أحداث العام 2014: الأسهم الأرجنتينية في المقدمة.. والدولار الأقوى

المخاطر الجيوسياسية تحكمت في معدلات النمو وتحرك أسعار السلع والمعادن

أحداث العام 2014: الأسهم الأرجنتينية في المقدمة.. والدولار الأقوى
TT

أحداث العام 2014: الأسهم الأرجنتينية في المقدمة.. والدولار الأقوى

أحداث العام 2014: الأسهم الأرجنتينية في المقدمة.. والدولار الأقوى

بدأ عام 2014 ساخنا على الصعيد السياسي، وسط أجواء عاصفة ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي بشكل ملحوظ، لتنخفض توقعات النمو للاقتصاد العالمي، وتنكمش اقتصادات وتنمو أخرى.
وكانت المخاطر الجيوسياسية هي المحرك الأهم خلال العام المنقضي، وسط تصاعد حدتها تارة بين روسيا والغرب وتارة أخرى في الشرق الأوسط في العراق وليبيا وغزة. ودفعت تلك التوترات البنك الدولي لتخفيض توقعاته للنمو الاقتصادي في العام المقبل، متأثرا بتفاقم التوترات الجغرافية - السياسية.
وقال البنك الدولي في تقريره الأخير إن مخاطر الركود وانخفاض النمو في الاقتصادات المتقدمة وتراجعه في الأسواق الصاعدة، على المدى المتوسط، دفعته لتخفيض توقعاته.
ورغم هذا الأداء الاقتصادي الباهت للعديد من الدول حول العالم، فإنه ارتفع 40 مؤشرا بأسواق الأسهم خلال عام 2014، حيث أظهر رصد الوحدة الاقتصادية في جريدة «الشرق الأوسط» لـ55 مؤشرا للأسهم حول العالم من خلال 51 دولة، انخفاض 15 مؤشرا لأسواق الأسهم فقط، وتصدر مؤشر بوينس آيرس الأرجنتيني مؤشرات الأسهم العالمية المرتفعة خلال عام 2014، بنسبة نمو قدرها 53 في المائة، حيث أغلق في نهاية الأسبوع الماضي عند 24724 نقطة.
ورغم هذا النمو في مؤشر الأسهم الأرجنتيني فإن بوينس آيرس كانت خلال هذا العام على شفا الإفلاس، وصنفتها الوكالات الدولية بشكل سلبي، وذلك بسبب إصرار الدائنين على رفض تسوية ديونهم معها والتي تقدر بنحو 105 مليارات دولار.
والدائنون هما صندوق التحوط «أوريليوس» و«إن إم إل للمضاربة»، اللذان حصلا على حكم لمصلحتهما من محكمة في نيويورك، لتقر لجنة تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا في نهاية الشهر الحالي ينص على تشكيل «هيئة خاصة» مهمتها وضع «إطار قضائي متعدد الأطراف يطبق على عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية».
أما عن أكثر الأسواق العالمية تراجعا خلال عام 2014، فكان مؤشر أثينا للأوراق المالية، حيث انخفض بنسبة 27 في المائة ليصل مع نهاية الأسبوع الماضي إلى 853 نقطة. ورغم هذا التراجع بسوق الأسهم اليونانية، فإن الاقتصاد استطاع أن يخرج من عنق الزجاجة خلال الربع الثالث من عام 2014، حيث حقق نموا بمقدار 1.7 في المائة على أساس سنوي، وبنسبة 0.7 في المائة على أساس فصلي، ليخرج بذلك من معاناة امتدت لست سنوات متتالية من الركود، ويضع نهاية لواحدة من أشد فترات الانكماش الاقتصادي في التاريخ الأوروبي الحديث.
واستطاعت اليونان أن تعود في أبريل (نيسان) الماضي لأسواق المال الدولية بعد غيابها لأربع سنوات، في إشارة لقدرتها على دفع عجلة النمو ومواجهة الديون التي تثقل كاهلها، ونجحت بالفعل في إصدار سندات حكومية بقيمة ثلاثة مليارات يورو (4.16 مليار دولار) استحقاق خمس سنوات، وشهدت إقبالا من المستثمرين الدوليين.
وعلى صعيد أداء العملات، فلم يستطع أحد أن ينجح أمام الدولار، حيث تراجعت 36 عملة رصدت أداءها الوحدة الاقتصادية أمام الدولار خلال العام الحالي، كما ارتفع مؤشر الدولار لأعلى مستوياته ليصل بنهاية تداولات الأسبوع الماضي إلى 90.03 نقطة، مرتفعا عن العام الماضي بنسبة 12 في المائة.
