جريمة قتل المعلّم تهز فرنسا... والتحقيقات تبحث عن شركاء للجاني

ماكرون يندد بـ«الهجوم الإسلاموي الإرهابي» ويتعهد بعدم السماح بـ {انتصار الظلامية}

الرئيس ماكرون يتحدث إلى الصحافة أمام المدرسة إلى جانب وزير الداخلية جيرالد دارمانان (إ.ب.أ)
الرئيس ماكرون يتحدث إلى الصحافة أمام المدرسة إلى جانب وزير الداخلية جيرالد دارمانان (إ.ب.أ)
TT

جريمة قتل المعلّم تهز فرنسا... والتحقيقات تبحث عن شركاء للجاني

الرئيس ماكرون يتحدث إلى الصحافة أمام المدرسة إلى جانب وزير الداخلية جيرالد دارمانان (إ.ب.أ)
الرئيس ماكرون يتحدث إلى الصحافة أمام المدرسة إلى جانب وزير الداخلية جيرالد دارمانان (إ.ب.أ)

اسمه عبدالله أبو يزيدفيتش، ولد في موسكو في 12 مارس (آذار) من عام 2002، عمره إذن 18 عاماً. شيشاني الأصل وقد وصل إلى فرنسا قاصراً. يعيش مع عائلته في مدينة أيفرو الواقعة شمال غربي باريس. يحمل وثيقة إقامة على الأراضي الفرنسية بصفة لاجئ سياسي صالحة حتى عام 2030. لم يكن معروفاً عنه أنه ينتمي إلى تيار راديكالي إسلاموي متطرف، ولم يكن مسجلاً على لوائح الأشخاص المتطرفين الذين يشكلون خطراً على الأمن في فرنسا، جل ما عرف عنه أنه ارتكب جنحاً باللجوء إلى العنف وإنزال أضرار بممتلكات عامة عندما كان قاصراً.
لم يمثل أبداً أمام المحاكم وسجله العدلي «نظيف». ورغم ما تقدم، فإن عبد الله أبو يزيدفيتش ذبح عصر الجمعة الماضي، صامويل باتي، أستاذ التاريخ والجغرافيا والتربية المدنية في تكميلية مدينة كونفلان سانت هونورين البالغ من العمر 47، وفصل رأسه عن جسده وفق ما كان يقوم به تنظيم «داعش» ويبثه على وسائل التواصل الاجتماعي.
عمله لم يكن مرتجلاً، بل خطط له ونفذه بإحكام. انتظر ضحيته على باب المدرسة في آخر يوم قبل العطلة المدرسية التي تمتد لأسبوعين. جاء باكراً إلى محيط المدرسة وطلب من تلامذة معلومات عن أستاذ التاريخ وتربص به وقتله، وهو على الطريق بين مدرسته ومنزله. الشرطة البلدية اكتشفت جسد الضحية واتصلت بالأجهزة الأمنية التي وصلت سريعاً، وعثرت على الجاني على بعد نحو 200 متر من المدرسة، وهو يحمل سكيناً وبندقية تطلق الخردق. وتبين مقاطع فيديو موجودة على شبكات التواصل الاجتماعي لحظات المواجهة بينه وبين الجاني. أفراد القوة الأمنية طلبوا منه أن يرمي سلاحه وينبطح أرضاً. صرخوا به مكررين طلبهم أكثر من مرة. لكنه لم يمتثل للأوامر، لا بل إنه صوب ببندقيته ناحية رجال الأمن واتجه صوبهم مهدداً. ويؤكد هؤلاء أنه صرخ «الله أكبر». عندها أطلق رجال الأمن عشر رصاصات طرحته أرضاً ليموت عند نقله إلى المستشفى.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد ظهر أمس، كشف رئيس النيابة العامة جان فرنسوا برنار كثيراً من التفاصيل التي تخص الجاني وعائلته. إلا أن الأهم أن هذه العملية التي سارعت النيابة العامة لوصفها بالإرهابية، جاءت للفرنسيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والحزبية والدينية. فهي، ومن جهة، المرة التي تحصل فيها عملية إرهابية تتم بفصل الرأس عن الجسد، وسبق أن حصل شيء مشابه قبل عدة سنوات ولكن لأسباب خاصة. والعنصر الثاني أن مرتكب هذه الجريمة الشنيعة لا يتجاوز عمره 18 عاماً. والثالث أن هذه العملية جاءت بعد ثلاثة أسابيع على عملية إرهابية مشابهة قام بها رجل باكستاني مستخدماً ساطوراً في الشارع الذي كانت تقع فيه مكاتب المجلة الساخرة «شارلي إيبدو». والعنصر الأخير أن عبد الله أبو يزيدفيتش برر عمليته بأنها انتقام من أستاذ التاريخ الذي أبرز الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد التي نشرتها «شارلي إيبدو» قبل ست سنوات وأعادت نشرها بداية الشهر الماضي، مع بدء محاكمة من بقي حياً من المتهمين بالمشاركة بشكل وبآخر في العملية الإرهابية بداية يناير (كانون الثاني) عام 2015، التي قام بها الأخوان كواشي، وبنتيجتها تم القضاء على 11 رساماً وصحافياً وعاملاً في المجلة المذكورة، إضافة إلى قتل شرطي كانت مهمته حراسة مكاتب المجلة.
وللتذكير، فإن ما قام به الجاني وبالنظر إلى بشاعة جريمته، أعاد إلى أذهان الفرنسيين أجواء المخاوف من الإرهاب الذي أوقع في السنوات الخمس المنقضية 259 ومئات الجرحى. ومن الطبيعي أن يركز المسؤولون والأجهزة الأمنية اهتمامهم على هذه الحادثة.
