إيران تعزز دعمها للحوثيين باعتماد سفير لدى الجماعة في صنعاء

استياء في الشارع اليمني ودعوات للرد على تصرف طهران العدائي

شحنة أسلحة إيرانية كانت متجهة إلى الحوثيين تمت مصادرتها في فبراير الماضي (البحرية الأميركية)
شحنة أسلحة إيرانية كانت متجهة إلى الحوثيين تمت مصادرتها في فبراير الماضي (البحرية الأميركية)
TT

إيران تعزز دعمها للحوثيين باعتماد سفير لدى الجماعة في صنعاء

شحنة أسلحة إيرانية كانت متجهة إلى الحوثيين تمت مصادرتها في فبراير الماضي (البحرية الأميركية)
شحنة أسلحة إيرانية كانت متجهة إلى الحوثيين تمت مصادرتها في فبراير الماضي (البحرية الأميركية)

عززت إيران من دعمها السياسي والعسكري للميليشيات الحوثية الانقلابية في اليمن بإرسالها سفيرا معتمدا لدى الجماعة الموالية لها في صنعاء، وهو ما أثار استياء واسعا في الشارع اليمني بالتزامن مع دعوات للشرعية للرد على هذه الخطوة العدائية من قبل طهران.
وتحاشت طهران الاعتراف الرسمي المباشر بالجماعة الحوثية طيلة سنوات قبل أن تقوم الجماعة في أغسطس (آب) 2019 بتعيين القيادي المقرب من زعيم الجماعة إبراهيم الديلمي سفيرا مزعوما لها في طهران وتقوم الأخيرة بالاعتراف به وتسليمه مقرات السفارة اليمنية.
وجاء إعلان طهران أمس (السبت) في تصريحات للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة نقلتها عنه وكالة أنباء «فارس» قال فيها إن «السفير الإيراني الجديد في اليمن حسن إیرلو وصل إلى صنعاء» ووصفه بأنه «سفير فوق العادة ومطلق الصلاحية».
وأكد المتحدث الإيراني أن إيرلو سيقدم قريبا نسخة من أوراق اعتماده لوزير خارجية الانقلاب الحوثي هشام شرف كما سيقدم أوراق اعتماده لرئيس مجلس حكم الانقلاب مهدي المشاط.
وفي حين لم تكشف إيران عن الطريقة التي وصل بها إيرلو إلى صنعاء، أفادت مصادر مطلعة في صنعاء بأنه وصل على متن طائرة عمانية نقلت الأربعاء الماضي 283 جريحا حوثيا كانوا يتلقون العلاج، ضمن صفقة مع واشنطن أفرجت الجماعة بموجبها عن معتقلين اثنين يحملان الجنسية الأميركية كما أفرجت عن رفات ثالث.
وأكدت وسائل إعلام الجماعة الحوثية حينها أن آخرين من عناصرها لم تحدد عددهم غادروا أيضا صنعاء إلى مسقط لتلقي العلاج.
ويتهم ناشطون يمنيون الأمم المتحدة وطائراتها بتسهيل وصول القادة والخبراء الإيرانيين إلى اليمن للمساعدة في تثبيت حكم الانقلاب والإسناد العسكري ونقل تقنيات تصنيع المتفجرات والتدريب على تجميع قطع الصواريخ والطائرات المسيرة المهربة. وقبل أيام كانت وسائل إعلام حوثية أفادت بأن طائرة أممية نقلت القيادي عبد الله صبري إلى دمشق بعد أن عينته الجماعة سفيرا لها لدى النظام السوري، خلفا للسفير السابق نائف القانص، كما ذكرت هذه الوسائل أن الجماعة ستعين القيادي والمنظر الموالي لها عبد الملك العجري ممثلا لها في الدوحة.
ويقول الناشطون اليمنيون إن على الحكومة الشرعية الرد على الخطوة الإيرانية التي رأوا فيها انتهاكا للسيادة وإصرارا من قبل طهران على إطالة أمد الحرب وانتهاك القوانين والقرارات الدولية.
وفي هذا السياق تحدث الباحث السياسي والأكاديمي اليمني الدكتور فارس البيل لـ«الشرق الأوسط» وقال «هذه الخطوة، اعتراف رسمي بمسؤولية النظام الإيراني عن كارثته في اليمن، وتحدٍ للمجتمع الدولي وجهوده للسلام، وينبغي ألا تمر بشكل باهت من قبل الحكومة الشرعية، إذ كيف وصل هذا السفير المدعو بينما كل المنافذ تحت الرقابة، كما أنه يجب أن تقابل هذه الخطوة بتحرك دبلوماسي عريض».
وأوضح البيل أن «هذه الخطوة الاستفزازية رسالة من النظام الإيراني، بأنه يقف بشكل واضح ضد السلام في اليمن، ويدفع ذراعه الحوثي للتصعيد وتعقيد المشكلة أكثر، كما أنها رسالة ضمنية بقيادة الدمار في اليمن وتعد تهديدا للمجتمع الدولي برمته».
وأشار الدكتور البيل إلى أن طهران لن تسمح للحوثي بالاقتراب من دائرة السلام. وأضاف «على المجتمع الدولي أن يعيد ترتيب المعادلة إذا أراد حل المشكلة اليمنية، فإيران هي المتبني للحرب والدمار وترفض كل جهود السلام، ومالم تتعامل الجهود الدولية وفقا لهذه الرؤية، فإن السلام في اليمن بعيد المنال وستتسع دائرة الخراب في المنطقة».
يشار إلى أن الحكومة اليمنية كانت طلبت من مجلس الأمن الدولي إدانة تصرف النظام الإيراني على خلفية قيامه بالاعتراف بحكومة الانقلابيين الحوثيين وتسليم السفارة اليمنية في طهران وبقية المقرات الدبلوماسية إلى الجماعة الحوثية.
واعتبرت البعثة اليمنية لدى الأمم المتحدة في رسالة قدمتها العام الماضي إلى مجلس الأمن أن ما قامت به طهران يعد «خرقاً لالتزامات إيران الدولية بموجب ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية وقرار مجلس الأمن 2216».
وقالت البعثة في خطابها «إن الحكومة اليمنية تعتبر أن الدفاع عن قواعد القانون الدولي مهمة جماعية يجب أن تضطلع بها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وأن ما قام به النظام الإيراني يهدف لإحداث سابقة خطيرة في العلاقات الدولية مما يستدعى مواجهته من قبل مجلس الأمن حفاظا على القواعد المنظمة للعلاقات الدولية».
وكان اليمن قطع علاقته الدبلوماسية مع طهران بتاريخ 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2015 وطالب النظام الإيراني، بمراعاة أحكام المادة 45 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية للعام 1961 وحماية مقر البعثة الدبلوماسية للجمهورية اليمنية بطهران وأموالها ومحفوظاتها».
ويعد القيادي الديلمي المعين سفيرا مزعوما في طهران من المنتمين إلى سلالة زعيم الميليشيات، ومن أتباع الجماعة العقائديين الذي تلقوا تعليمهم الطائفي في إيران وفي الضاحية الجنوبية، كما كان مدير قناة «المسيرة» الحوثية التي يترأس مجلس إدارتها المتحدث باسم الجماعة ووزير خارجيتها الفعلي محمد عبد السلام فليتة.
وبثت وسائل إيرانية العام الماضي صورا للديلمي رفقة فليتة وقيادي آخر في الجماعة أثناء لقائهم بالمرشد الإيراني علي خامنئي ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، وخلال لقاء ثلاثي ضم وفد الجماعة مع مسؤولين إيرانيين وسفراء بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا لدى طهران.
وحينها جاء الاعتراف الرسمي الإيراني بالجماعة بعد نقل فليتة رسالة خطية من عبد الملك الحوثي إلى المرشد الإيراني تضمنت في نصها تقديم البيعة للأخير واعتبار حكمه في طهران امتدادا للرسول الكريم وعلي بن أبي طالب، وفق ما ذكره الموقع الرسمي للمرشد خامنئي، وتكتمت عليه وسائل إعلام الجماعة.



«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.