محامو تونس يضربون احتجاجاً على «عنف أجهزة الأمن»

دعوة القضاء إلى تحمل المسؤولية في الدفاع عن استقلاليته

جانب من الوقفة الاحتجاجية للمحامين في العاصمة تونس أمس (إ.ب.أ)
جانب من الوقفة الاحتجاجية للمحامين في العاصمة تونس أمس (إ.ب.أ)
TT

محامو تونس يضربون احتجاجاً على «عنف أجهزة الأمن»

جانب من الوقفة الاحتجاجية للمحامين في العاصمة تونس أمس (إ.ب.أ)
جانب من الوقفة الاحتجاجية للمحامين في العاصمة تونس أمس (إ.ب.أ)

نفذ محامو تونس إضراباً عاماً أمس بمختلف محاكم الجمهورية، كما نظموا وقفة احتجاجية أمام قصر العدالة بالعاصمة التونسية أعقبتها مسيرة رمزية انطلقت من أمام قصر العدالة لتصل إلى قصر الحكومة بالقصبة، وذلك على خلفية تطورات قضية «الاعتداء على المحامية التونسية نسرين قرناح» من قبل رئيس مركز أمن بمنطقة بن عروس القريبة من العاصمة. ورفع المحامون عدة شعارات من بينها «لا للضغط على القضاء... لا للإفلات من العقاب» و«الضغوطات الأمنية انتهاك واضح لاستقلالية القضاء».
من جانبها قادت جمعية المحامين الشبان حملة «حصانة المحامي وكرامته خط أحمر»، ومن المنتظر أن تنظم اجتماعات وتحركات على مستوى الجهات انتصارا لقضية الأستاذة نسرين قرناح كما ورد في بلاغ لها. وأمام المئات من المحامين الغاضبين، قال إبراهيم بودربالة إن مهنة المحاماة ستكون صامدة وفي مستوى مسؤوليتها في الدفاع عن رسالتها، واعتبر أن مهنة المحاماة في تونس تحترم المؤسسة الأمنية وفي احترامها لهذا الدور، فإن المحاماة تطلب منها أن تحسن هذه الصورة.
وكان قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية ببن عروس قد قرر الإبقاء على رئيس مركز الأمن المتهم بالعنف بحال سراح، وهو قرار أغضب المحامين بعد اتهام الأمن بمحاولة احتجاز زميلتهم وغلق الباب ضدها ودفعها، ووجهت المحكمة له تهم «احتجاز شخص دون موجب قانوني، والاعتداء بالعنف». ودعا بودربالة المؤسسة القضائية إلى تحمل مسؤوليتها في الدفاع عن استقلالية القضاء وتأمين المحاكمات العادلة، مشيرا إلى أنه أصبح من الواجب إعادة النظر في كل ما يتعلق بالمؤسسات القضائية والعمل على أن يكون دور المؤسسة القضائية هو بعث الطمأنينة في نفس كل المواطنين دون استثناء.
وأكد أن المحامين الذين حضروا يوم 9 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بالمحكمة الابتدائية ببن عروس، كانت لهم نيابة في ملف القضية، ولم يحضر غيرهم من المحامين حتى لا يتم التأثير على قاضي التحقيق، في إشارة إلى حضور أعداد من الأمنيين بالمحكمة نفسها واتهامهم بمحاولة التأثير على سير القضاء التونسي.
وبشأن ما حصل بمقر محكمة الابتدائية ببن عروس، قالت أميرة العمري رئيسة نقابة القضاة إن قاضي التحقيق ذكر في تقريره «أن المحامين قد حضروا بكثافة داخل قاعة الجلسات وكانوا في حالة هيجان وقاموا باقتحام مكتبه عنوة، دون استئذان ووصل بهم الأمر إلى التهديد والهرسلة والتطاول على القضاء وشتمه بأبشع النعوت»، ذلك إضافة إلى الاعتداء لفظيا على الملحقة القضائية التي كانت موجودة في مكتب قاضي التحقيق المتعهد، وهي رواية مختلفة عما رواه المحامون. وقالت العمري «يريدون عدالة على المقاس ولسنا اليوم في صراع بين القضاة والمحامين، كما يريدون التسويق له، بل نحن شركاء في العدالة وهي شراكة تستوجب الاحترام».
وكان محمد بوستة وزير العدل التونسي قد دعا جميع الأطراف المتدخلة في منظومة العدالة خلال اجتماع عقده مع عميد المحامين قبل يوم من الإضراب، إلى ضمان حسن سير هذه المنظومة، وقال إن ذلك يقتضي «تضافر جميع مكوناتها حتى يتسنى لها الاضطلاع بدورها على أكمل وجه مثمنا الدور المهم الذي تقوم به المحاماة في المنظومة القضائية».
وفي السياق ذاته، قالت رئيسة نقابة القضاة إن الأوضاع المتردية التي يعمل فيها القضاة والضغوط التي تمارس عليهم والتطاول والتهميش الذي يعيشونه، كلها عوامل جعلتهم في حالة استياء كبير. وأكدت أن هذا الاستياء قد يصل إلى حد اتخاذ قرار بالدخول في إضراب وتعليق العمل وحتى إلى استقالة جماعية، حتى تستفيق الدولة وتتحمل مسؤوليتها في دعم الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية. وأكدت العمري أن استقلال القضاء لا يمكن أن يتحقق متى تم انتهاك كرامة القضاة والتطاول عليهم، على خلفية قراراتهم وأحكامهم القضائية التي تبقى محل طعن من خلال الوسائل المتاحة قانونا، مشيرة إلى أن الضغط على القضاء ومحاولة توجيهه وتطويعه طبقا للمصالح الخاصة ووفقا للنزعات القطاعية، لا يمس فقط اعتبار القضاة واستقلاليتهم، بل ينال أيضا من حقوق الدفاع المتعلقة بطرف دون آخر.
وكان عميد المحامين التونسيين قد وجه مراسلات إلى كل من رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي لإحاطتهم علما بكل تفاصيل ملف الاعتداء على المحامية نسرين قرناح. كما قرر توجيه مراسلات إلى كل من وزير العدل محمد بوستة ووزير الداخلية توفيق شرف الدين ورئيس المجلس الأعلى للقضاء مع طلب لقائهم. وأعلن عن إعداد مراسلة إلى اتحاد المحامين العرب والاتحاد الدولي للمحامين وممثل الأمم المتحدة المكلف باستقلال القضاء والمحاماة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.