثل جنريك)، مع تأكيد أنه في الأصل يجب ألا يكون هناك مشكلات تؤدي إلى فقدان أي نوع من الدواء من الصيدليات.
وفقدان هذه الأدوية بالتحديد دفع بعض الأطباء والمراقبين إلى الحديث عن توقف مقصود من بعض المستوردين عن استيرادها، وذلك لأنّها رخيصة؛ أي أنها غير مربحة للتجار، إلا أنّ نقيب الصيادلة، غسان الأمين، نفى هذا الموضوع، معتبراً في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ الطبيب هو من يتحكّم بالفاتورة الدوائية في لبنان «فهو وحده له الحق بوضع إشارة على وصفة الأدوية تمنع الصيدلي من إعطاء المريض أي دواء بديل آخر؛ أي أنّ الصيدلي في أكثر الأحيان لا يستطيع إبدال الدواء الذي وصفه الطبيب بدواء أرخص أو أغلى»، هذا فضلاً عن أنّ أسعار هذه الأدوية هي بحدود أسعار كثير من الأدوية الأخرى.
ويذكّر الأمين أنّ لبنان لا يستورد «جنريك» بشكل كاف، واعتماد «الجنريك» في السياسة الدوائية يحتاج إلى سنوات، بدءاً من تحديد بلد الاستيراد والشركات ودراسة الجدوى وتسجيل الدواء، وصولاً إلى تسويقه. وكرّر الأمين أنّ أسباب انقطاع الدواء، بالإضافة إلى تأخّر موافقة المصرف المركزي على الاعتمادات، ومشكلة شحّ الدولار، إقبال المواطنين في الأشهر الماضية على تخزين الدواء، ومنها أدوية القلب المفقودة حالياً، خوفاً من رفع الدعم عنها، وبالتالي ارتفاع أسعارها، فضلاً عن التهريب الذي ينشط كون سعر الدواء في لبنان الذي يباع بالليرة اللبنانية أصبح الأرخص في المنطقة، بعدما فقدت الليرة أكثر من 70 في المائة من قيمتها مقابل الدولار.
وطمأن الأمين إلى أنّ (lasix) سيكون متوافراً في الأسواق خلال الأسبوع المقبل، وأنّ كثيراً من الأدوية المستوردة، ومنها أدوية القلب المفقودة، ستعود إلى الأسواق قريباً، لا سيّما مع تراجع سعر صرف الدولار في السوق السوداء مؤخراً، ما يعني سهولة أكبر في تأمينه للمستوردين.
ويعيش لبنان منذ أشهر أزمة شحّ للدواء وصلت مؤخراً إلى حد انقطاع عدد كبير من الأدوية، لا سيما تلك المخصّصة للأمراض المزمنة وأمراض الأعصاب، فضلاً عن أنواع معيّنة من أدوية وجع الرأس.
وكان لبنان أحبط في الفترة الأخيرة أكثر من عملية تهريب دواء إلى الخارج. كما كانت وزارة الصحة أقفلت عدداً من الصيدليات، ولاحقت مستودعات تقوم بتخزين الدواء بغية تهريبه أو بيعه بأثمان مضاعفة.



آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)
من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)
TT

آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)
من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)

«داهموا منزلي واختطفوني بعد إجابتي عن سؤالك إن كان ثمة اختطافات في منطقتنا بسبب الاحتفال بعيد الثورة اليمنية، بنصف ساعة فقط».

بهذه العبارة يسرد لـ«الشرق الأوسط» أحد الناشطين السياسيين واقعة اختطافه من طرف الجماعة الحوثية بتهمة الدعوة للاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر، عقب الإفراج عنه من السجن الذي قضى فيه أسبوعين كاملين، وتعرضه للضرب والتعذيب النفسي والتهديد بإخفائه وإيذاء عائلته.

وبحسب مصادر محلية، أفرجت الجماعة الحوثية أخيراً عن عدد ممن جرى اختطافهم منذ ما قبل منتصف الشهر الماضي، على خلفية احتفالات اليمنيين بالذكرى الثانية والستين للثورة اليمنية ضد الإمامة في ستينات القرن الماضي، بينما لا يزال غالبية المختطفين رهن الاحتجاز، وتقدر مصادر حقوقية أعدادهم بالآلاف.

