كيف ينظر الليبيون إلى اتفاق وقف النار؟

بين من يعدّه فرصة أخيرة... ومن يراه مفتقداً لآليات التنفيذ

جانب من محادثات جنيف التي قادت إلى اتفاق وقف النار (أ.ف.ب)
جانب من محادثات جنيف التي قادت إلى اتفاق وقف النار (أ.ف.ب)
TT

كيف ينظر الليبيون إلى اتفاق وقف النار؟

جانب من محادثات جنيف التي قادت إلى اتفاق وقف النار (أ.ف.ب)
جانب من محادثات جنيف التي قادت إلى اتفاق وقف النار (أ.ف.ب)

لم يمنع الاتفاق على «وقف دائم» لإطلاق النار، الذي وقعته لجنة عسكرية مشتركة في جنيف أول من أمس، برعاية أممية، من بروز مخاوف بعض الليبيين من عدم التزام الطرفين المتنازعين ببنوده، فيما وصفه آخرون بأنه «خطوة جيدة ستفتح باب الأمل في ليبيا».
وتضمنت بنود اتفاق اللجنة الممثلة لـ«الجيش الوطني» وحكومة «الوفاق» الوطني أن يتم إخراج «المقاتلين الأجانب»، و«المرتزقة» من البلاد في غضون ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى انسحاب القوات من الخطوط الأمامية، والبدء في تفكيك الفصائل المسلحة لدمجها في مؤسسات الدولة.
ورحب رئيس لجنة الأمن القومي في «المؤتمر الوطني» العام (المنتهية ولايته)، عبد المنعم اليسير، بما توصل إليه فريقا مفاوضات «5+5»، داعياً إلى ضرورة قراءة الاتفاق بدقة، وقال: «إنه (الاتفاق) لم يقدم أي آليات محددة لتنفيذه، أو أي ضمانات، كما أنه زرع لغماً خطيراً يتعلق بحرس المنشآت النفطية».
ونص اتفاق اللجة العسكرية على تكليف آمر حرس المنشآت النفطية في المنطقة الغربية، وآمر حرس المنشآت النفطية في المنطقة الشرقية، ومندوب المؤسسة الوطنية للنفط بالتواصل، وتقديم مقترح حول إعادة هيكلة وتنظيم جهاز حرس المنشآت، بما يكفل استمرار تدفق النفط وعدم العبث به، ورفع المقترح إلى اللجنة العسكرية.
من جانبه قال بيتر ميليت، سفير بريطانيا السابق لدى ليبيا إنه «من الجيد أن يكون الجانبان على استعداد لتقديم تنازلات، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل»، مضيفاً أن «المسألة الأساسية هي هل ستدعم الدول التي رعت قوات عسكرية في ليبيا هذا الحل الوسط؟». ويأتي الاتفاق بعد أربعة أشهر من تخلي قوات «الجيش الوطني» عن محاولتها طيلة عام للسيطرة على العاصمة طرابلس، في مواجهات خلفت مئات القتلى وآلاف النازحين، وعمقت انعدام الثقة المرير بين المعسكرين السياسيين المتنافسين وحلفائهما العسكريين، فضلاً عن الليبيين العاديين.
وفي العاصمة طرابلس، أعرب المقاتل الموالي لحكومة «الوفاق»، سليم قشوط، عن شكوكه في استمرار وقف إطلاق النار، قائلاً: «جربنا الاتفاق السابق الذي أعلن قبل خمسة أيام من هجوم حفتر على طرابلس، والذي دُمرت خلاله البنية التحتية للعاصمة وقُتل فيه كثيرون». مضيفاً: «آمل ألا يكون هذا الاتفاق مثل سابقيه، بمعنى أن نعود للحرب مرة أخرى. سوف نلتزم به، لكننا مستعدون للرد في أي لحظة إذا تم انتهاكه».
أما المدون الليبي فرج فركاش فقد قال عبر حسابه على «فيسبوك»: «سيحسب لستيفاني ويليامز، المبعوثة الأممية لدى ليبيا بالإنابة، أنها تمكنت بدبلوماسيتها من انتزاع اعتراف موقع من الأطراف المتنازعة بوجود مرتزقة ومقاتلين أجانب لديهم».
وقادت محادثات جنيف في شقها العسكري بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. فيما تهدف المحادثات السياسية المنفصلة، التي تبدأ الاثنين إلى تشكيل هيئة حكومية جديدة، والتحضير للانتخابات.
بدوره، قال محمد دوردة، الشريك المؤسس والمدير الاستشاري لمكتب ليبيا لاستشارات المخاطر الجيوسياسية (ليبيا ديسك) إن وقف إطلاق النار «كان خطوة إيجابية ستخلق أساساً للمحادثات السياسية»، محذراً من أن «ليبيا بحاجة إلى ترتيب أمني للسماح بتشكيل حكومة. وإذا لم نتعامل مع الأزمة الأمنية فإننا سنجد أنفسنا في الوضع نفسه خلال بضع سنوات». لكن هذا تحد معقد في بلد بات ضحية مزيج من الفصائل المسلحة المتنافسة، والمرتزقة الأجانب و«الجماعات الإسلامية» المتطرفة. في هذا السياق، حذر مراقبون من أن المفاوضين في جنيف لا يسيطرون بالضرورة على حلفائهم المسلحين على الأرض، كما أنه من غير المحتمل أن تتخلى الأطراف الخارجية الفاعلة في ليبيا بسهولة عن نفوذها الذي كسبته بصعوبة. لكن رغم كل العقبات، شهدت الأيام الأخيرة تقدماً ملموساً، إذ اتفق المعسكران هذا الأسبوع على فتح خطوط النقل المحلية، وزيادة إنتاج النفط الحيوي لليبيا، التي تضررت بشدة من القتال والحصار. وقد استأنفت منشآت النفط الرئيسية الإنتاج بالفعل بعد توقف دام شهوراً.
من جهته، قال مسعود الفطماني (57 عاماً) المقيم في بنغازي، والذي يدير مجموعة من متاجر المواد الغذائية، إنه يأمل في أن يستمر وقف إطلاق النار، «بعد أن تسببت الحرب في ركود اقتصادي رهيب. لقد خسرنا الكثير من الأموال بسبب توقف حركة المبادلات التجارية بين الشرق والغرب، جرّاء إغلاق الطرق».
ورددت مدرسة اللغة الإنجليزية ميسون خليفة، التي تعمل في مدرسة خاصة في طرابلس دعوتها من أجل إحلال سلام دائم في ليبيا، بقولها: «يحذو جل الليبيين أمل. لكنهم غير متفائلين. أتمنى بصدق أن يصمد هذا الاتفاق الذي يعد الفرصة الأخيرة. ليبيا تستحق أفضل مما نعيشه اليوم».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.