مصادر ترجح لـ «الشرق الأوسط» ضلوع «داعش» في اختطاف مسيحيين مصريين

أكدت متابعة «اختطافات سرت».. والقاهرة ما زالت بعيدة عن إصدار أمر برحيل الرعايا

مصرية تداعب طفلها داخل كنيسة السيدة مريم في حي شبرا بشمال القاهرة عشية احتفالات أعياد الميلاد (أ.ب)
مصرية تداعب طفلها داخل كنيسة السيدة مريم في حي شبرا بشمال القاهرة عشية احتفالات أعياد الميلاد (أ.ب)
TT

مصادر ترجح لـ «الشرق الأوسط» ضلوع «داعش» في اختطاف مسيحيين مصريين

مصرية تداعب طفلها داخل كنيسة السيدة مريم في حي شبرا بشمال القاهرة عشية احتفالات أعياد الميلاد (أ.ب)
مصرية تداعب طفلها داخل كنيسة السيدة مريم في حي شبرا بشمال القاهرة عشية احتفالات أعياد الميلاد (أ.ب)

في تصعيد تكرر خلال الأسبوعين الماضيين، أعلنت مصادر مصرية وليبية متطابقة أمس عن اختطاف 13 عاملا مسيحيا مصريا في مدينة سرت التي تتوسط ساحل الدولة الليبية، ليصل عدد الرعايا المصريين من الأقباط المختطفين في تلك المدينة إلى 20 فردا، فيما قتل 3 من أسرة واحدة على يد متطرفين. وفيما رجحت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» احتمالية كبرى بأن يكون عناصر من تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا خلف العملية، تروت الخارجية المصرية في التعقيب، مؤكدة أنها تتواصل مع السلطات الليبية على مدار الساعة لمتابعة الموقف.
وأكد مصدر أمني بمدينة سرت الليبية أمس اختطاف 13 عاملا مصريا مسيحيا بمدينة سرت، تابعين لقرية «العور» بمركز سمالوط التابع لمحافظة المنيا جنوب مصر. ونقلت وكالة الشرق الأوسط المصرية الرسمية عن المصدر الأمني قوله إن «ميلشيات مسلحة متطرفة اقتحمت صباح (أمس)، مجمعا سكنيا يضم عددا من المسيحيين المصريين بمنطقة الشعبية في مدينة سرت، واقتادت 13 مصريا مسيحيا إلى مكان غير معلوم حتى الآن».
وأكدت الخارجية المصرية أنها تتواصل مع السلطات الليبية لاستيضاح الواقعة، وقال السفير بدر عبد العاطي لـ«الشرق الأوسط»: «نتواصل مع السلطات الليبية لمعرفة الملابسات الكاملة، ونتابع الموضوع على مدار الساعة ولن نتسرع بالخروج باستنتاجات أو مواقف حتى تتضح الرؤية تماما».
ولكن «الشرق الأوسط» علمت من مصادر أمنية مصرية أن 10 عمال آخرين نجحوا في الفرار من الهجوم، وأنهم من قاموا بإبلاغ أطراف ليبية ومصرية عن الواقعة، التي تأتي بعد أيام قليلة من حادثة اختطاف 7 مسيحيين مصريين آخرين في المدينة ذاتها يوم الأربعاء الماضي، وكذلك حادثة مقتل طبيب مسيحي مصري وزوجته وابنته في سرت نهاية الشهر الماضي. وأشارت المصادر المصرية إلى أن «رغم ورود معلومات عن انتماء العناصر التي احتجزت المصريين إلى تنظيم فجر ليبيا، إلا أن التقارير الأمنية المبدئية لدينا ترجح بصورة كبيرة ضلوع عناصر تابعة لتنظيم داعش الإرهابي في ليبيا تحديدا في تلك العمليات»، إلا أن ذلك الأمر لا يزال «محل بحث»، وذلك لصعوبة التيقن من المعلومات بصورة مؤكدة نظرا للحالة الأمنية المضطربة في ليبيا وعدم سيطرة الحكومة المعترف بها بشكل واسع على كامل الأراضي الليبية.