الرئيس إيمانويل ماكرون سارع للذهاب إلى مدينة كونفلان سانت هونورين بعد مشاركته في اجتماع أمني في خلية الأزمات في وزارة الداخلية، بحضور رئيس الحكومة جان كاستيكس وكبار المسؤولين، فيما قطع وزير الداخلية جيرالد دارمانان زيارته للمغرب وعاد فوراً إلى باريس.
واليوم يعقد مجلس الدفاع الأعلى برئاسة ماكرون اجتماعاً في قصر الإليزيه سيخصص للعملية الإرهابية وللتدابير التي سيتعين على الحكومة اتخاذها، لتجنب حصول أحداث مشابهة في المستقبل. والخيط الجامع بين كل ردود الفعل الرسمية والسياسية والشعبية والإعلامية انصبت على التهديد المتمثل بالإرهاب المرتبط بالفكر الإسلاموي المتطرف، والإسلام السياسي.
وفي كلمة مقتضبة في موقع الحادثة، وصف ماكرون ما حصل بأنه «هجوم إرهابي إسلاموي»، وهو التعبير الذي استخدمه أيضاً رئيس الحكومة وكل المسؤولين، وكلهم اعتبروا أنه «اعتداء على الجمهورية وعلى قيمها، وأحد أهم أساساتها وهو المدرسة». وأضاف ماكرون أن فرنسا «ستبقى واقفة على قدميها ولن تنحني أمام الإرهاب، والظلامية لن تنتصر ولن ينجح (الإرهابيون) في تشتيت صفوفنا، وهو ما يسعون إليه، ولذا علينا أن نبقى كتلة واحدة وصفاً واحداً معاً».
وتجدر الإشارة إلى أن هذه العملية جاءت بعد أسبوعين من خطاب الرئيس الفرنسي الذي كرسه لاستراتيجيته لمحاربة ما سماه «الانفصالية الإسلاموية». وتتعين الإشارة إلى أنها المرة الأولى التي يأتي فيها ماكرون على ذكر «الإرهاب الإسلاموي».
منذ الحادثة، قامت القوى الأمنية بتوقيف تسعة أشخاص غالبيتهم من عائلة الجاني. ومن المعلومات التي جاء بها المدعي العام أن أخته غير الشقيقة التحقت بـ«داعش» في سوريا في عام 2014، وقد أصدر المدعي العام جان فرنسوا برنار مذكرة بالتحري عنها والقبض عليها. ومباشرة بعد العملية فتح تحقيق قضائي تحت اسم القتل العمد على صلة بمشروع إرهابي وتشكيل عصابة إرهابية مجرمة.
وفي الساعات التي تلت العملية، قامت القوى الأمنية بالقبض على تسعة أشخاص غالبيتهم من عائلة الجاني. وفصل المدعي العام البراهين التي تؤكد أن الروسي الشيشاني خطط لعمليته الإرهابية، لا بل إنه من قام بتبني العملية على شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن أعدم أستاذ التاريخ وبث صورة ضحيته بعد مقتله.
وأظهر تحليل هاتف الجاني الجوال أنه قام بتسجيل تبني العملية ظهراً، أي قبل خمس ساعات من حصولها، أما الصورة فقد أدخلها قبل الساعة الخامسة بدقائق قليلة. إضافة إلى ذلك، أفاد المدعي العام بأن عبد الله أبو يزيدفيتش وجد في محيط المدرسة طيلة بعد ظهر الجمعة، وطلب من تلامذة أن يدلوه على أستاذ التاريخ الذي كان يعرف اسمه. وبحسب مديرة المدرسة، فإن صامويل باتي تلقى عدة تهديدات بسبب الحصة المدرسية التي أظهر فيها بعض رسوم «شارلي إيبدو»، ما أثار حفيظة تلامذة تحدثوا إلى أهاليهم عن هذا الأمر.
وعلم أن والد إحدى التلميذات وصديقاً له جاءا إلى المدرسة للشكوى من تصرف أستاذ التاريخ، لا بل إن الثاني وضع صورته مع تغريدة يشرح فيها ما قام به في الصف التكميلي الرابع، داعياً إلى التنديد بما فعل بتاريخ 5 أكتوبر (تشرين الأول).
وتختلف الروايات: رواية بعض التلامذة الذين يؤكدون أن صامويل باتي طلب من التلامذة المسلمين الخروج من الصف، بينما رواية الأخير أنه عرض على من يرغب الخروج مخافة أن تصدمه الصور التي أراد إظهارها في حصة التربية المدنية وتحت اسم حرية التعبير ومدى ملاءمة نشر «شارلي إيبدو» الرسوم الكاريكاتورية.
وليس سراً أن الرأي السائد في فرنسا أن حرية النشر والتعبير يجب أن تكون تامة كاملة، وهو ما شدد عليه كل من تناولوا الحادثة، عملاً بمبدأ العلمانية وبغض النظر عن الحساسيات التي يمكن أن تثيرها لدى المسلمين. ولا شك أن التحقيق سيهتم بجلاء ما حصل في الصف المذكور. إلا أن اهتمامه الأول منصب لمعرفة ما إذا كان الشاب روسي المولد قد تلقى مساعدة لوجيستية أو عمل بتأثير خارجي أو داخلي، وخصوصاً دور عائلته التي أوقف منها جده ووالده وشقيقته الصغرى.
وقامت القوى الأمنية التي كلفت التحقيق في العملية بدهم عدة شقق ومنازل، وبلغ عدد الموقوفين تسعة أشخاص بينهم الرجل الذي شهّر بأستاذ التاريخ ونشر صورة له وتغريدة تدعو للاحتجاج على ما يقوم.
وأمس، قررت الرئاسة الفرنسية تكريم ذكرى الضحية في يوم وطني باعتباره شهيد التعليم والمدرسة وحرية الرأي والتعبير. ووجه وزير التربية رسالة إلكترونية إلى كل أساتذة التعليم الرسمي يؤكد فيها المبادئ الرئيسية في التعليم وأهمية العلمانية وتلقين حرية الفكر والتعبير.


