حق الناقد

حق الناقد
TT

حق الناقد

حق الناقد

> عُرف عن الناقد البريطاني الراحل غيلبرت أدير خروجه من الأفلام التي لا تعجبه. وعندما تم تأبينه بكلمات زملاء له، قام أحدهم، بذكر ذلك في كلمته عنه، مفسراً أن أدير برر ذلك بأن الخروج من الفيلم قبل إتمام مشاهدته حق للناقد.
> ربما حال أدير محدود الانتشار بين النقاد. معظمهم - وأنا بينهم - نشاهد الأفلام كاملة. البعض، مثل ناقد عربي معروف وناقد بريطاني مشهور، اعتاد النوم في الأفلام. الأول يفيق ثم يغفو والثاني (وعمره الآن يربو عن الثمانين) يغفو بعد عشر دقائق، أو نحوها ويستيقظ قبل نهاية الفيلم أو عند نهايته.
> هذا أسوأ من أن يغادر الناقد فيلماً قرر أن لا يشاهده. شخصياً التزم بمشاهدة كاملة لنحو 85 في المائة من الأفلام التي أراها. بالنسبة لـ15 في المائة الأخرى أقرر الخروج لسببين: انعدام الأمل في حدوث معجزة ترفع من مستوى الفيلم المتدنّي وإدراكي بأنني لن أكتب عنه.
> ثم الكثير من الأفلام التي أخرج منها أتابعها لاحقاً، إما عبر ما يُرسل إلى من أسطوانات قبل انتخابات جمعيتي «لندن فيلم سيركل» و«ذا هوليوود أسوشياشن فورِن برس»، هذا لجانب الاشتراكات المدفوعة سلفاً لعدد من شركات البث (فستيفال سكوب، سيناندو، نتفلكس إلخ…).
> طالما أنها ليست عادة غالبة، وفي حدود استثناءات قليلة، فإن من حق الناقد أن يخرج من فيلم رديء، ومن حقه أن يبقى متابعاً له حتى اللقطة الأخيرة وظهور الأسماء. أحياناً ما يكون الفيلم من إخراج سينمائي معروف، أو يطرح موضوعاً مثيراً للاهتمام لا يمكن تفويته وأحياناً لأنه ليس هناك شيء آخر يمكن للناقد أن يفعله قبل بدء الفيلم التالي.
> إنه اختيار مشروط بعدم الكتابة عنه نقدياً. هذا في الوقت الذي تابعت فيه قيام عديدين من الكتاب بالكتابة نقدياً عن أفلام لم يرونها وآخرين يجلسون معاً وإن قام أحدهم للمغادرة هب الجميع معه!
> ثم هو اختيار مسؤول، فالمقام الأوّل لمشاهدة الفيلم بكامله وإبقاء مسألة الخروج من بعض الأفلام فعلاً استثنائياً وليس تطبيعاً لعادة جديدة.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.