يتابع الناشط الشاب الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته: «حتى وقت سؤالك لم أظن أن الاختطافات ستصل إلى بلدتنا، كنت أتابع أخبار الاختطافات في المدن الرئيسية والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية»، موضحاً أنه لم يكن يتوقع حدوث اختطافات في منطقته، لكنه فوجئ بمسلحي الجماعة يقتادونه رفقة عددٍ من السكان، بينهم جيران له.

ويؤكد أنه، ورغم عدم توقع اختطافه أو اختطاف أحد من أهالي منطقته، فإنه، ومن باب اتباع الاحتياطات اللازمة، آثر أن يؤجل الاحتفال والدعوة إليه إلى ليلة السادس والعشرين من سبتمبر؛ كي لا يفوت على نفسه معايشة احتفالات اليمنيين بها، قبل أن يقضي تلك الليلة في أحد أشهر معتقلات الجماعة الذي تمارس فيه انتهاكات متعددة.

وبيّنت مصادر حقوقية يمنية أن هناك أعداداً كبيرة من المختطفين، تقدر بالآلاف، في مختلف مناطق سيطرة الجماعة الحوثية على ذمة الاحتفال بالثورة اليمنية أو الدعوة للاحتفال بها، في ظل ضعف الرصد الحقوقي، وعجز الجهات المعنية عن مواكبة الانتهاكات بسبب القيود المفروضة والإجراءات المشددة.

مسلحون حوثيون في صنعاء عشية ذكرى ثورة سبتمبر يستعدون لقمع الاحتفالات (فيسبوك)

يضيف الناشط: «تم التحقيق معي منذ الوهلة الأولى لوصولي إلى المعتقل. ولمدة تجاوزت الأربع ساعات ظل المحققون يسألونني عن دوافعي للاحتفال بعيد الثورة، وعن أي تحريض تلقيته من الحكومة الشرعية أو تحالف دعم الشرعية، وعن الأموال التي حصلت عليها مقابل ذلك».

ورغم إنكاره لكل التهم التي وجهت إليه، وإعلانه للمحققين أنه أحد ملايين اليمنيين الذين يحتفلون بالثورة اليمنية؛ لقيمتها التاريخية والمعنوية، فإنهم لم يقتنعوا بكل إجاباته، وهددوه بالإخفاء القسري والتعرض لعائلته، قبل أن يقرروا احتجازه حتى تمر ذكرى الثورة، أو حتى إنهاء التحريات حوله.

اختطافات بالجملة

بينما كانت المعلومات المتوفرة حول أعداد المختطفين خلال الأيام السابقة لذكرى الثورة اليمنية تشير إلى بضع مئات من الشخصيات الاجتماعية والكتاب والصحافيين والناشطين السياسيين والنقابيين، كشف العديد من الناشطين المفرج عنهم أن الاختطافات شملت الآلاف من السكان من مختلف الفئات.

وتعدّ محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) الأولى في إجمالي عدد المختطفين الذين جرى الكشف عن بياناتهم من قبل ناشطين ومهتمين، أوردوا أسماء 960 منهم، تليها محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء) بأكثر من 700 مختطف، فيما لم يعرف أعداد المختطفين في باقي المحافظات.

وتعذر على راصدي الانتهاكات الحصول على معلومات وبيانات كافية حول الاختطافات التي جرت في مختلف المحافظات، بسبب الاحتفال بعيد الثورة.

ووفقاً لبعض الراصدين الذين يتبعون منظمات وجهات حقوقية تعمل من خارج مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، فإن الكثير من المختطفين لا تعلم عائلاتهم سبب اختطافهم، ومنهم من لم يعلن نيته الاحتفال بالثورة.

ويذكر راصد حقوقي مقيم في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير ممن جرى اختطافهم لم تعلم عائلاتهم بذلك إلا بعد أيام من انقطاع التواصل معهم، وذلك بسبب إقامتهم وحدهم بعيداً عن إقامة عائلاتهم، وينتمي أغلب هؤلاء إلى محافظات تعز وإب وذمار.