مقالات ذات صلة

تركيا: القبض على 45 «داعشياً» بعمليات متزامنة في 16 ولاية

شؤون إقليمية وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا أكد استمرار العمليات ضد تنظيم «داعش» حتى القضاء على آخر عناصره (من حسابه على «إكس»)

تركيا: القبض على 45 «داعشياً» بعمليات متزامنة في 16 ولاية

ألقت قوات مكافحة الإرهاب التركية القبض على 45 من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي في عمليات متزامنة في 16 ولاية في أنحاء مختلفة من البلاد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا موظف يتحقق من وثائق رجل لاستلام جواز سفره في مكتب البريد الرئيسي في مدينة كابل، أفغانستان، الأربعاء، 3 يوليو، 2024 (أ.ب)

علماء دين في أفغانستان يطالبون بتشديد الأمن قبل شهر المحرم

عقد عددٌ من علماء الدين وسكانٌ من ولايات شمالية وشمالية شرقية من أفغانستان ومسؤولون محليون اجتماعات تشاورية في مدينة مزار شريف، استعداداً لشهر المحرم.

«الشرق الأوسط» (كابل )
آسيا قررت حكومة «البنجاب» تشديد الترتيبات الأمنية إلى جانب حجب وسائل التواصل الاجتماعي (متداولة)

إقليم «البنجاب» الباكستاني يوصي بحظر وسائل التواصل الاجتماعي 6 أيام خلال محرم

أوصت حكومة إقليم «البنجاب» الباكستاني وزير الداخلية الاتحادي، بحظر وسائل التواصل الاجتماعي، من السادس حتى 11 من شهر محرم، للسيطرة على انتشار مواد الكراهية.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد )
آسيا انتشار أمني باكستاني إثر انفجار نجم قنبلة مزروعة على الطريق (أرشيفية)

باكستان: مقتل شخصين وجرح 8 آخرين بانفجار قنبلة مزروعة على أحد الجسور

قال مسؤولون إن قنبلة مزروعة على أحد الجسور أصابت عربة ركاب في شمال غربي باكستان، يوم الجمعة، ما أسفر عن مقتل شخصين على الأقل وإصابة 8 آخرين.