ورغم أداء الدولار الجيد المصحوب بنشاط الاقتصاد الأميركي، فإن بداية العام لم تتشابه مع نهايته، حيث بدأت الولايات المتحدة الربع الأول من عام 2014 بانكماش للمرة الأولى خلال ثلاث سنوات، تحت ضغط شتاء قارس البرودة، ألقى بظلاله على النشاط الاقتصادي، ليتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1 في المائة، في أسوأ أداء للاقتصاد منذ الربع الأول من 2009.
وكان تلك التراجع مرتبطا بالشتاء الذي أغلق العديد من المصانع وأدى لتراجع الإنفاق الاستهلاكي للمواطنين، ومع نهاية الشتاء تغير الحال، فعاد الاقتصاد للنمو خلال الربع الثاني، وانتعش خلال الربع الثالث، لترتفع تقديرات النمو لأعلى مستوياتها في 11 عاما، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المائة، وذلك بسبب ارتفاع إنفاق المستهلكين بأعلى معدل له منذ نهاية عام 2013، وهو الذي يمثل أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي الأميركي.
وانعكس هذا النمو الاقتصادي على سوق العمل الأميركية، حيث ارتفع عدد الوظائف بأعلى وتيرة في نحو ثلاث سنوات، ليرتفع بمقدار 321 ألف وظيفة في الشهر الماضي، مسجلا بذلك أعلى زيادة منذ يناير (كانون الثاني) 2012، كما استقر معدل البطالة دون تغيير عند 5.8 في المائة، وهو أدنى مستوى له في ست سنوات، لتشهد بذلك الأشهر العشرة الأولى من عام 2014 أكبر فترة متواصلة من نوعها منذ عام 1994 لنمو الوظائف.
وأظهر تحليل الوحدة الاقتصادية تصدر العملة الروسية «الروبل» لأكثر العملات تراجعا أمام الدولار خلال عام 2014، حيث تراجع الروبل 39 في المائة أمام الدولار خلال عام 2014، ليصل إلى 0.0185 دولار في نهاية الأسبوع الماضي.
وشهد شهر فبراير (شباط) من عام 2014 بدء الأزمة الروسية، حيث طالبت الحركة الموالية لروسيا في أوكرانيا بضم شبه جزيرة القرم لروسيا، مع بدء حركات التمرد في كل من دونيتسك أوبلاست ولوغانسك أوبلاست. لتعلن بعدها روسيا في مارس (آذار) ضم شبه جزيرة القرم بعد موافقة مواطني شبه الجزيرة على الانفصال عن أوكرانيا، مما استدعى مجموعة الثماني لعقد اجتماع طارئ قامت فيه بتعليق عضوية روسيا، وقام بعدها الرئيس الأميركي في أبريل بتوقيع حزمة عقوبات على موسكو.
وعانت روسيا من العقوبات الغربية عليها، حيث صرح وزير الاقتصاد الروسي «أليكس أوليوكاييف» لوسائل الإعلام بأن تلك العقوبات ستؤثر على اقتصاد بلاده، وتنبأ البنك المركزي الروسي بخروج رؤوس أموال بنحو 120 مليار دولار العام المقبل و75 مليار دولار في عام 2016.
ولم تلتقط روسيا أنفاسها بعد من تلك العقوبات حتى واجهت تراجع أسعار النفط، والذي كان أحد العوامل المهمة المؤثرة على أداء الاقتصاد الروسي، الأمر الذي دعا البنك الدولي لتخفيض توقعاته للنمو في عام 2015، لتصل إلى 0.7 في المائة، محذرا من تراجع بنسبة 1.5 في المائة في حال تدني أسعار النفط عن 70 دولار للبرميل. وكانت توقعات المركزي الروسي أكثر تشاؤما حيث أشارت لانكماش الاقتصاد في الربع الأول من العام المقبل، وتراجعه بنسبة 4.5 في المائة خلال 2015 كله، إذا تراجع متوسط أسعار النفط إلى 60 دولارا للبرميل.
وأثرت أسعار النفط بشكل كبير على الأداء الاقتصادي للعديد من الدول، فليست روسيا فقط التي تأثرت، وإنما انتقل هذا الأثر لغالبية الدول المنتجة الكبرى، حيث حذر تقرير صادر من وكالة التصنيف العالمية «موديز» من تأثر الدول المصدرة للنفط والتي تعتمد إيراداتها بشكل كبير على العائدات النفطية، وأنها ستجد صعوبة في التكيف مع انخفاض أسعار النفط واستيعابها.