وفي حين شملت الاختطافات الأرياف في محافظات تعز وإب وذمار والبيضاء وريمة، يشير الراصد إلى أن مديريات السدة في محافظة إب، ووصاب في ذمار، وشرعب في تعز، من أكثر المديريات التي ينتمي إليها المختطفون في صنعاء، حيث جرى اختطافهم على مدى الأيام العشرة السابقة لذكرى ثورة «26 سبتمبر»، وفي ليلة الاحتفال تم اختطاف العشرات من الشوارع بحجة المشاركة في تجمعات للاحتفالات أو لمجرد الاشتباه، وبعضهم اختطف لأنه يحمل علم البلاد.

تناقض حوثي

تقدر مصادر حقوقية أعداد المختطفين بأكثر من 5 آلاف. وفي مديرية وصاب العالي في محافظة ذمار ترجح مصادر محلية عدد المختطفين هناك بأكثر من 300 شخص، وجاءت عمليات اختطافهم بعد اعتداء مسلحي الجماعة بالضرب على شباب وأطفال من أهالي المديرية تجمعوا للاحتفال، قبل مداهمة قراهم واختطاف العشرات من أقاربهم.

حي الصالح السكني في محافظة تعز حوّلته الجماعة الحوثية إلى معتقل كبير (إكس)

وبحسب عدد من المفرج عنهم، ممن كانوا محتجزين في سجن «مدينة الصالح» في محافظة تعز، فإن المختطفين هناك بالمئات، والكثير منهم جرى اختطافهم من الأسواق والطرقات والشوارع، إلى جانب من اقتيدوا من منازلهم أو محالهم التجارية أو مقار أعمالهم.

وتقع مدينة «الصالح» في منطقة الحوبان شرق مدينة تعز، وهي مجمع سكني مكون من أكثر من 800 وحدة سكنية في 83 مبنى، حولتها الجماعة الحوثية إلى سجن لاستيعاب العدد الهائل من المختطفين من أهالي المحافظة.

ويروي مختطف آخر ممن تم الإفراج عنهم أخيراً في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مسلحي الجماعة وصلوا إلى منزله في أثناء غيابه، واقتحموه عنوة مثيرين فزع عائلته وأطفاله، وأقدموا على تفتيشه باحثين عن أعلام وأموال، وانتظروا حتى عودته إلى المنزل ليقتادوه إلى قسم شرطة، حيث جرى التحقيق معه حول منشورات كتبها على مواقع التواصل الاجتماعي.

ورغم تدخل أحد أقاربه الذي تربطه علاقة عمل تجاري مع أحد القادة الحوثيين، فإنه تم التحفظ عليه حتى ليلة ذكرى الثورة، ليغادر إلى منزله بعد كتابة تعهد بعدم المشاركة في أي احتفال أو تجمع، أو الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي عن الثورة أو عن سبب اختطافه.

اليمنيون يتهكمون على احتفالات الحوثيين بثورة «26 سبتمبر» ويصفونها بالمزيفة (إعلام حوثي)

ونبه إلى أنه صادف خلال أيام احتجازه العشرات من المختطفين الذين لا يعلم غالبيتهم سبب اختطافهم سوى الشك بنواياهم الاحتفال بذكرى الثورة.

وكانت الجماعة الحوثية دعت إلى مشاركتها الاحتفال الرسمي الذي نظمته في ميدان التحرير في وسط صنعاء، محذرة من أي احتفالات وتجمعات أخرى.

وقوبلت هذه الدعوة بالتهكم والسخرية من غالبية السكان الذين رأوا فيها محاولة لإثنائهم عن الاحتفال الشعبي بالثورة، واتهموا الجماعة بخداعهم بمراسيم شكلية للتغطية على عدائها للثورة، وسعيها إلى طمسها من ذاكرتهم.

واستدل السكان على ذلك بإجراءات الجماعة المشددة لمنع الاحتفالات الشعبية وملاحقة المحتفلين من جهة، ومن جهة أخرى بالمقارنة بين حجم احتفالاتها بذكرى انقلابها على الشرعية التوافقية في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، إضافة إلى احتفالاتها بالمولد النبوي وإضفاء صبغتها الطائفية عليه.

ويتهرب كبار القادة الحوثيين من المشاركة في احتفالات الثورة اليمنية أو الإشارة لها في خطاباتهم، ويوكلون هذه المهام لقادة من خارج الانتماء السلالي للجماعة.