الزعيم الكوري الشمالي يمد يد الصلح إلى سيول

دعا واشنطن للقيام بـ«انعطافة جريئة».. وندد بتركيزها على ملف «حقوق الإنسان» الماكر

كوريان جنوبيان يشاهدان كلمة الزعيم الكوري الشمالي بمناسبة رأس السنة على شاشة تلفزيون في سيول أمس (إ.ب.أ)
كوريان جنوبيان يشاهدان كلمة الزعيم الكوري الشمالي بمناسبة رأس السنة على شاشة تلفزيون في سيول أمس (إ.ب.أ)
TT

الزعيم الكوري الشمالي يمد يد الصلح إلى سيول

كوريان جنوبيان يشاهدان كلمة الزعيم الكوري الشمالي بمناسبة رأس السنة على شاشة تلفزيون في سيول أمس (إ.ب.أ)
كوريان جنوبيان يشاهدان كلمة الزعيم الكوري الشمالي بمناسبة رأس السنة على شاشة تلفزيون في سيول أمس (إ.ب.أ)

عرض الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، أمس، إجراء محادثات «على أرفع مستوى» مع كوريا الجنوبية ما يمهد الطريق أمام قمة تاريخية فيما تسعى بلاده الشيوعية إلى تبديد الإدانات الدولية لسجلها في مجال حقوق الإنسان. وهذه الخطوة المفاجئة التي جاءت ضمن رسالته التقليدية بمناسبة رأس السنة، ستمهد الطريق أمام أول لقاء بين الكوريتين على أعلى مستوى منذ قمة 2007 في بيونغ يانغ.
وقال كيم: «علينا أن نكتب تاريخا جديدا في العلاقات بين الشمال والجنوب، ما من سبب يمنع إجراء محادثات على أرفع مستوى»، داعيا إلى «فرصة كبرى» في العلاقات بين الكوريتين اللتين لا تزالان رسميا في حالة حرب. وأفادت وسائل إعلام كورية جنوبية أنه كان يشير إلى قمة مع الرئيسة بارك غوين هاي. وحض الزعيم الكوري الشمالي أيضا واشنطن على القيام «بانعطافة جريئة» في سياستها حيال بيونغ يانغ وندد بواشنطن لأنها تقود حملة دولية بسبب سجل كوريا الشمالية في مجال حقوق الإنسان. وقال إن «الولايات المتحدة وأتباعها يعتمدون وسيلة حقوق الإنسان الماكرة لأن خططهم لتدمير قوتنا النووية الرادعة للدفاع عن النفس وضرب جمهوريتنا بالقوة، لم يعد من الممكن تحقيقها». ووصف الأسلحة النووية بأنها حامية بلاده، متوعدا بالرد على «أي استفزازات» تهدد كرامتها.
وتواجه كوريا الشمالية ضغوطا متزايدة لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان فيما تخوض الأمم المتحدة حملة لإحالة قادة بيونغ يانغ إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وشهدت هذه الدولة المعزولة انقطاعا غامضا في خدمة الإنترنت الشهر الماضي بعدما توعدت واشنطن بالرد على هجوم معلوماتي والشكوك بأن كوريا الشمالية وزعيمها كيم جونغ أون يقفان وراء عملية القرصنة التي تعرضت لها استوديوهات «سوني بيكتشرز». ورحبت وزارة التوحيد الكورية الجنوبية المكلفة العلاقات بين الكوريتين بإعلان كيم وحثت الشمال على قبول اقتراح إجراء محادثات رفيعة المستوى هذا الشهر. وقالت الوزارة في بيان، إن «حكومتنا تريد أن ترد كوريا الشمالية بسرعة على عرضنا إجراء حوار إذا كانت راغبة فعليا في تحسين العلاقات عبر الحوار».
وفي رسالته قال كيم أيضا، أن بيونغ يانغ ستبذل «كل الجهود لإحراز تقدم في الحوار والمفاوضات»، مضيفا أن التقسيم «المأساوي» لشبه الجزيرة الكورية يجب ألا يكون مقبولا. وكانت لهجة الزعيم الكوري الشمالي هادئة وتصالحية، لكنه أوضح أنه على كوريا الجنوبية أن توقف مناوراتها العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة. وقال كيم «من الأكيد أن حوارا صادقا لا يمكن أن يتم في ظل هذه الأجواء العنيفة مع استمرار مناورات عسكرية تستهدف الجانب الآخر».
ويرى محللون أن بادرة كيم تأتي بعدما أدرك أن بيونغ يانغ لا يمكن أن تنهي عزلتها من دون تحسين العلاقات مع سيول. وقال يوهو يول الأستاذ في جامعة كوريا، إن «كوريا الشمالية اعتمدت نهجا عمليا بعدما واجهت الحقيقة لأنه من الصعب اليوم تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة ودول أخرى».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»