إقلاع أول طائرة من طرابلس إلى بنغازي يمهد لإزالة «الكراهية»

مفاوضات لتبادل أسرى الحرب والجثامين بين «الوفاق» و«الجيش الوطني»

الطائرة قبل إقلاعها من مطار معيتيقة بطرابلس إلى مطار بنينا في بنغازي أمس (مطار معيتيقة)
الطائرة قبل إقلاعها من مطار معيتيقة بطرابلس إلى مطار بنينا في بنغازي أمس (مطار معيتيقة)
TT

إقلاع أول طائرة من طرابلس إلى بنغازي يمهد لإزالة «الكراهية»

الطائرة قبل إقلاعها من مطار معيتيقة بطرابلس إلى مطار بنينا في بنغازي أمس (مطار معيتيقة)
الطائرة قبل إقلاعها من مطار معيتيقة بطرابلس إلى مطار بنينا في بنغازي أمس (مطار معيتيقة)

لم تكد طائرة «الخطوط الأفريقية» تهبط على مدرج مطار بنينا الدولي بشرق ليبيا، صباح أمس، حتى استبشر عموم الليبيين بأنحاء البلاد خيراً، معبرين عن أملهم في استكمال بقية الترتيبات التي من شأنها إزالة تراكمات الحرب على طرابلس، وهدم «حائط الكراهية»، وفي مقدمتها تبادل الأسرى والجثامين.
وبدت الطائرة التي أقلعت من مطار معيتيقة الدولي بطرابلس، في ساعة مبكرة من صباح أمس، كـ«طائر سلام» يحمل رسائل المودة، ويبشر بطي صفحة حرب دامت 13 شهراً خلَّفت آلاف القتلى والجرحى، وألحقت ضرراً بالبنية التحتية بالعاصمة. وأعلن مطار بنينا أن الرحلة الافتتاحية ضمت وفداً من الطيران المدني و«الخطوط الجوية الأفريقية»، وذلك لمناقشة الأمور المتعلقة بتسيير الرحلات الداخلية والخارجية، وإجراءات الصيانة، بالإضافة للتباحث حول الإجراءات الاحترازية الواجب اتباعها بين المطارين.
وفي أجواء احتفائية حطت الطائرة، وسط استقبال وصفه المطار بـ«الرائع»، وعبَّر نواب وسياسيون ليبيون عن فرحتهم بهذه الخطوة التي قالوا إنها بداية «للم شمل البلاد التي مزقت الحرب نسيجها الاجتماعي»، ورأى رئيس المؤسسة الليبية للإعلام محمد عمر بعيو، في عودة الطيران بين غرب وشرق ليبيا، أنها بمثابة هدم «لجدران الكراهية» بين الليبيين، وقال: «ها هي طائرة (الخطوط الأفريقية) ترتفع، وها هي جدران الكراهية والقطيعة بين (الإخوة الأرحام) أهل الوطن الواحد تزول وتقع، وها هم الرجال الأفذاذ أبناء ليبيا الحبيبة يعملون ويفعلون وينجزون».
وبشر بعيو في إدراج له عبر «فيسبوك» أمس، بأن هذه الرحلة تدشن للرحلات الجوية المنتظمة لشركات الطيران الوطنية خلال الأيام المقبلة بين كل مطارات ليبيا، متابعاً: «الحروب ليست خياراً، والانقسام ليس قدراً، والأرحام والرحمة والتراحم والتواصل والتلاحم والتواد والمحبة، هي القدر والخيار والاختيار لأهل ليبيا الحبيبة». واستكمل: «طوبى للوطن الحبيب وأهله، ولا عزاء للعملاء الذين حاولوا بكل ما استطاعوا إلغاء ومنع هذه الرحلة التاريخية»، مثمناً دور فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي ونائبه أحمد معيتيق، بالإضافة للمسؤولين المدنيين والعسكريين في بنغازي، على ما بذلوه لإنجاح هذا العمل الذي وصفه بـ«الوطني التاريخي».
وبينما دعا النائب بمدينة طرابلس أبو بكر أحمد سعيد، إلى عدم الالتفات لمن سمَّاهم «دعاة الفتن والتحريض والمرجفين»، وصف الخبير الاقتصادي سليمان الشحومي، عودة الطيران بين بنغازي وطرابلس، بـ«الخطوة المفرحة والمهمة راهناً باتجاه عودة التواصل ولم الشمل بين الليبيين»، متمنياً فتح «مزيد من الجسور بين أبناء البلد الواحد».
وكانت حركة الطيران الداخلي بين شرق وغرب ليبيا قد توقفت على خلفية الحرب التي شنها المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» على طرابلس، في الرابع من أبريل (نيسان) عام 2019، وانتهت بتراجع قواته قرابة 50 كيلومتراً وتمركزها قرب تخوم سرت بوسط ليبيا. وتسببت الحرب بين شطري البلاد في شيوع خطاب الكراهية خلال أشهرها الثلاثة عشر، مع تصاعد نبرة عدائية في الأوساط السياسية الليبية والاجتماعية، حملت قدراً كبيراً من «التخوين» بين الخصوم، بسبب تبني البعض مواقف متباينة من العملية العسكرية، ما دفع كثيرين آنذاك لتبني هاشتاغ «لا لخطاب الكراهية».
ونقلت وسائل إعلام محلية عن ميلاد الهجرسي، مدير مكتب حوكمة الشركات الليبية الأفريقية للطيران القابضة، رئيس وفد الرحلة المتجهة إلى مطار بنينا، قوله: «نعمل على تذليل كل العراقيل لاستئناف الرحلات بين كل المطارات الليبية غرباً وشرقاً وجنوباً». وينظر لعودة الطيران بين طرابلس وبنغازي على أنه خطوة على طريق استكمال بقية الإجراءات التي ستزيل الاحتقان بين الجانبين، من بينها استكمال تبادل أسرى الحرب وجثامين القتلى بين الجانبين.
وقال مسؤول عسكري ينتمي إلى غرب البلاد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك مفاوضات جارية «بين جيشنا وقوات شرق ليبيا، لتسليم الأسرى الذين وقعوا في قبضة الجانبين، بالإضافة إلى مفاوضات كيفية تسليم جثامين المقاتلين الذي قضوا خلال المعارك».
وأضاف المسؤول الذي رفض ذكر اسمه، أن هذه المفاوضات «تأتي استكمالاً لمناقشات أجراها وفد من أعيان ومشايخ المنطقة الشرقية، خلال زيارته منتصف الأسبوع إلى مصراتة، التقوا خلالها وفداً من أعيان المدينة، وأكدا على إطلاق مسار المصالحة ولم الشمل». وتفقد وفد المنطقة الشرقية السجن الذي يقبع فيه بعض المحتجزين العسكريين التابعين لـ«الجيش الوطني». وسبق لـ«الجيش الوطني» وقوات حكومة «الوفاق» تبادل الأسرى لكن بأعداد محدودة، بالنظر إلى كثرة المحتجزين لدى الجانبين، من بينهم قيادات عسكرية من الصف الأول. وكانت قوات «الوفاق» تمكنت من أسر اللواء طيار عامر الجقم، بعدما أسقطت طائرة من طراز«ميغ 23». وقال المتحدث باسم «الجيش الوطني» اللواء أحمد المسماري في وقتها، إن قائد الطائرة اللواء طيار عامر الجقم، وقع في قبضة «إرهابيين» من مدينة الزاوية بغرب ليبيا.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».