السودان: قتلى وجرحى في احتجاجات على إقالة حاكم كسلا

إغلاق الميناء والطرق... وتخوفات من تصاعد النزاع القبلي

السودان: قتلى وجرحى في احتجاجات على إقالة حاكم كسلا
TT

السودان: قتلى وجرحى في احتجاجات على إقالة حاكم كسلا

السودان: قتلى وجرحى في احتجاجات على إقالة حاكم كسلا

قتل 6 أشخاص وأصيب 13 آخرون خلال تجدد الاحتجاجات بشرق السودان، وذلك على خلفية إعفاء حاكم ولاية كسلا، فيما أغلق المئات من المتظاهرين الطرق المؤدية لميناء بورتسودان، والطريق القومي الذي يربط الإقليم بالعاصمة الخرطوم، وهو ما دفع السلطات بولاية البحر الأحمر لإعلان فرض حظر التجوال إلى حين هدوء الوضع الأمني.
ووصف الحاكم صالح عمار قرار إعفائه في هذا التوقيت بأنه «لطمة» لقيم ومبادئ ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019، وعدم قراءة لتعقيدات الأوضاع في الإقليم، داعيا مؤيديه إلى ضبط النفس، وعدم التعدي على الأفراد أو مؤسسات الدولة.
وقال عمار في بيان أمس إنه مستمر في معركته السلمية والسياسية لأن قرار ترشيحه «لم يكن قبليا، بل جاء من قيادة الثورة في تحالف الحرية والتغيير ولجان المقاومة بكسلا».
وأصدر رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، أول من أمس، قراراً بإعفاء حاكم ولاية كسلا من منصبه. وقال مصدر إن ستة أشخاص قتلوا وجرح 13 شخصا في المظاهرات التي شهدتها مدينة سواكن.
ويتحدر صالح، الذي تم ترشيحه من تحالف الأحزاب الحاكم، «قوى التغيير»، من قبيلة بني عامر، التي يشكل وجودها ثقلا كبيرا في ولايات شرق السودان الثلاث (البحر الأحمر، وكسلا، والقضارف). لكنه لم يباشر مهامه تخوفا من تأزم الأوضاع الأمنية.
في غضون ذلك، قالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» إن مدينة كسلا تشهد حالة من الاحتقان والتوتر بسبب إقالة الحاكم «على أساس قبلي». مشيرة إلى أن أنصار الحاكم نظموا مظاهرات، وأغلقوا بالمتاريس العديد من الأحياء بالمدينة، وأن الأوضاع باتت مرشحة للانفجار في أي وقت.
واندلعت المظاهرات أمس في مدن كسلا وبورتسودان وسواكن، حيث خرج الآلاف للتنديد بقرار إقالة الحاكم، والمطالبة بإعادته إلى منصبه فورا.
وشهدت كسلا في أغسطس (آب) الماضي اشتباكات بين أنصار الحاكم المقال، والمجموعات القبلية الرافضة لتعيينه، أدت إلى وقوع 5 قتلى و6 جرحى، وحرائق في السوق الرئيسية للمدينة.
وكان صالح قد رهن تقديم استقالته بعقد مؤتمر للسلام والمصالحة في الإقليم، واعتذار المجموعة الرافضة له، التي تورطت في قيادة الخطاب العنصري، وأعمال الفوضى بدعم ومساندة أنصار النظام المعزول. واعتبر صالح قرار إقالته رضوخا لابتزاز مجموعة من بقايا المؤتمر الوطني (المنحل)، تحت ستار زعيم قبيلة، ومجموعات من الفاسدين وأصحاب مصالح، يقفون وراء المجموعة العنصرية التي تعمل على جر الإقليم إلى فتنة ومواجهات قبلية ومجتمعية.
وحذر الحاكم المقال القوات النظامية من اللجوء إلى العنف ضد المتظاهرين سلميا، وحماية حق التعبير الكامل، مؤكدا أنه لن يدخر جهدا لتحقيق السلام الاجتماعي، ومناهضة العنصرية ومكافحة الفساد والمفسدين.
من جهة ثانية، قال رئيس حزب التواصل، إدريس شيدلي، إن مظاهرات حاشدة انطلقت في بورتسودان، أدت إلى إغلاق الميناء الشمالي والجنوبي والأسواق، وأحدثت شللا تاما للحركة. مبرزا أن أعدادا كبيرة من المحتجين أغلقوا الطريق القومي أمام شاحنات النقل التجارية، كما تم حجز حافلات الركاب المتجهة من المدينة إلى الخرطوم، وطالبوا بإعادة الحاكم لمنصبه. كما أشار شيدلي إلى حدوث بعض الاحتكاكات بين المجموعات القبلية، المؤيدة للحاكم المقال، والرافضة له، ولم يستبعد أن تتصاعد أعمال العنف والصدامات ذات الطابع القبلي.
وعلى إثر تصاعد الاحتجاجات أعلن حاكم ولاية البحر الأحمر، عبد الله شنقراي، فرض حظر تجوال بمدينتي بورتسودان وسواكن، ابتداء من منتصف نهار أمس، وإلى أجل غير مسمى. وعزت لجنة أمن الولاية في بيان حظر التجوال للظروف الأمنية التي تعيشها الولاية بسبب الاحتجاجات على قرار إعفاء والي كسلا صالح عمار.
وقالت اللجنة في بيان إن المحتجين قاموا بإغلاق الطرق المؤدية إلى ميناء بورتسودان الشمالي وميناء سواكن، وبعض طرق الأحياء بمدينة بورتسودان.
وأبلغت مصادر «الشرق الأوسط» أن رئيس الوزراء رضخ لضغوط بعض العسكريين في مجلس السيادة الانتقالي لإعفاء حاكم كسلا، وتسرع باتخاذ القرار، متجاوزا خريطة الطريق الآمنة التي طرحها الحاكم لتجاوز الأزمة في الإقليم.
وأغلق أنصار المجموعة الرافضة لحاكم كسلا، والتي يقودها ناظر قبلية الهدندوة، محمد الأمين (ترك) الميناء الأسبوع الماضي، وقطعوا الطريق القومي لمدة أربعة أيام، قبل أن يتراجعوا بعد تهديدات من الحكومة بالتعامل وفقا للقانون لفض الاحتجاجات.
وفي يوليو (تموز) الماضي أصدر رئيس الوزراء قرارا بتعيين 18 حاكما مدنيا مكلفا للولايات، إلى حين توقيع اتفاق السلام مع الحركات المسلحة، الذي يقضي بإعادة تشكيل الحكومة في الخرطوم والحكومات الولائية.
ويتكون شرق السودان من ثلاث ولايات هي بورتسودان، وكسلا، والقضارف، تقطنها مجموعات سكانية من مختلف قبائل السودان، وتعد قومية البجا الغالبة في الإقليم، بالإضافة إلى قبيلة بني عامر، ومجموعات من كل أنحاء البلاد.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم