دون ديليللو... رواية جديدة أشبه بـ«الكارثة»

أنجزت قبل أسابيع من ظهور وباء «كوفيد ـ 19»

دون ديليللو... رواية جديدة أشبه بـ«الكارثة»
TT

دون ديليللو... رواية جديدة أشبه بـ«الكارثة»

دون ديليللو... رواية جديدة أشبه بـ«الكارثة»

في أحد أيام العقد الأول من الألفية الجديدة، جاء زميل في قسم مراجعات الكتب في «نيويورك تايمز»، يدعى دي. جيه. آر. بروكنر، لكنه يعرف بيننا جميعاً باسم دون، إلى مكتبي الصغير. كان دون طويل القوام للغاية وظهره منحنياً بعض الشيء، بجانب تميزه بذراعين وساقين طويلتين وضخمتين، وكان على قائمة خصوم نيكسون. وكان جسده يرتجف بوضوح وأشار إلى يميني. وقال لي: «إذا ما اضطررت لقراءة 2.000 كلمة أخرى من مراجعة كتاب جون أوبديك، سألقي بنفسي من هذه النافذة». وتفوه بألفاظ بذيئة كثيرة لا مجال لذكرها هنا.
في المقابل، نجد أن دون ديليللو، على النقيض من أوبديك، لم يغمرنا بإنتاجه الأدبي المفرط. وتعتبر روايته الرشيقة الجديدة «الصمت» الـ17 عشر في مسيرته الأدبية منذ إطلاقه روايته الأولى «أميركانا» منذ قرابة 50 عاماً ماضية. ومع ذلك، راودني تجاهه شعور مشابه لما راود زملائي بخصوص أوبديك: عدم الفضول إزاء قراءة قطعة بحثية أخرى حول أعماله.
ولا أقصد من وراء ذلك أن أعمال ديليللو غير جديرة ببحثها وتفحصها، فهو قبل كل شيء كاتبنا الأول عن مشاعر البارانويا والخوف. إنه رجل نجح في سبر أغوار الحالة المزاجية السائدة في عصره، الأمر الذي يعد عنصراً حيوياً في صعود أي كاتب وبلوغه ذروة النجاح. في الواقع، إنها لمهمة رائعة يتمناها أي شخص أن يتولى مراجعة أعماله، وهو شخص يتسابق النقاد للفوز بهذه المهمة. ويسعى كل ناقد بدأب لنيل شرف مراجعة أحد أعماله تماماً مثلما يحلم كل ممثل إلى الاضطلاع بدور هاملت. وداخل ذهني، ما أزال احتفظ بالكثير من المراجعات الطموحة التي اطلعت عليها.
ومن أجل ذلك، لا أرغب في قراءة المزيد من مثل هذه المراجعات، وسأحاول ألا أكتب واحدة بنفسي أنا أيضاً.
وإذا ما انتقلنا إلى رواية ديليللو الجديدة، سنجد أنها أقرب إلى كارثة تحمل في طياتها نغمات مروعة. في الحقيقة أراها شبيهة بروايات ستيفين كينغ. وتدور أحداث الرواية حول طائرة متجهة من باريس إلى نيوارك في نيوجيرسي، وتتحطم على الأرض. وتحمل هذه الطائرة اثنتين من الشخصيات الرئيسية في الرواية، واللتين تنجوان من الحادث. وفجأة، تنقطع جميع شبكات الطاقة بمختلف أرجاء العالم. وهنا، تشتعل في ذهن القارئ التساؤلات: هل يقف وراء ذلك كائنات فضائية؟ أو الصينيون؟ أو الشخصية المجهولة المعروفة باسم «الجوكر»؟ أو «كيو أنون»؟
في الواقع، ديليللو الذي رسم ملامح «حادثة كيماوية سامة محمولة جواً» في روايته «الضوضاء البيضاء» (وايت نويز) (1985)، لديه باع طويل في رسم سيناريوهات من هذا القبيل. ومع انقطاع الكهرباء، يقول رجل ما فيما يتماشى مع فكرة عامة ظهرت في تقريباً جميع كتب ديليللو: «حالة نصف الظلام، إنها في مكان ما في العقل الجمعي. ولحظة التوقف، والشعور بأنك عايشت مثل هذا الأمر من قبل. هذا النمط من الانهيار الطبيعي أو الغزو الأجنبي. الشعور بالتحوط الذي نرثه عن أجدادنا أو أسلاف أسلافنا أو ما ورائهم. الناس في قبضة خطر داهم».
تدور أحداث رواية «الصمت» في المستقبل، في يوم «سوبر باول صنداي» عام 2022. ويتوقع ديليللو أن يشهد ذلك اليوم مواجهة ما بين «تايتانز» وسيهوكس». ويخطط اثنان من الأزواج الأثرياء تجمعهما علاقة صداقة قديمة التجمع معاً لمشاهدة المباراة على تلفزيون يتميز بشاشة بالغة الضخامة في شقة في مانهاتن.
النبأ السار بخصوص رواية «الصمت» أنها شديدة الإثارة، ومع بلوغه الـ83 ما يزال ديليللو محتفظاً بذات القدر من الاهتمام والحرص إزاء بناء الجمل والتراكيب مثلما كان دوماً. ومثل الجميع، أشعر بالانجذاب تجاه قصص الطائرات المحطمة ونهاية العالم. وعلى مدار الجزء الأكبر من الوقت، نجح ديليللو في الاستحواذ على اهتمامي، ولم أشعر بالندم ولو للحظة واحدة على الشروع في قراءة هذه الرواية.
أما النبأ السيئ هنا فهو أن الرواية لا تخلو من التظاهر والتكلف الذي تحول إلى سمة مميزة للأعمال الأخيرة لديليللو. الحقيقة أنه خلال أول فصلين، تبدو رواية «الصمت» عملاً أدبياً يدور حول كارثة. وبالنظر إلى أن عدد صفحاتها لا يتجاوز 117 صفحة فقط، يسيطر على القارئ شعور بأنها انتهت قبل حتى أن تبدأ.
في روايته «زيرو كيه»، الصادرة عام 2016. كتب ديليللو: «نصف العالم يعيد تجديد المطبخ، بينما النصف الآخر يتضور جوعاً». هنا، تنتمي الشخصيات إلى النصف الذي يعيد تجديد المطبخ من العالم. ويستغل ديليللو المباراة كأداة لتناول واحدة من الموضوعات المألوفة: نزوات الاستهلاك العام.
تجري فعاليات المباراة داخل ما أشارت إليه إحدى الشخصيات بأنه «نيزل ديكونجستنت ميموريال كوليسيوم» (مدرج النصب التذكاري لاحتقان الأنف). وتقول ديان، التي تعمل طبيبة، عن زوجها: «ماكس لا يتوقف عن المشاهدة. لقد تحول إلى مستهلك ليست لديه نية في شراء شيء. وبإمكانه مشاهدة 100 إعلان خلال الساعات الثلاثة أو الأربعة القادمة».
تنتظر ديان وماكس وصول جيم وتيسا القادمين من باريس. إلا أن الطائرة التي تقلهما تفقد طاقتها في الجو في منتصف الرحلة، على نحو يشبه ما حدث لطائرة ويليام هيرت على نحو مثير للفزع في أعقاب تحطم قمر صناعي يعمل بالطاقة النووية في رواية «حتى نهاية العالم» (أنتيل ذي إند أوف ذي وورلد) لويم ويندرز.
وأثار تعليق ديليللو عن الطائرة وهي في منتصف رحلتها جملة كنت قد قرأتها في كتاب «المسكون» للكاتبة إليف باتومان: «السفر جواً يشبه الموت: فهو يأخذ كل شيء منك». ينجو جيم وتيسا من تحطم الطائرة بعد أن تعرضا لإصابات بسيطة. وينجحا في شق طريقهما عبر الشوارع التي يخيم عليها الظلام، على نحو يبدو غير منطقي بعض الشيء، حتى يصلا إلى حفلة الـ«سوبر باول».
جدير بالذكر هنا أن كتابة رواية «الصمت» أنجزت قبل ظهور وباء فيروس «كوفيد - 19»، ومع هذا فإن أجواءها النفسية تبدو ملائمة للحظة الراهنة. إننا مثلما كتب ديليللو: «نرافق بعضنا البعض عبر هذه الحالة من الأرق الجماعي في فترة لا يمكن تصورها».
والملاحظ أن غياب المعرفة يفسح الطريق أمام حالة من البارانويا والخوف الشديد ـ سمات لطالما بثها ديليللو في أعماله الخيالية.
أما الفكرة الكبرى وراء هذه الرواية فتعتمد على عبارة شهيرة لإينشتاين: «لا أدري بأي أسلحة سيجري خوض الحرب العالمية الثالثة، لكن المؤكد أن الحرب العالمية الرابعة ستكون بالعصي والحجارة».
بوجه عام، يمكن القول بأن رواية «الصمت» تنتمي للأعمال الأدنى مستوى لديليللو. ومع أن الأجيال القادمة ستكون رحيمة في حكمها عليه، فإنها في الغالب لن تتعامل مع هذه الرواية على محمل الجد.
في ثنايا الرواية، يوحي ديليللو بأن الوجود الإنساني ملعون في جوهره هذا، وأن: «الحياة يمكن أن تصبح على قدر بالغ من الإثارة لدرجة تنسينا خوفنا منها».
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.