جاك تشارلتون... شجاعة نادرة في مواجهة «التحدي الأكبر»

فيلم وثائقي يصور كيف أصبح الرجل العملاق داخل الملعب وخارجه يعاني من الخرف

تشارلتون (الفائز بكأس العالم مع إنجلترا) فعل كثيراً من أجل تحسين العلاقة بين الإنجليز والآيرلنديين (ب.أ)
تشارلتون (الفائز بكأس العالم مع إنجلترا) فعل كثيراً من أجل تحسين العلاقة بين الإنجليز والآيرلنديين (ب.أ)
TT

جاك تشارلتون... شجاعة نادرة في مواجهة «التحدي الأكبر»

تشارلتون (الفائز بكأس العالم مع إنجلترا) فعل كثيراً من أجل تحسين العلاقة بين الإنجليز والآيرلنديين (ب.أ)
تشارلتون (الفائز بكأس العالم مع إنجلترا) فعل كثيراً من أجل تحسين العلاقة بين الإنجليز والآيرلنديين (ب.أ)

قد تعتقد أنه لا يوجد شيء آخر يجب أن يُقال عن جاك تشارلتون، في ضوء كل الإشادات والقصص التي نشرت عقب وفاته في يوليو (تموز) الماضي، لكن الحقيقة أن هناك كثيراً من الأشياء التي يجب أن تقال عن هذا الرجل العظيم، وذلك بفضل الفيلم الوثائقي القوي الذي يحمل اسم «العثور على جاك تشارلتون». ويقول غابرييل كلارك، أحد مخرجي الفيلم: «الإعلان الدعائي للفيلم الذي صدر مؤخراً يقول؛ لقد غزا العالم، وغيّر أمة، ثم واجه أكبر تحدٍ له. لقد أظهر جاك وأسرته شجاعة كبيرة في تمكيننا من توثيق ذلك والاحتفال بحياته. لأن هذا هو ما أرادوا القيام به في النهاية؛ الاحتفال بحياة لا مثيل لها».
ويشير «التحدي الأكبر» إلى الخرف الذي أصاب تشارلتون في سنواته الأخيرة. وقد سمحت عائلة تشارلتون لصناع الفيلم بالدخول إلى منزلهم خلال تلك الفترة، وكانت النتيجة تصوير لقطات تبدو حزينة وغريبة في آن واحد، خاصة عندما تتخللها مشاهد «بعضها تعرض لأول مرة» من سنوات مجده وتألقه. فمن ناحية، يكون من المؤلم للغاية رؤية هذا العملاق في حالة سيئة ولا يستطيع المشي أو التواصل مع الآخرين، وغير قادر على تذكر الكثير من حياته. وعندما رأى الميدالية التي حصل عليها عندما فاز بلقب كأس العالم مع المنتخب الإنجليزي عام 1966، قال: «يا إلهي!»
إن تصوير قسوة المرض، وإن كان بلباقة، يناسب الصدق الشديد الذي اتسم به تشارلتون طوال حياته. لكن الشيء الذي يعطي الفيلم قوته ومتعته يتمثل في رسالة مفادها أن الحياة قصيرة، وأن المعاناة من الألم أمر لا مفر منه، لكن يتعين على المرء أن يبذل قصارى جهده من أجل التغلب على المتاعب والآلام، وأنه لا يوجد سقف لما يمكن أن يقوم به الإنسان. وتجب الإشارة إلى أن «العثور على جاك تشارلتون» ليس فيلماً عن كرة القدم، على الرغم من أن كرة القدم تشغل حيزاً كبيراً منه، لكنه عبارة عن قصة حقيقية لرجل كان لاعباً ومديراً فنياً عظيماً، وشخصية تاريخية مهمة، وشخصية يمكن أن تكون عنيدة بشكل كبير في طريقة تفكيرها، بل انتقامية في بعض الأحيان، لكنه أيضاً شخص عادل ورحيم إلى أقصى حد ممكن. إنه رجل مرتبط بشدة بجذوره في شمال إنجلترا، لكنه شكّل علاقة قوية للغاية بآيرلندا أيضاً، ربما كانت أقوى من علاقته بشقيقه بوبي تشارلتون. يقول كلارك عن جاك وبوبي: «لقد كانت علاقتهما معقدة ولم يتم حلها. لقد واجها كثيراً من الصعوبات، ومن بين الأشياء التي اكتشفناها أنهما ظلا منفصلين أحدهما عن الآخر حتى النهاية، وهذا أمر محزن في حقيقة الأمر. صحيح أن هذا أمر مألوف في كثير من العائلات، لكن الناس يحبون النهايات السعيدة».
ومن بين الجواهر التي وجدها صانعو الفيلم مقابلة أجراها جاك وبوبي تشارلتون في إيطاليا خلال نهائيات كأس العالم 1990. يقول كلارك: «كان من الجيد حقاً الحصول على تلك اللقطات وعرضها أيضاً على جون (ابن جاك)، لكي نظهر أن جاك وبوبي كانا قريبين أحدهما من الآخر في بعض الأوقات، وأن بوبي كان فخوراً بإنجازات جاك». ويضم الفيلم أيضاً لقطات نادرة أو لم يسبق مشاهدتها من قبل، بما في ذلك مقتطفات من خطابات ألقاها تشارلتون بعد العشاء، بالإضافة إلى مقطع مبهج من فيلم وثائقي قديم قدّمه جاك عن قلعة دونستانبرغ في نورثمبرلاند. يقول كلارك: «طوال فترة تمتعه بصحة جيدة، كان جاك رائعاً دائماً أمام الكاميرا. لقد وجدت بعض المواد الرائعة في الأرشيف، وما لاحظناه عندما كنا نصور مع العائلة هو أنه كان لا يزال على صلة بالكاميرا».
وطوال أحداث فيلم «العثور على جاك تشارلتون»، ينتاب المشاهد شعور بأن جاك كان مفتوناً بالمنعطفات غير العادية التي حدثت في حياته، ولا سيما تجاربه في آيرلندا. وعلى الرغم من أن الفيلم تطرق لكثير من الأمور الأخرى، فقد كانت هذه هي الزاوية التي أراد صناع الفيلم التركيز عليها في الأصل. يقول كلارك عن ذلك: «كانت الفكرة الأولية هي التركيز على جاك والتحول الكبير الذي أحدثه في آيرلندا، ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، بينما كان منتخب آيرلندا يستمتع بالنجاحات التي يحققها داخل الملعب». ويتضمن الفيلم أيضاً لقاءات مع أشخاص مثل رودي دويل، وبيرتي أهيرن، ولاري مولين، بالإضافة إلى عدد من اللاعبين، من بينهم نيال كوين، وبول ماكغراث، الذين يعترفون بأنه كان معترضاً في البداية على إسناد مهمة تدريب منتخب آيرلندا لمدير فني إنجليزي.
وقد عُيِن تشارلتون مديراً فنياً لمنتخب آيرلندا في وقت احتدم فيه النزاع المسلح في آيرلندا الشمالية، لكنه ساعد في نهاية المطاف على تمهيد الطريق نحو رأب الصدع. وذهب مولين إلى أبعد من ذلك عندما أشار إلى أن جاك تشارلتون منح المواطنين الآيرلنديين العاديين الثقة في استعادة هيبة المنتخب الآيرلندي، قائلاً: «لقد تأثرت البلاد كثيراً بهذا النزاع المسلح، لكن الأمور تغيرت في 1990. عندما استعدنا العلم وجعلناه يرفرف بكل فخر. وقد كان جاك تشارلتون هو من فعل ذلك».
وإذا كان النجاح الذي حققه تشارلتون قد ساعد في تحرير بعض الآيرلنديين من حالة الشك التي كانت تسيطر عليهم، فإنه قد غيّر أيضاً الطريقة التي كان ينظر بها الشعب الإنجليزي للأمور. لقد فعل تشارلتون كثيراً من أجل تحسين العلاقة بين الإنجليز والآيرلنديين، وكان ذكياً ونشيطاً ومرحاً ومهتماً بالناس. لقد كان يفكر بوضوح، لكنه كان يغضب عندما ينتهك الآخرون خصوصياته. يقول كلارك: «سيجد كثير من المشاهدين أن اللقطات التي حصلنا عليها من الفندق الذي كان يقيم فيه منتخب آيرلندا الشمالية في كأس العالم عام 1990 رائعة. عندما تشاهد جاك وهو يغني، ستدرك أهمية هذه اللقطات، وستدرك مدى قوة العلاقة بينه وبين لاعبيه وكيف كان قائداً ناجحاً».