ورغم البداية القوية التي شهدتها أسعار النفط، حيث ارتفع خام برنت خلال يونيو (حزيران) لأعلى سعر له في تسعة أشهر متجاوزا مستوى 115 دولارا للبرميل، كما ارتفع الخام الأميركي متجاوزا 106 دولارات للبرميل في الفترة نفسها الزمنية، جاءت تلك القفزات بدعم من تصاعد أحداث العنف في العراق، وإرسال الولايات المتحدة لمستشارين عسكريين لدعم القوات العراقية في مواجهة المسلحين الساعين للسيطرة على المصافي العراقية.
لكن هدأت التوترات في العراق، مما دفع الأسعار للهدوء وخفض وتيرة الارتفاع، ومع هذا الهدوء بالوضع العراقي استأنفت ليبيا الإنتاج من حقل الشرارة الذي تبلغ طاقته 340 ألف برميل يوميا، بعد أن أنهى محتجون إضرابا استمر أربعة شهور، كما استعادت الحكومة الليبية سيطرتها على عدد من الموانئ لتنهي حصارا استمر قرابة العام.
ومع انحسار القلق بشأن الصراع في أوكرانيا تتراجع الأسعار لأدنى مستوياتها في أكثر من عام خلال أغسطس (آب)، ثم تكمل تلك التراجعات ليصل خام برنت إلى مستوى 58.50 دولار للبرميل، والخام الأميركي إلى 53.94 دولار للبرميل، وهي أدنى مستويات لهما منذ أكثر من خمس سنوات.
وجاء هذا التراجع مع بدء تخفيض التوقعات العالمية للطلب على النفط، حيث راجعت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لنمو الطلب في العام المقبل لينمو بمقدار 900 ألف برميل يوميا في 2015 - أي أقل 230 ألف برميل يوميا بالمقارنة مع توقعاتها السابقة - إلى 93.3 مليون برميل يوميا.
كما أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأميركية عن تخفيض توقعاتها أيضا للطلب العالمي على النفط الخام بمقدار 200 ألف برميل يوميا، ليصل إلى 92.3 مليون برميل يوميا في عام 2015.
وفي السياق نفسه، خفضت «أوبك» توقعات الطلب على نفطها إلى 28.9 مليون برميل يوميا خلال العام المقبل، مقارنة بنحو 29.4 مليون برميل يوميا في عام 2014.
ومع إغلاقات الأسبوع الماضي، فقد النفط خلال هذا العام قرابة نصف مكاسبه التي حققها على مدار السنوات الخمس الماضية، حيث تراجع الخام الأميركي بنسبة 44 في المائة مقارنة بالعام الماضي، بينما تراجع خام برنت بنسبة 46 في المائة.
ومع تصاعد وتيرة الأحداث الجيوسياسية وانكماش الاقتصاد الأميركي في الربع الأول، كان الرابح الأكبر هو المعدن النفيس الذي ارتفع في مارس (آذار) متجاوزا مستوى 1388 دولارا للأوقية وهو الأعلى له خلال ستة أشهر، مرتفعا بذلك بنسبة 16 في المائة، إلا أنه مع انحسار تلك المخاوف وعودة الاقتصاد الأميركي للانتعاش تراجع إلى مستوى 1241 دولارا.
ولكن لم يدم هذا الانخفاض طويلا، فمع تصاعد الأحداث خلال شهري يونيو ويوليو (تموز) مع سيطرة «داعش» على عدد من المدن العراقية، واشتعال الحرب على غزة، عاد المعدن النفيس للارتفاع مرة أخرى، لكنه لم يستطع أن يكمل سلسلة الصعود، ليهبط بشكل متواصل إلى 1138 دولارا وهو الأدنى له في أربع سنوات.
ومع هذا التراجع، انخفضت حيازات الصناديق الكبرى مثل صندوق «SPDR» وهو أكبر صندوق مؤشرات مدعوم بالذهب في العالم لأقل مستوى له في ست سنوات، مما يظهر الإحجام عن المعدن النفيس كملاذ آمن للمستثمرين، لتصل الأسعار الفورية للذهب في نهاية الأسبوع الماضي إلى مستوى 1196 دولارا للأوقية، منخفضة بذلك بنسبة طفيفة قدرها 0.5 في المائة عن العام الماضي.
ولم تكن تلك المخاطر هي الوحيدة التي أثرت على أداء الأسواق العالمية، فمع ظهور وباء الإيبولا تراجع عدد من القطاعات المهمة حول العالم، وبوفاة مريض في الولايات المتحدة وإصابة آخر في إسبانيا بدأ الهلع يدب في أسعار أسهم شركات السفر والنقل.
واستهل عام 2014 بدايته مع وباء الإيبولا، حيث يتراوح قتلى الفيروس خمسة آلاف شخص غالبيتهم في غرب أفريقيا، مما دعا بنك «باركليز» للتحذير من تفشي المرض وتأثيره على الاقتصاد العالمي والأسواق، وزاد من توقعاته بأن تأثير المرض يمكن أن يتجاوز تأثير مرض الالتهاب الرئوي الحاد «سارس» في عام 2013.
وقال البنك الدولي في مذكرة بحثية له إن الأثر الاقتصادي للمرض يمكن أن يزيد إلى ثمانية أضعاف، مما سيوجه ضربة من المحتمل أن تكون كارثية لبلدان غرب أفريقيا، مشددا على أن أكبر الآثار الاقتصادية للأزمة ليست نتيجة للتكاليف المباشرة فقط (الوفيات، والإصابة بالأمراض، وتوفير الرعاية، والخسائر المرتبطة بأيام العمل) بل نتيجة للتكاليف الناشئة عن سلوك النفور بدافع الخوف من الإصابة بالعدوى. وهذا بدوره يؤدي إلى الخوف من التجمع والاختلاط بالآخرين، ويقلل من مشاركة القوى العاملة، ويغلق أماكن العمل، ويعطل وسائل النقل، ويدفع بعض صناع القرار في الحكومة والقطاع الخاص إلى إغلاق الموانئ البحرية والمطارات.
ومع تحذيرات تفشي الإيبولا كان هذا الوباء هو محور اجتماع مجموعة العشرين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث تعهدوا بمكافحة الوباء والقيام بالجهود الرامية لإخماد تفشيه والقضاء على إضراره بالبشر. ووسط هذه المخاطر العالمية عانت أوروبا من مخاوف مختلفة ألقت بعبئها على النمو الاقتصادي للقارة العجوز، حيث بقي إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو عند مستوياته في الربع الثاني، بسبب انكماش الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصادات منطقة اليورو، كما لم ينجح الاقتصاد الفرنسي في تحقيق أي نتائج إيجابية وتوقف نموه الاقتصادي، مع انكماش الاقتصاد الإيطالي مجددا.
ومع دخول الربع الثالث تسارع نمو اقتصادات منطقة اليورو لنسبة 0.2 في المائة، مقابل نمو بنسبة 0.1 في المائة خلال الربع الثاني، والتي عدلت الثبات عند مستويات الصفر، لتعد بذلك القراءة الحالية أفضل من توقعات المحللين عند نمو بنسبة 0.1 في المائة.
ومع هذا الأداء الاقتصادي الباهت، تراجعت معدلات التضخم خلال شهر نوفمبر لتصل لأدنى مستوياتها في خمس سنوات، حيث تراجع مؤشر أسعار المستهلكين السنوي إلى 0.3 في المائة، ليزيد بذلك الضغط على البنك المركزي الأوروبي للقيام بالمزيد من البرامج التحفيزية. فمع استمرار تراجع الأسعار يعزف المستهلكون والمؤسسات عن الشراء، أملا منهم في أن تتراجع الأسعار أكثر من ذلك، مما يؤثر بشكل مباشر على اقتصاد منطقة اليورو، ويتسع هذا التأثير تباعا على النشاط الإنتاجي، وهو ما وضح جليا في ارتفاع عدد العاطلين عن العمل بنحو 60 ألف شخص في نوفمبر الماضي، وهو أكبر ارتفاع شهري منذ يناير (كانون الثاني) 2013.
وحاول البنك المركزي الأوروبي التصدي لتلك الظاهرة بتخفيض معدلات الفائدة إلى المنطقة السلبية، ورفض نائب رئيس البنك في تصريحات حديثة له دخول منطقة اليورو إلى حالة من الانكماش، وأن هذه الحالة يجب أن تستمر معدلات التضخم السلبية فيها لفترة طويلة حتى يحدث الانكماش، وهذا التباطؤ في نمو التضخم هو مجرد ظاهرة مؤقتة.
* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»

 



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.