وكانت الجالية المصرية من العاملين في ليبيا تقدر بنحو مليون ونصف المليون شخص وفقا للأعداد الرسمية حتى العام الماضي، فيما تشير إحصاءات غير رسمية إلى وجود نحو 3 ملايين مواطن مصري على الأراضي الليبية، عازية الفارق بين الرقمين في سببين، هما تنقل أعداد كبيرة من أبناء القبائل المنتشرة في غرب مصر إلى شرق ليبيا بصورة مستمرة، إلى جانب وجود عمالة مصرية بصورة غير قانونية على الأراضي الليبية.
وأطلقت القاهرة الكثير من التحذيرات خلال العام الماضي لرعاياها بعدم السفر إلى ليبيا من دون الحصول على إقامات صادرة رسميا من السلطات الليبية. وقالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ«الشرق الأوسط» إن «ذلك يعود إلى سببين رئيسين، أولهما احترام الدولة الليبية وحرصا على عدم تعرض المصريين إلى إجراءات الترحيل في حال إقامتهم بصورة غير مشروعة، والأهم هو حصر أعداد المصريين على الأراضي الليبية بدقة، ومتابعة إمكان وجودهم خاصة مع تفاقم الأوضاع الأمنية هناك».
كما شملت التحذيرات السفر إلى ليبيا «بغير داع»، وأصدرت الخارجية عدة بيانات بهذا المعنى، آخرها كان في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حين ناشدت جميع المواطنين المصريين الموجودين على الأراضي الليبية توخي أقصى درجات الحيطة والحذر والابتعاد تماما عن مناطق الاشتباكات المسلحة قدر الإمكان واللجوء إلى مناطق أكثر أمانا داخل ليبيا. مطالبة بعدم السفر إلى ليبيا إلا في حال الضرورة القصوى في ظل الأوضاع غير المستقرة هناك وحفاظا على سلامة الرعايا المصريين الشخصية.
وتراجعت أعداد المصريين العاملين في ليبيا بشدة منذ نحو عام مع تصاعد الاضطرابات هناك، حيث شهدت ليبيا انقساما سياسيا واضحا بوجود برلمانين وحكومتين تتنازعان السلطة في ذلك البلد، وما تزامن مع ذلك من سيطرة ميليشيات متشددة على قطاعات واسعة من الأراضي الليبية، بعضها يتبع تنظيمات إرهابية على غرار «القاعدة» و«داعش».
وبينما أكد السفير الليبي في القاهرة محمد فايز جبريل في أكثر من مناسبة أن أعداد المصريين الموجودين على التراب الليبي لم تتأثر كثيرا بالأحداث، أوضحت مصادر أمنية مصرية لـ«الشرق الأوسط» أن «أعداد العائدين إلى القاهرة في تزايد مستمر، ووصلت بعض التقديرات الأخيرة إلى أن نسبة نحو 50 في المائة مقارنة بما كانت عليه تلك الأعداد قبل 3 سنوات عادت إلى مصر بالفعل بالتزامن مع انخفاض في نسبة الإقبال على السفر إلى الأراضي الليبية».
وحول أعداد المسيحيين المصريين في ليبيا على وجه العموم، وفي مدينة سرت تحديدا لكونها أصبحت بؤرة استهداف للمسيحيين المصريين أخيرا، أوضحت المصادر المصرية الأمنية وأخرى بحثية لـ«الشرق الأوسط» أن عدد المسيحيين المصريين في ليبيا كان يبلغ نحو 100 ألف مواطن تقريبا، لكن ذلك العدد انخفض كثيرا الآن كجزء من هروب أغلب العمالة المصرية من هناك. ولم تتمكن المصادر من تقدير أعداد المسيحيين المتبقين في مدينة سرت على وجه التحديد، إلا أنها حصرتها في بضعة مئات من الأفراد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.