النظام السوري أمام معادلة حرجة: زراعة التبغ أم القمح؟

بعد الحرائق... صحيفة تقترح استصلاحاً سريعاً لتأمين الخبز

جانب من حرائق غابات اللاذقية التي تم التغلب عليها مؤخراً (إ.ب.أ)
جانب من حرائق غابات اللاذقية التي تم التغلب عليها مؤخراً (إ.ب.أ)
TT

النظام السوري أمام معادلة حرجة: زراعة التبغ أم القمح؟

جانب من حرائق غابات اللاذقية التي تم التغلب عليها مؤخراً (إ.ب.أ)
جانب من حرائق غابات اللاذقية التي تم التغلب عليها مؤخراً (إ.ب.أ)

يبدو النظام السوري في هذه المرحلة أمام معادلة حرجة: أيهما أهم لاقتصاده، التبغ بمردود العملة الصعبة، أم القمح الذي يعد أساس الأمن الغذائي في سوريا؟ ففي وقت تشتد فيه أزمة الخبز في سوريا، وتزداد تعقيدا مع تحديد حصة الفرد من الخبز المدعوم بثلاثة أرغفة ونصف الرغيف، يوميا، يحصل عليه بموجب «البطاقة الذكية»، تتحدث الأنباء عن افتقاد مادة الطحين من الأسواق، فبالإضافة إلى عوامل العقوبات الدولية، لجأت حكومة النظام، خلال السنوات الماضية، إلى تشجيع زراعة التبغ للحصول على القطع الأجنبي عبر التصدير، بدل التركيز على خطة زراعية تسد الحاجة للقمح محافظة على الأمن الغذائي.
بالأمس، وقبل أن يبرد جمر الحرائق في مناطق الساحل، اقترحت صحيفة محلية رسمية على الحكومة، بدمشق، إجراء استصلاح سريع للأراضي المحروقة وزراعتها بالقمح. وقالت صحيفة الثورة الرسمية، إن تلك الأراضي «ذات تربة خصبة وأمطار عالية ويمكن تجهيزها بكلف بسيطة، مع تأمين احتياجات هذه الزراعة من سماد ومحروقات وتشجيع الفلاحين على زراعة القمح».
وبلغت مساحة الأراضي المحروقة في محافظتي طرطوس واللاذقية11 ألفًا و500 هكتار، 60 في المائة منها أراضٍ حرجية، والمساحة المتبقية هي أراض زراعية 4 في المائة منها فقط مزروعة، بحسب تقارير وزارة الزراعة حول الأضرار التي خلفها 156 حريقا التهم أرياف محافظات حمص وطرطوس واللاذقية، تتوزع على49 حريقًا في طرطوس، 12 حريقًا في حمص و95 حريقًا في اللاذقية. وذلك بعد أقل من شهر على اندلاع حرائق مماثلة في منطقة الغاب بريف حماة.
ويحمل النظام السوري مسؤولية أزمة الخبز لواشنطن والدول الغربية، التي «تتفنن في كيفية معاقبة الشعب السوري بإصدار قوانين الحصار»، و«منع مرور سنبلة قمح من حقول جزيرتنا المعطاءة ...... التي تشكل بيدر قمحنا وخزان نفطنا وغازنا»، بحسب تعبير الصحيفة الرسمية، التي اقترحت على وزارة الزراعة أن تكون خطة العام 2021 «استثنائية لوضع استثنائي» من أجل دعم الأمن الغذائي ولأن «الحرب لم تنته». واقترح التقرير، زيادة أراضي زراعة القمح، عبر تخصيص ثلث المساحة المخصصة لزراعة الشعير في محافظات حماة وحمص وحلب ودرعا والسويداء للقمح، أي ما يعادل 200 ألف هكتار.
مصادر متابعة بدمشق قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن الأزمة التي تواجهها الحكومة بدمشق، هي «عدم توفر القطع الأجنبي اللازم لشراء القمح والنفط، سواء من مناطق الإدارة الذاتية الجزيرة محافظة الحسكة الواقعة ضمن مناطق النفوذ الأميركي، أم عبر الاستيراد». وأكدت أن الحكومة مضطرة إلى «فرض تقنين مجحف على المواد الأساسية التي توفرها بالسعر المدعوم، لأنها تقوم ببيع أكبر حصة من المتوفر لديها للقطاع الخاص بأسعار مضاعفة، وهو ما يفسر توفر المواد الأساسية بالسوق الموازي».
