صراع داخلي بين قيادات «نداء تونس» يؤجل الاتفاق حول رئاسة الحكومة

اعتقال منفذ الهجوم على مقر مؤسسة شكري بلعيد لمكافحة العنف

الباجي قائد السبسي  خلال لقائه بالمهدي جمعة داخل القصر الرئاسي في مدينة قرطاج (أ.ف.ب)
الباجي قائد السبسي خلال لقائه بالمهدي جمعة داخل القصر الرئاسي في مدينة قرطاج (أ.ف.ب)
TT

صراع داخلي بين قيادات «نداء تونس» يؤجل الاتفاق حول رئاسة الحكومة

الباجي قائد السبسي  خلال لقائه بالمهدي جمعة داخل القصر الرئاسي في مدينة قرطاج (أ.ف.ب)
الباجي قائد السبسي خلال لقائه بالمهدي جمعة داخل القصر الرئاسي في مدينة قرطاج (أ.ف.ب)

لم تفضِ المشاورات المطولة بين قيادات «النداء» إلى اتفاق نهائي حول طريقة اختيار رئيس الحكومة، إذ أكد مصدر من حركة نداء تونس لـ«الشرق الأوسط»، أن الهيئة التأسيسية للحزب، والمكونة من 11 عضوا، أبدت عدم رفضها لرئيس حكومة من خارج الحزب، لكنها لم تغلق الباب أمام إمكانية تعيين رئيس حكومة من داخل الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية بـ86 مقعدا، على حساب حركة النهضة التي حصلت على 69 مقعدا فقط.
واختار الباجي قائد السبسي، مؤسس حركة نداء تونس، الحياد تجاه الطرفين المختلفين حول أحقية حزب النداء في مسألة تعيين رئيس حكومة من داخله، وأوصى بضرورة فتح أبواب التشاور مع كل الأطراف السياسية دون إقصاء حتى تكون الحكومة متوازنة. وكلف السبسي رئيس الجمهورية الذي جرى تنصيبه الأربعاء الماضي، محمد الناصر، نائب رئيس حركة نداء تونس ورئيس البرلمان، بترشيح شخصية لتولي رئاسة الحكومة، وهو ما فتح باب التكهنات على مصراعيه، لكن دون التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف السياسية.
وساند المكتب التنفيذي لحركة نداء تونس، المكون من مائة عضو، ترشح الطيب البكوش، الأمين العام لحركة نداء تونس (من الشق النقابي داخل النداء)، في سعيه لتولي رئاسة الحكومة، إلا أن تيارا آخر داخل «النداء» ساند فكرة ترشيح شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة، وهو ما أجل الحسم في هذا الموضوع. ومن المتوقع الإعلان، غدا (الاثنين)، عن اسم رئيس الحكومة الجديدة، وذلك بعد استكمال المشاورات بين أعضاء «النداء»، أمس (السبت)، ويومه (الأحد).
وبسبب استمرار عدم التوافق في حركة النداء وخارجها بخصوص اسم رئيس الحكومة الجديد، وسيطرة تجاذبات قوية بين الأحزاب وداخل حركة نداء تونس نفسها حول مرشح توافقي، إضافة إلى عامل الوقت وضغطه، فإن اسم مهدي جمعة، رئيس الحكومة الحالية، عاد، أمس، ليطرح بقوة كمرشح للحكومة الجديدة. لكن جمعة عبر في وقت سابق عن رفضه تولي المهمة من جديد، لكن دون أن يغلق الباب تماما.
وما زال عبد الكريم الزبيدي، وزير الدفاع الأسبق، مترددا في الإجابة على العرض المقترح عليه بتولي هذه المهمة، إلا أن الزبيدي يخشى، وفق مقربين منه، من وقوعه بين نارين نتيجة الخلاف الداخلي بين قيادات حركة نداء تونس، حول أن يكون رئيس الحكومة شخصية مستقلة، أو من داخل الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية.
وفي المقابل رفعت عدة أحزاب سياسية (خصوصا تحالف الجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي) الفيتو في وجه كمال بالناصر، وزير الصناعة الحالي، بعد اقتراح اسمه من قبل مهدي جمعة، كما تضاءلت حظوظ كمال بالعربي، وزير التجهيز والإسكان الحالي، لنفس الأسباب.
ولم تشمل المشاورات، التي قادتها حركة نداء تونس مع بعض الأحزاب المزمع مشاركتها في الحكومة، كيفية تعيين رئيس الحكومة من داخل «النداء» أو خارجه. وفي هذا الصدد قال الطيب البكوش إن «الحديث والمفاوضات التي حصلت مع الأحزاب كانت بهدف التطرق إلى الهيكلة الخاصة بالحكومة والائتلاف الحكومي، وتفاصيل الحقائب الوزارية وعددها».
واتفقت حركة نداء تونس مع الأحزاب المشاركة في الاجتماعات المخصصة لتشكيل الحكومة، وأبرزها الاتحاد الوطني الحر وحزب آفاق تونس، على أن تتكون الحكومة المقبلة من 22 وزيرا و3 وزراء معتمدين، وكاتب عام للحكومة، و9 كتاب دولة. لكن يبدو، وفق مصادر مقربة من الرئيس التونسي، أن السبسي يفضل التعامل مع الوزراء والمستشارين الذين سبق لهم أن انضموا إلى الفريق الحكومي، الذي عمل معه خلال فترة ترؤسه للحكومة سنة 2011.
وتشهد أروقة حركة نداء تونس نقاشات حادة بسبب رغبة بعض أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان) الممثلين للحزب، في الحصول على نصيب من الحقائب الوزارية، وهو أمر يرفضه السبسي، وفق اتفاق سبق الانتخابات البرلمانية. كما يطفو على سطح الاختيارات الحكومية التوافق الحاصل بين حركة نداء تونس وحركة النهضة حول رئاسة البرلمان (محمد الناصر رئيسا، وعبد الفتاح مورو نائب أول للرئيس)، إذ من المنتظر أن تحظى الحكومة المقبلة بتزكية من قيادات النهضة أثناء التصديق عليها في البرلمان، حتى وإن لم تشارك في السلطة بصفة مباشرة.
من ناحية أخرى، تعرض خلال اليوم نفسه الذي استقبل فيه السبسي بسمة الخلفاوي، أرملة القيادي اليساري الراحل شكري بلعيد، ووعدها بالكشف عن حقيقة اغتياله، تعرض مقر «مؤسسة شكري بلعيد لمكافحة العنف» للخلع دون سرقة محتوياته. وأوضحت بسمة في تصريح إعلامي أن «قوات الأمن اتجهت إلى مقر المؤسسة حال الإبلاغ عن عملية الخلع ورفعت البصمات وأجرت المعاينة الأولية. وقد تمكن أعوان الأمن من التعرف على أحد الجناة وإيقافه، بفضل كاميرا المراقبة المركزة داخل المؤسسة». كما أبرزت أن الأبحاث الأمنية متواصلة للكشف عن الشخص الثاني الذي شارك في عملية الخلع.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.