الجزائر: إدانة «الابنة السرية» لبوتفليقة بـ 12 سنة سجناً

أحكام ثقيلة ضد وزيرين ومدير الشرطة في القضية نفسها

جانب من الاحتجاجات الأسبوعية وسط العاصمة الجزائرية للمطالبة بإطلاق سراح الصحافي خالد درارني (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات الأسبوعية وسط العاصمة الجزائرية للمطالبة بإطلاق سراح الصحافي خالد درارني (أ.ف.ب)
TT

الجزائر: إدانة «الابنة السرية» لبوتفليقة بـ 12 سنة سجناً

جانب من الاحتجاجات الأسبوعية وسط العاصمة الجزائرية للمطالبة بإطلاق سراح الصحافي خالد درارني (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات الأسبوعية وسط العاصمة الجزائرية للمطالبة بإطلاق سراح الصحافي خالد درارني (أ.ف.ب)

أدانت محكمة بالعاصمة الجزائرية، أمس، «مدام مايا» التي ادعت أنها ابنة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بالسجن 12 سنة مع التنفيذ، على أساس تهم فساد خطيرة، تورط فيها وزيران ومدير الشرطة سابقاً؛ إذ نال كل واحد منهم عقوبة 10 سنوات سجناً مع التنفيذ.
وعدت «قصة مايا»، واسمها الحقيقي زوليخا نشناش، لغزاً محيراً، وأعطت، بحسب محامين على صلة بالملف، انطباعاً قوياً عن حالة التسيّب، والتلاعب بمؤسسات كبيرة في الدولة، مثل رئاسة الجمهورية.
فخلال سنوات طويلة، تصرفت «مايا» على أساس أنها ابنة بوتفليقة، وقد كانت فعلاً على صلة به، حسبما ذكرته هي في محاضر التحقيق الأمني. لكن هذه العلاقة ظلت غامضة.
وأثناء المحاكمة التي استمرت أسبوعاً، طالب محامون باستدعاء بوتفليقة لسماعه في القضية، لكن القاضي رفض، علماً بأن عامة الجزائريين يعرفون أن بوتفليقة لم تكن له زوجة ولا أولاد، وقد اعتقلت «مايا» (40 سنة) العام الماضي، بناء على بلاغات ضدها.
وجرت متابعة «ابنة الرئيس» والمسؤولين الحكوميين، بتهم «غسل أموال»، و«استغلال النفوذ» و«منح امتيازات غير مستحقة»، و«تبديد المال العام»، و«تحريض عون عمومي (موظف حكومي) على منح امتيازات غير مستحقة»، و«تهريب العملة الصعبة نحو الخارج».
وخلال المحاكمة، أكد وزيرا الأشغال العمومية والعمل، عبد الغني زعلان ومحمد الغازي، أن محمد روقاب، السكرتير الخاص لدى بوتفليقة، طلب منهما منح زوليخا مشروعات وامتيازات استثمارية، بصفتيهما واليين (قبل أن يصبحا عضوين في الحكومة خلال السنوات الأخيرة لحكم بوتفليقة)، وأكد لهما أن الأمر يتعلق بأوامر صادرة عن الرئيس وتخص ابنته. وقد أكدا أنهما لم يكن بوسعهما رفض تنفيذ تلك الأوامر، التي جاءتهما من الرئاسة.
وتعطي قوانين البلاد للوالي، بصفته ممثلاً للحكومة، سلطة واسعة للتصرف في المال العام والصفقات الحكومية. وقد جرت إدانة غازي وزعلان من طرف القضاء في قضايا أخرى، بتهم فساد. وصرح روقاب في المحكمة بأنه تلقى توصية من بوتفليقة بخصوص «ابنته» المفترضة، وأنه كان مرغماً على تطبيق أوامره التي نقلها إلى الواليين. وحسبما جاء في التحقيق، فقد اختارت «مايا» ولايتي الشلف ووهران بغرب البلاد لإطلاق مشروعات مربحة. وكان لها ما أرادت في ظرف قصير بفضل زعلان وغازي. كما اعترف مدير الشرطة السابق، اللواء عبد الغني هامل، بأنه جهز إقامة زوليخا بكاميرات مراقبة، بناء على طلب مسؤولين نافذين في الرئاسة. وقد عاشت «ابنة بوتفليقة» المفترضة فترة طويلة في مقر إقامة تابع للرئاسة، يقع بمنتجع سياحي بالعاصمة.
يذكر أن هامل يقضي عقوبة 15 سنة سجناً بتهم فساد، كما أدان القضاء زوجته وأبناءه الثلاثة بأحكام ثقيلة بالسجن في القضية نفسها.
إلى ذلك، أدانت محكمة بوهران، أمس، 4 أشخاص بالسجن 4 أشهر مع التنفيذ، بتهم «إهانة هيئة نظامية»، و«التجمهر غير المسلح»، و«المسّ بالنظام العام».
وتعود الوقائع إلى 5 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، حينما خرج نشطاء بالحراك الشعبي في شوارع وهران، كبرى مدن غرب البلاد، احتفالاً بمرور 32 سنة على انتفاضة شعبية مشهودة (1988) للمطالبة بالديمقراطية والحرية، وإنهاء نظام الحزب الواحد. وخلال الاحتجاجات جرى اعتقال العشرات من المتظاهرين، فيما شهدت العاصمة في اليوم نفسه احتجاجات مماثلة، اعتقل فيها كثير من النشطاء والحقوقيين أيضاً، يرتقب تنظيم محاكمات لهم قبل نهاية الشهر.
وأعلن المعتقلون الأربعة في وهران عن إضراب عن الطعام في السجن، تعبيراً عن سخطهم من الحكم. ويصل عدد المعتقلين بسبب التعبير عن مواقفهم السياسية، إلى 70 بحسب «اللجنة الوطنية للمطالبة بالإفراج عن معتقلي الحراك الشعبي» الذي أطاح حكم ونظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.