فاز المرشح القومي المدعوم من تركيا إرسين تتار بـرئاسة «جمهورية شمال قبرص التركية»، التي لا تعترف بها إلا أنقرة. فماذا ستكون تداعيات ذلك على الجهود التي لطالما تعطلت لإعادة توحيد الجزيرة وعلى النزاع الأوسع نطاقاً في شرق المتوسط؟
تصدر تتار الجولة الأولى من الانتخابات بنسبة 32 في المائة من الأصوات متقدماً على «الرئيس» المنتهية ولايته مصطفى أكينجي (30 في المائة) الذي تجمعه علاقات فاترة بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان. ولم يسمح دعم المرشح الثالث الاشتراكي الديمقراطي توفان إرهورمان (22 في المائة) لأكينجي بتحقيق فوز توقعه بعض المحللين.
ويرى ميتي هاتاي المحلل السياسي في مركز «بريو» للأبحاث المتعلقة بالقبارصة الأتراك واليونانيين، أن مشاركة المهاجرين والأتراك الذين يحملون جنسية جمهورية قبرص التركية في التصويت، قد قلب التوازن «لا سيما في الأوساط الريفية»، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
ولعبت نسبة المشاركة المرتفعة رغم تفشي وباء «كوفيد - 19» (67 في المائة مقابل 58 في المائة في الجولة الأولى)، أيضاً دوراً في ترجيح كفة تتار، الذي استفاد من دعم نشط لتركيا خلال حملته الانتخابية.
وقبل أيام من الدورة الأولى للانتخابات، أعلن تتار من أنقرة وإلى جانبه إردوغان، إعادة فتح منتجع فاروشا الساحلي المهجور الذي أقفله الجيش التركي بعد تقسيم الجزيرة. بالتوازي مع ذلك، أعلن عن مشروع قناة تحت الماء تربط بين شمال قبرص وتركيا، وعن توفير أنقرة لمائة سرير للدعم في مكافحة وباء «كوفيد - 19».
وأقر أكينجي بهزيمته، لكنه أثار من جديد مسألة التدخل التركي في الانتخابات. وأكد الأسبوع الماضي أن وسائل إعلام موالية لتركيا تقود «حملة أخبار كاذبة»، مضيفاً أنه تلقى تهديدات تحضه على الانسحاب.
ونفت الرئاسة التركية الاثنين أي تدخل في الانتخابات، داعية إلى احترام «رغبة» القبارصة الأتراك الذين تعرضوا لـ«الخيانة» من الاتحاد الأوروبي رغم جهودهم في حلّ المسألة القبرصية. واحتل الجيش التركي في عام 1974 الثلث الشمالي من جزيرة قبرص رداً على انقلاب عسكري يهدف إلى إلحاق الجزيرة باليونان. وتمارس جمهورية قبرص المعترف بها دولياً والعضو في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004، سيطرتها على ثلثي الجزيرة الواقعين جنوب المنطقة العازلة الخاضعة لإشراف الأمم المتحدة. وباءت آخر مفاوضات رسمية عقدت بين الطرفين في عام 2017 بالفشل.
وفي حين أحيا أكينجي الآمال بتأييده توحيد الجزيرة وإنشاء دولة فيدرالية، يدعم تتار بالمقابل حلاً بدولتين.
في خطاب فوزه، قال تتار إنه سيعود «متى أصبح ذلك ضرورياً» إلى طاولة المفاوضات، مؤكداً في الوقت نفسه أن القبارصة الأتراك لن يقدموا «تنازلات» حول بعض النقاط المتعلقة بـ«السيادة». ومن المقرر أن تدعو الأمم المتحدة قريباً إلى اجتماع بين الطرفين يضم أيضاً تركيا واليونان وبريطانيا القوة الاستعمارية السابقة في الجزيرة.
ودعا الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس الاثنين تتار بحذر إلى الاستجابة بإيجابية للمبادرة الأممية. وبعيد ذلك، أعلنت الحكومة القبرصية أن تتار وافق خلال اتصال هاتفي على لقاء أنستاسيادس «بأسرع ما يمكن» في مقر الأمم المتحدة في المنطقة العازلة. ودعت اليونان أيضاً إلى «المضي قدماً»، وحضت تتار على «المساهمة في إعادة توحيد الجزيرة».
من جهته، أعرب إردوغان الأحد عن التزامه العمل إلى جانب تتار «من أجل حل المسألة القبرصية». وسيسعى تتار إلى توثيق الصلات مع أنقرة التي تعتمد عليها شمال قبرص اقتصادياً. ويتوقع مراقبون أن يزداد اعتماد الشمال حيث ينتشر أصلاً 30 ألف عسكري تركي على أنقرة، وصولاً ربما إلى ضم صريح له إلى تركيا.
ويعتبر هاتاي أن «كل شيء ممكن»، مضيفاً أنه «لذلك يجب حشد دعم القبارصة الأتراك، وحتى مؤيدو تتار غير مستعدين (لدعم الضم) في هذه المرحلة». ويشكل شمال قبرص حجر زاوية في الاستراتيجية التركية في شرق المتوسط، حيث تقف أنقرة بشكل رئيسي بمواجهة اليونان والقبارصة اليونانيين.
وبعدما قامت بعمليات تنقيب في مياه قبرص الشمالية، أرسلت أنقرة من جديد الأسبوع الماضي سفينة استكشاف في مياه تقول أثينا إنها تابعة لها، مما أحيا النقاش من جديد واستدعى تنديداً من قادة الاتحاد الأوروبي وتهديداً بعقوبات.
وخلال اتصال هاتفي مع تتار عقب فوزه، توقع إردوغان تواصلاً للتعاون «بدءاً من الأنشطة المرتبطة بالمشتقات النفطية».
في هذا السياق، يرى هاتاي أن المحادثات حول مسألة قبرص مع اليونان وتركيا برعاية الأمم المتحدة قد تكون «وسيلة جيدة لجمع الجميع حول الطاولة لمعالجة مكامن التوتر الإقليمية».
هل يقوّض انتخاب مؤيد لإردوغان في شمال قبرص جهود إعادة توحيد الجزيرة؟
هل يقوّض انتخاب مؤيد لإردوغان في شمال قبرص جهود إعادة توحيد الجزيرة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة