حرب لا تتوقف ضد أنفاق غزة

ضربة جديدة باكتشاف نفق آخر... و«حماس» تستمر في الحفر

جنود إسرائيليون قرب الموقع الذي اكتشف فيه نفق لـ«حماس» على الحدود مع قطاع غزة (رويترز)
جنود إسرائيليون قرب الموقع الذي اكتشف فيه نفق لـ«حماس» على الحدود مع قطاع غزة (رويترز)
TT

حرب لا تتوقف ضد أنفاق غزة

جنود إسرائيليون قرب الموقع الذي اكتشف فيه نفق لـ«حماس» على الحدود مع قطاع غزة (رويترز)
جنود إسرائيليون قرب الموقع الذي اكتشف فيه نفق لـ«حماس» على الحدود مع قطاع غزة (رويترز)

وجهت إسرائيل ضربة أخرى لحركة «حماس» بعد اكتشافها نفقا تابعا للحركة يمتد من غزة إلى خارجها نحو الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، ليس لأن إسرائيل منعت فقط، احتمال تنفيذ هجوم عبر النفق، لكنها ضيعت جهدا استمر سنوات طويلة، وتم ضخ الكثير من الأموال فيه، بضربة واحدة. وأعلن الجيش الإسرائيلي رسميا أن حركة «حماس» هي التي حفرت النفق الذي اكتشف عند الحدود الجنوبية لقطاع غزة الثلاثاء. واكتشف هذا النفق خلال الأعمال لإقامة «عائق» تحت الأرض في المنطقة المحيطة بالقطاع والتي توشك على الانتهاء.
وأكد الناطق باسم الجيش أن النفق يمتد من خانيونس داخل قطاع غزة، إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، وحفر بعمق عشرات الأمتار تحت الأرض. وقال الجيش إنه نفق متفرع وتم تخصيصه للحرب القادمة ضد إسرائيل، ويخترق مسافة 10 أمتار إلى داخل الأراضي الإسرائيلية. وأوضح الجيش أن النفق لا يوجد له مخرج في إسرائيل.
وهذا ليس أول نفق تدمره إسرائيل لـ«حماس»، لكنه جاء بعد فترة طويلة على اكتشاف آخر نفق، فيما بدا أنه تغيير تكتيكي من طرف «حماس» لمنع اكتشاف الأنفاق.
وتشكل الأنفاق بالنسبة لـ«حماس» السلاح الاستراتيجي الأكثر خطورة على إسرائيل. وتستخدم «حماس» الأنفاق العسكرية لأغراض متعددة ومختلفة؛ للتخفي والهجوم ومباغتة الإسرائيليين في أي حرب برية، أو لتنفيذ عمليات. ونفذت «حماس» على مدار سنوات طويلة، من خلال الأنفاق، عمليات فاجأت فيها القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة، كما استخدمتها في تنفيذ عمليات تسلل إلى خارج القطاع داخل مستوطنات إسرائيلية.
وإضافة إلى ذلك، تستخدم قيادة القسام العسكرية، الأنفاق، باعتبارها غرفة عمليات للاجتماعات واتخاذ القرارات وقت الحرب، وفي إطلاق صواريخ بعيدة المدى على إسرائيل، وقذائف صاروخية كذلك، وهو ما يجعل رصد هذه الصواريخ التي تنطلق من الأنفاق مسألة صعبة على إسرائيل. وعملت إسرائيل لسنوات طويلة في مواجهة هذا السلاح. وفي عام 2014 شنت حربا دموية استمرت 50 يوما لتدمير هذه الأنفاق، وقالت إنها دمرت آنذاك 33 نفقا هجوميا. وضاعفت إسرائيل جهودها منذ ذلك الحين، من أجل كشف الأنفاق، من دون أن تضطر إلى خوض حرب، ونجحت في بناء نظام متقدم تمكن من كشف الكثير من الأنفاق، بينها نفق قبل عامين قالت إنه الأطول على الإطلاق.
ووحدة حفر الأنفاق، هي وحدة مستقلة عن بقية تشكيلات القسام. وتقسم أنفاق «حماس» العسكرية إلى هجومية وأخرى دفاعية. الدفاعية يتحصن بها مقاتلو «حماس» من أجل مواجهة الإسرائيليين، وتكون عادة داخل حدود القطاع فقط، وقد استخدمها المقاتلون في الشجاعية ورفح وبيت حانون، حين فاجأوا جنودا إسرائيليين في هذه المدن. أما الهجومية فتبدأ في غزة وتنتهي في إسرائيل. وأثارت الأنفاق الهجومية رعب السكان في المستوطنات الإسرائيلية. ويصل طول بعض أنفاق «حماس» الهجومية إلى 3 كيلومترات، بعمق 25 مترا تحت الأرض، بحسب ما كشف عنه الجيش الإسرائيلي.
وتشيّد القسام كل نفق بأطنان من الإسمنت حتى لا ينهار، ويكون عادة عريضا إلى حد يسمح بتحرك الأفراد بسهولة، وبعضها مجهز بسكك حديدية خفيفة وعربات نقل سريعة وفتحات جانبية. وتقدر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن «حماس» تستثمر نحو 140 مليون دولار في السنة لحفر الأنفاق تحت الأرض، سواء تلك التي تستعمل لتهريب السلاح من جهة سيناء أو لتنفيذ عمليات في الجانب الإسرائيلي. وتعتقد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، أن المسافة العامة للأنفاق تمتد إلى عشرات الكيلومترات.
وقال المتحدث باسم الجيش، إن «النفق الأخير لم يشكل خطرا فوريا على البلدات الإسرائيلية بأي مرحلة». وأضاف «كل ما يحدث في غزة هو تحت مسؤولية (حماس). حفر نفق يأتي على حساب أهالي غزة، بدل أن تصلهم الأموال».
وفي السنوات السابقة، جربت إسرائيل «مجسات» استشعار جديدة لكشف الأنفاق، لكنها أطلقت كذلك عائقا يصل إلى باطن الأرض لمنع تقدم الأنفاق. ويفترض أن ينتهي الجيش من أعمال «العائق» في شهر مارس (آذار) القادم. ورغم تدمير إسرائيل الكثير من الأنفاق لكن اكتشاف المزيد منها يعني أن «حماس» لم تتوقف عن حفرها.
وكتب يوآف ليمور في «إسرائيل اليوم» أن كشف النفق الذي حفر من غزة إلى أراضي إسرائيل يعد إنجازا عملياتيا تحت الأرض وهو الذي يقام على طول الحدود مع القطاع (...)، لأنه أيضا حدث يفيد أمرين إضافيين: عملياتي واستراتيجي. العملياتي، يبين أن منظمات الإرهاب في القطاع وعلى رأسها «حماس» لم تتخل عن فكرة الأنفاق (...)، ويحتمل أن نرى محاولات للحفر في المستقبل على مسافة أعمق حتى المياه الجوفية، أو العودة للعمل في محور التفافي من غزة إلى الأراضي المصرية، ومنها إلى الأراضي الإسرائيلية في منطقة لم يتم فيها بعد إقامة العائق التحت أرضي. والاستراتيجي، يفيد هذا الحدث أنهم في غزة يستعدون للحرب.
وقال ليمور، إن «إسرائيل على وعي باحتمالية التفجر هذه، ومحاولة إبعاد المعركة. فإلى جانب إحباط النفق الذي أشغل الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، يبذل جهاز الأمن جهدا مكثفا بالعمل على سلسلة مشاريع مدنية وإنسانية تسمح بهدوء طويل المدى في الجبهة، ولكن أحدا لا يوهم نفسه».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».