يشار إلى أن تسعيرة ربطة الخبز الحكومي المدعوم، تبلغ 50 ليرة سورية، في حين تباع الربطة ذاتها في السوق السوداء بـ500 ليرة، وربطة الخبز السياحي بـ800 ليرة. الدولار الأميركي يعادل 2300 ليرة.
وقالت مصادر اقتصادية، إن «الحكومة، خلال السنوات الماضية، بدل التركيز على خطة زراعية لسد الاحتياج من القمح للمحافظة على الأمن الغذائي، لجأت إلى تشجيع زراعة التبغ للحصول على القطع الأجنبي عبر التصدير، فضاعفت أسعار شراء التبغ من المزارعين، نوع الاكسترا كان بـ800 ليرة للكغم، أصبح بـ1800 ليرة، إلا أن ذلك لم يمنع المزارعين من بيع الأصناف الممتازة لتجار السوق السوداء من المحسوبين على النظام، حيث تهرب تلك الأصناف خارج البلاد، وما تبقى من أصناف، تشتريه المؤسسة العامة للتبغ الملتزمة بشراء كامل المحصول»، وذلك بالتزامن مع «تحول سوريا إلى منطقة لزراعة الحشيش والمخدرات بعد أن كانت دولة عبور فقط».
ويعد التبغ من أهم المحاصيل الاقتصادية في سوريا، وتقول المعلومات الواردة في موقع المؤسسة العامة للتبغ، إنه «المحصول الزراعي الثالث في سوريا ويعمل في زراعته حوالي ستين ألف مزارع، ويعيش على زراعته وصناعته وتجارته، حوالي تسعين ألف نسمة». وتشير معلومات رسمية، إلى أن زراعة التبغ راحت تمتد خلال السنوات القليلة الماضية، من الساحل نحو منطقة الغاب في ريف حماة وسط سوريا. وبلغت مساحة الأراضي المزروعة بالتبغ، هذا العام، نحو 27 ألف دونم كانت تزرع سابقا بالقمح والشعير.
كما توسعت المساحة في الريف الغربي لمحافظة حمص في مناطق تواجد ميليشيا حزب الله، وقدرت مساحتها العام الجاري بـ4700 دونم كانت تزرع قبل الحرب بأشجار التفاح والمشمش. وبعد التسوية بين قوات النظام والفصائل المعارضة في درعا، عادت زراعة التبغ لتنشط وتتوسع في ريف المحافظة الذي كان ينتج أجود أنواع القمح القاسي، فالدورة الزراعية القصيرة والعائد الاقتصادي الأفضل لزراعة التبغ، وهذا ما وضع النظام السوري أمام معادلة حرجة: التبغ أم القمح الذي يعد أساس الأمن الغذائي في سوريا.
وكانت «الإدارة الذاتية» الكردية في مناطق الجزيرة السورية قد حددت سعر القمح بالدولار الأميركي الثابت، ما أحرج دمشق لناحية تدني السعر الذي عرضته بالليرة السورية، وذلك قبل منع «الإدارة الذاتية» إدخال شحنات القمح إلى المناطق الخاضعة للنظام السوري، بزعم الحفاظ على الاحتياطي من القمح الذي سجل إنتاج نحو 900 ألف طن منه في عام 2019، وفي العام الذي سبقه نحو 350 ألف طن، اشترت دمشق منه 100 ألف طن، أي حوالي 40 في المائة من المحصول. وهذا العام جاء المنع الكردي، بالتوازي مع قانون قيصر، ما حرم مناطق سيطرة النظام من الحصول على حاجتها من القمح.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.