بايدن يواجه «معركة شاقة» للفوز رغم تقدمه في الاستطلاعات

هل تسمح الأصوات الـ538 في «المجمع الانتخابي» لترمب بتكرار تجربة 2016؟

التصويت المبكر بدأ في ولاية فلوريدا المهمة الممثلة بـ29 صوتاً انتخابياً في المجمع الانتخابي (أ.ف.ب)
التصويت المبكر بدأ في ولاية فلوريدا المهمة الممثلة بـ29 صوتاً انتخابياً في المجمع الانتخابي (أ.ف.ب)
TT

بايدن يواجه «معركة شاقة» للفوز رغم تقدمه في الاستطلاعات

التصويت المبكر بدأ في ولاية فلوريدا المهمة الممثلة بـ29 صوتاً انتخابياً في المجمع الانتخابي (أ.ف.ب)
التصويت المبكر بدأ في ولاية فلوريدا المهمة الممثلة بـ29 صوتاً انتخابياً في المجمع الانتخابي (أ.ف.ب)

على رغم تقدمه الثابت منذ أسابيع في غالبية استطلاعات الرأي، يواجه مرشح الحزب الديمقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن، معركة شاقة للتغلب على غريمه الجمهوري الرئيس دونالد ترمب، وأخذ مكانه في البيت الأبيض. يرد ذلك إلى تعقيدات يتسم بها النظام الانتخابي في الولايات المتحدة، حيث يقترع الناخبون في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ليس مباشرة لمرشح الحزب الجمهوري، أو لمنافسه من الحزب الديمقراطي، وإنما في الواقع لاختيار مندوب عن المقترعين، يسمى «الناخب». وهناك 538 ناخباً يصوتون بعد ذلك لاختيار الرئيس نيابة عن الناس في كل الولايات الأميركية، حيث يجري تخصيص عدد معين من الناخبين لكل ولاية، بناءً على عدد الدوائر الانتخابية لها في مجلس النواب، بالإضافة إلى صوتين إضافيين يمثلان مقعدي الولاية في مجلس الشيوخ. وهناك ثلاثة أصوات انتخابية لواشنطن العاصمة، على الرغم من عدم وجود تمثيل لها في الكونغرس. ويحتاج أي مرشح للفوز بأكثرية ما لا يقل عن 270 من أصوات الناخبين الـ538. ويزيد الأمر تعقيداً أن عملية ترشيح الناخبين تختلف باختلاف الولاية والحزب. ولكنها تحصل عموماً بواحدة من طريقتين. قبل الانتخابات، تختار الأحزاب السياسية الناخبين في مؤتمراتها العامة، أو يجري التصويت لهم من قبل اللجنة المركزية للحزب. وتعمل الهيئة الانتخابية دائماً تقريباً بنظام يأخذ الفائز فيه كل شيء، حيث يطالب المرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات في الولاية بكل الأصوات الانتخابية لتلك الولاية. وعلى سبيل المثال، في عام 2016، هزم ترمب، وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، في فلوريدا، بهامش 2.2 في المائة فقط، مما مكنه من الحصول على كل الأصوات الانتخابية البالغ عددها 29 في فلوريدا. وعلى هذا المنوال، كانت الهوامش الصغيرة في حفنة من الولايات الرئيسية المتأرجحة، تعني أنه، بغض النظر عن تقدم التصويت على المستوى الوطني لمصلحة كلينتون، استطاع ترمب الفوز في العديد من الولايات المتأرجحة، وبالتالي الفوز بمزيد من الأصوات في المجمع الانتخابي. ويمكن أن يواجه العقبة ذاتها في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا ما يدفعه إلى تركيز حملته على حفنة من الولايات لضمان الفوز بالرئاسة.
فيما يعكس عدد الأصوات الانتخابية للولاية إلى حد ما عدد سكانها، فإن الحد الأدنى لعدد الأصوات هو ثلاثة لكل ولاية. وهذا يعني أن القيمة النسبية للأصوات الانتخابية تختلف عبر الولايات المتحدة. فالولايات الأقل اكتظاظاً بالسكان مثل نورث داكوتا وساوث وداكوتا وغيرهما من الولايات الصغيرة على الساحل الشمالي الشرقي تحظى بتمثيل زائد بسبب هذا الحد الأدنى لعدد الأصوات. وفي الوقت ذاته، تجد الولايات التي يقيم فيها أكبر عدد من الناس مثل كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا، بأن تمثيلها ناقص في المجمع الانتخابي. وفي عملية حسابية بسيطة، يتبين أن هناك مندوباً انتخابياً لكل 193 ألف شخص في ولاية وايومينغ، مقارنة بمندوب انتخابي واحد لكل 718 ألف شخص في ولاية كاليفورنيا. وهذا يعني أن كل صوت انتخابي في كاليفورنيا يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص في ولاية وايومينغ. وتتكرر هذه الفوارق في كل أنحاء البلاد. ويحذر الخبراء من أن المجمع الانتخابي تشوبه العيوب، لأنه أدى إلى انتخاب رئيسين حصلا على عدد أقل من الأصوات مقارنة بخصومهما منذ عام 2000، حين فاز آل غور بأكثر من نصف مليون صوت مقارنة بجورج بوش الابن، الذي انتهى رئيساً بسبب فوزه بفلوريدا بفارق 537 صوتاً فقط.
قال البروفسور جورج إدواردز، من جامعة «تكساس آي آند إم»، إن «المجمع الانتخابي ينتهك المبدأ الأساسي للديمقراطية، وهو أن كل الأصوات متساوية»، مضيفاً أن هذا المجمع «يسمح للمرشح الذي يحصل على المركز الثاني بأن يفوز في الانتخابات». وتساءل: «لماذا نجري الانتخابات إذا لم نهتم بمن حصل على العدد الأكبر من الأصوات؟». وأوضح أن «المجمع الانتخابي يفضل الجمهوريين في الوقت الحالي بسبب طريقة توزيع أصوات الجمهوريين في كل أنحاء البلاد. يرجح أن يحصل في الولايات التي يتقاسمها الحزبان بصورة متقاربة». وفي ظل نظام الفائز يأخذ كل شيء، يصير هامش النصر في الولاية غير ذي صلة. ففي عام ٢٠١٦، فشلت الهوامش الكبيرة لكلينتون في ولايات مثل كاليفورنيا ونيويورك في كسب ما يكفي من الأصوات الانتخابية، بينما سمحت السباقات المتقاربة في ولايتي بنسلفانيا وميشيغن لترمب بالحصول على غالبية الـ270 صوتاً للفوز في الانتخابات الرئاسية، علماً بأن كلينتون تقدمت عليه بنحو 2.6 مليوني صوت على المستوى الوطني. لأن المرشحين يفوزون بسهولة بالأصوات الانتخابية لولاياتهم الصلبة، تجري الانتخابات في عدد قليل من «ساحات المعارك» الرئيسية. في عام 2016، فاز ترمب بالولايات الست المتأرجحة، وهي فلوريدا وأيوا وميشيغن وأوهايو وبنسلفانيا وويسكونسن، مضيفاً 99 صوتاً انتخابياً توصف بأنها «ذهبية» إلى مجموع أصواته. وتختلف التركيبة السكانية لهذه الولايات عن المعدل الوطني. يعيش فيها المسنون وعدد أكبر من الناخبين البيض غير المتعلمين جامعياً، وغالباً ما يكون لديهم عدد أقل من السكان غير البيض. وهذه الخصائص يفضل الجمهوريون عموماً، وهي شكلت قاعدة أصوات ترمب في عام 2016، إذ صوت 67 في المائة من البيض غير الحاصلين على تعليم جامعي لمصلحة ترمب. وفي كل الولايات الست المتأرجحة، تمثلت هذه التركيبة السكانية بشكل زائد بما لا يقل عن ست نقاط مئوية أكثر من المتوسط الوطني.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