بوليفيا... بلد التنوع العرقي والتجارب السياسية المثيرة

بوليفيا... بلد التنوع العرقي والتجارب السياسية المثيرة
TT

بوليفيا... بلد التنوع العرقي والتجارب السياسية المثيرة

بوليفيا... بلد التنوع العرقي والتجارب السياسية المثيرة

تشكّل مجموعات الشعوب الأصلية أكثر من نصف مجموع سكّان بوليفيا البالغ عددهم نحو 11 مليون نسبة، ما يجعل منها الدولة الأصليّة الأولى في أميركا اللاتينية بعد غواتيمالا، وتتكلّم شعوبها أكثر من 35 لغة مختلفة بالإضافة إلى الإسبانية. وكانت بوليفيا قد اعتمدت في بداية الولاية الأولى للرئيس الأسبق إيفو موراليس الاسم الرسمي «دولة بوليفيا متعدّدة القوميات» اعترافاً بعشرات القوميات العرقيّة التي تعود أصولها إلى الحُقب السابقة لوصول الإسبان التي تلك البلاد أواخر القرن الخامس عشر الميلادي.
من ناحية ثانية، تحتل بوليفيا المرتبة السادسة من حيث المساحة بين دول أميركا اللاتينية، وهي «محشورة» جغرافياً بين العملاقين البرازيل والأرجنتين وتتنازع منذ سنوات مع تشيلي حول منطقة توفّر لها منفذاً بحرياً وحيداً على المحيط الهادئ. وعلى غرار معظم دول أميركا اللاتينية التي استقلّت عن التاج الإسباني خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ما زالت بوليفيا تواجه نزاعات مع جيرانها حول الحدود البريّة منذ أن استقلّت في عام 1825 تحت اسم «البيرو العليا» قبل أن يصبح اسمها بوليفيا.
حتى عام 2006 كانت بوليفيا دولة شبه منسيّة في المحيط الإقليمي وعلى الصعيد الدولي، تشتهر بأن عاصمتها لاباز التي تقع على علو 3500 متر عن سطح البحر هي العاصمة الأعلى في العالم. ولكن مع وصول إيفو موراليس إلى سدّة الرئاسة عام 2006، كأول رئيس من الشعوب الأصلية في أميركا اللاتينية، بدأت الأنظار تتجّه إلى هذه البلد الذي غيّر اسمه الرسمي وسمح بزراعة نبتة «الكوكا» وتصنيعها وتسويقها على نطاق واسع لأغراض غذائية وعلاجية، وراح يحقق عاماً بعد عام أعلى مستويات النمو الاقتصادي في المنطقة والعالم.
بعد أيام من تولّيه مهام ولايته الأولى في العام 2006، أعلن موراليس تأميم قطاع الغاز، وقرّر توزيع مدخوله على المحافظات والبلديات والجامعات الرسمية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية والصحية والتربوية التي تهتمّ بالشعوب الأصلية والطبقات الفقيرة. يومذاك كان وراء تلك القرارات وزير للاقتصاد في مستهل العقد الرابع من عمره يدعى لويس آرسيه الذي سيتولّى مهام رئاسة الجمهورية في غضون أيام، بعد فوزه يوم الأحد الماضي، في الانتخابات التي حصد فيها حزب «الحركة إلى الاشتراكية» الغالبية المطلقة في مجلسي الشيوخ والنواب.
هذه السياسة كانت وراء ما صار يعرف بعد ذلك بـ«المعجزة الاقتصادية البوليفية» التي استمرّت تحقق نموّا سنوياً يتراوح حول 5 في المائة، حتى العام الماضي، وساهمت في أعلى نسبة عالمية لخفض معدلات الفقر حسب بيانات البنك الدولي. ورفعت مستوى دخل الفقراء بما يزيد على 40 في المائة في غضون عشر سنوات، كما ساهمت في تحقيق أعلى ارتفاع بين بلدان أميركا اللاتينية لمعدلات الحياة بلغت عشر سنوات عام 2018، حسب بيانات منظمة الصحة العالمية.
آرسيه يقول أنه لا حاجة لابتداع سياسات وبرامج اقتصادية جديدة، إذ تكفي العودة إلى الوصفة السابقة التي حققت تلك النتائج؛ ليس فقط لصالح الفقراء فقط، بل أيضاً للطبقات الوسطى والغنيّة التي هي أيضا زادت مداخيلها. ويذكّر: «كان شعارنا، وما زال، هو رفع مستوى دخل الفقراء من دون خفض مستوى دخل الأغنياء».
وحقاً، كانت سياسة آرسيه الاقتصادية تعتمد على زيادة الاستثمار العام في جميع القطاعات لتشجيع الطلب المحلي على الاستهلاك، وتنشيط الحركة الإنتاجية الداخلية وما تستتبعه من زيادة في فرص العمل. وبالفعل، ارتفع الاستثمار العام من 629 مليون دولار أميركي في عام 2005 إلى 4800 مليون دولار كمعدّل في السنوات الثلاث الماضية. غير أن التراجع الاقتصادي المتوقع بنسبة 7.9 في المائة هذا العام، إضافة إلى انخفاض أسعار المحروقات والمواد الأولية، لا يعني بسهولة إصدار نسخة ثانية من المعجزة الاقتصادية البوليفية على يد صانع النسخة الأولى.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.