مقالات ذات صلة

السعودية على بوصلة الأحداث الرياضية... «ماضياً وحاضراً ومستقبلاً»

رياضة سعودية السعودية سجلت نفسها وجهة عالمية للأحداث الرياضية (الشرق الأوسط)

السعودية على بوصلة الأحداث الرياضية... «ماضياً وحاضراً ومستقبلاً»

خلال الأعوام العشرة المقبلة، ستكون السعودية على موعد مع استضافة كأس آسيا 2027، ومن ثم استضافة كأس العالم 2034، واستضافة دورة الألعاب الآسيوية «آسياد 2034».

فهد العيسى (الرياض)
رياضة عالمية الألماني هانز فليك مدرب برشلونة (إ.ب.أ)

فليك: تركيز برشلونة ينصب على ليغانيس

قال هانز فليك، مدرب برشلونة، السبت، إن فريقه يوجه كل تركيزه إلى مباراة ليغانيس المقررة الأحد.

«الشرق الأوسط» (برشلونة)
رياضة عالمية دييغو سيميوني مدرب أتلتيكو مدريد (إ.ب.أ)

سيميوني: لو نورمان سيحصل على فرصة المشاركة مع أتلتيكو

قال دييغو سيميوني، مدرب أتلتيكو مدريد، السبت، إن روبن لو نورمان سيحصل على فرصة اللعب لفترات أطول.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
رياضة عالمية الإسباني لويس إنريكي مدرب باريس سان جيرمان الفرنسي (أ.ف.ب)

إنريكي: أقدّم أفضل موسم في مسيرتي

أصر الإسباني لويس إنريكي، مدرب باريس سان جيرمان الفرنسي، السبت، على أنّ الأرقام تؤكد أنّه يخوض «الموسم الأفضل» في مسيرته.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية باولو فونسيكا مدرب ميلان يواصل مهاجمة لاعبيه (أ.ف.ب)

فونسيكا: على لاعبي ميلان الارتقاء لمستوى النادي العريق

قال باولو فونسيكا، مدرب ميلان، اليوم (السبت)، إن لاعبي الفريق بحاجة إلى تحسين نهجهم وموقفهم والارتقاء إلى مستوى التاريخ العريق للنادي.

«الشرق الأوسط» (ميلانو)

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».