«الشرق الأوسط» (بيشاور (باكستان))
أفريقيا أفراد من الجيش النيجري (أرشيفية)

جيش النيجر يعلن مقتل أكثر من 100 «إرهابي» بعد هجوم أوقع قتلى

أعلن جيش النيجر أنه قتل أكثر من 100 «إرهابي» في عمليات جوية وبرية؛ رداً على هجوم استهدف جنوداً قرب الحدود مع بوركينا فاسو، موقعاً قتلى.

«الشرق الأوسط» (نيامي (النيجر))

مؤيدون للفلسطينيين يرفعون لافتات على مبنى البرلمان في أستراليا

مؤيدون لفلسطين يعلقون لافتات أعلى مبنى البرلمان في كانبيرا (إ.ب.أ)
مؤيدون لفلسطين يعلقون لافتات أعلى مبنى البرلمان في كانبيرا (إ.ب.أ)
TT

مؤيدون للفلسطينيين يرفعون لافتات على مبنى البرلمان في أستراليا

مؤيدون لفلسطين يعلقون لافتات أعلى مبنى البرلمان في كانبيرا (إ.ب.أ)
مؤيدون لفلسطين يعلقون لافتات أعلى مبنى البرلمان في كانبيرا (إ.ب.أ)

رفع ناشطون مؤيّدون للفلسطينيين في كانبيرا، الخميس، لافتات على مبنى البرلمان الأسترالي تدعو لوقف الحرب المستعرة في قطاع غزة منذ نحو 9 أشهر.

وتأتي هذه المظاهرة على خلفية انقسامات داخل حكومة حزب العمال برئاسة أنتوني ألبانيزي الذي علّق عمل سيناتورة مسلمة بعد أن صوّتت لصالح مذكرة تطالب بأن تعترف أستراليا بدولة فلسطين، وذلك خلافاً للخط السياسي لحزبها، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت السيناتورة فاطمة بايمان إنّه تم «حظرها» بعد أن دعمت المذكرة البرلمانية التي طرحها حزب الخضر.

عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أستراليا الغربية فاطمة بايمان تعقد مؤتمراً صحافياً في القاعة الجدارية بمبنى البرلمان الأسترالي في كانبيرا (رويترز)

ونظّمت مظاهرة، الخميس، مجموعة تطلق على نفسها اسم «رينيغيد أكتيفيستس» (الناشطون المتمردون).

وقالت المجموعة لوسائل إعلام أسترالية إنها لن تنسى أو تغفر لألبانيزي الذي تتهمه بالتواطؤ في الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

الشرطة تتحدث إلى سيدة مؤيدة لفلسطين خارج مبنى البرلمان في كانبيرا (إ.ب.أ)

وتسلّق أفراد من هذه المجموعة يرتدون ملابس سوداء ويعتمرون الكوفية الفلسطينية، واجهة البرلمان ورفعوا فوق مدخله لافتات عديدة كبيرة باللونين الأبيض والأسود كتب عليها «من النهر إلى البحر... فلسطين ستتحرّر» و«لا سلام على أرض مسروقة» و«جرائم حرب».

لافتة كبيرة أعلى مبنى البرلمان كُتب عليها «من النهر إلى البحر... فلسطين ستتحرّر» (إ.ب.أ)

وقال السيناتور المعارض جيمس باترسون إنّ ما حدث شكّل «انتهاكاً خطيراً لأمن البرلمان».

مبنى البرلمان في كانبيرا (إ.ب.أ)

وعلى غرار غالبية حلفائها الغربيين، لا تعترف أستراليا بوجود دولة فلسطينية، وقد أعربت عن دعمها لتسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني على أساس حلّ الدولتين.

مظاهرة نظمتها مجموعة تطلق على نفسها اسم «رينيغيد أكتيفيستس» (إ.ب.أ)

وفي تحرك احتجاجي منفصل جرى الخميس أيضاً في المكان نفسه، أُغلق لفترة وجيزة مدخل البرلمان المخصّص للعموم بعد أن ألصق نشطاء مناخ أنفسهم على أعمدة المبنى الواقعة عند مدخله.